“سرقة” سموتريتش لأموال الضرائب.. انهيار للسلطة أم تقريب للدولة الفلسطينية؟

حجم الخط
0

ميراف ارلوزوروف
خسرت إسرائيل في الأسبوع الماضي مرتين في “لاهاي”. وأثار ردها على الخسارة أسئلة صعبة حول ما يتعلق بالتفكير المنطقي لزعمائها. رئيس الحكومة، نتنياهو، الذي يقف أمام خطر مذكرات اعتقال دولية، اختار مواجهة الخسارة عن طريق البصق على وجه المدعي العام في محكمة الجنايات الدولية واتهمه باللاسامية. وبدلاً من محاولة تخفيف موقف المدعي العام، فعل نتنياهو عكس ذلك تماماً. ربما نسي رئيس الحكومة بأن الأمر لا يتعلق بمحكمة إسرائيلية يمكن تخويف قضاتها، وأنه إذا اغضب المدعي العام سيسوء وضعه الشخصي في المحكمة ولن يتحسن.
في الوقت نفسه، تعرضت إسرائيل أيضاً لضربة من محكمة العدل الدولية التي حكمت ضدها بشأن اجتياح رفح. في هذه الحالة أيضاً، كان يبدو أن إسرائيل تعمل بشكل مباشر لصالح الدعوى ضدها. وبموازاة قرار الحكم، تم نشر قرار وزير المالية سموتريتش، العمل على تدمير اقتصاد السلطة الفلسطينية من خلال حجز أموال الضرائب التي تنقل إليها، ووقف العلاقات البنكية معها. هذه الخطوات تعتبر خرقاً لاتفاق أوسلو وتعزز صورة إسرائيل كدولة خطيرة وغير عقلانية وتقف على شفا الدولة غير الديمقراطية. باختصار، نعمل على إساءة وضعنا في “لاهاي”.
في موازاة ذلك، يجب التذكير بأن هناك إجراء قانونياً دولياً ثالثاً ضد إسرائيل. فمجلس الأمن ينتظر رأي محكمة العدل في لاهاي… إذا كان الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية قانونياً؟ لم يُقدَّم الرأي حتى الآن، لكن واضح أن خطوات سموتريتش قد تحسم الأمر ضدنا. وهذا سيثبت بشكل نهائي أن إسرائيل جعلت الاحتلال المؤقت ضماً ثابتاً. هذا احتلال يجب على الأمم المتحدة إعلانه غير قانوني.
أرسل سموتريتش الخميس، رسالة لنتنياهو أبلغه فيها عن نيته وقف نقل أموال الضرائب للسلطة الفلسطينية. عملياً، تدمير اقتصاد السلطة الفلسطينية. وأعلن عن وقف نقل أموال الضرائب، 600 – 800 مليون شيكل في الشهر، للسلطة الفلسطينية، وقطع المنظومة البنكية الفلسطينية عن البنوك في إسرائيل (وقف العلاقات البنكية، وعلاقات المراسلة) خلال شهر.
هذه الخطوات تعد خرقاً للملحق الاقتصادي في اتفاقات أوسلو، “اتفاق باريس”، وتشكل خرقاً مباشراً لكل التزامات إسرائيل الدولية. إن وقف نقل أموال الضرائب يجب اعتبارها سرقة حقيقية أيضاً، على الأقل. يدور الحديث عن أموال ضرائب تعود للسلطة الفلسطينية. إسرائيل تجبي تلك الأموال لصالح السلطة بحسب نص اتفاق أوسلو أيضاً. بشكل متعمد، بالمناسبة، نص اتفاق أوسلو على أن تجبي إسرائيل أموال الضرائب لصالح الفلسطينيين، وذلك للتأكيد على أن السلطة الفلسطينية ليست دولة مستقلة. لذلك، لا يمكنها فرض الضرائب أو إدارة علاقات مع بنوك العالم، بل من خلال إسرائيل.
جار مزدهر أفضل من جار بائس
جميع الجهات الاقتصادية الدولية حذرت في نهاية الأسبوع من تأثير خطوات سموتريتش على الاقتصاد الفلسطيني. قالت وزيرة المالية الأمريكية، جينت يالين، إن فصل البنوك الفلسطينية سيؤدي إلى خسارة صفقات بـ 8 مليارات دولار سنوياً للسلطة الفلسطينية، بما في ذلك شراء الكهرباء والمياه والوقود والغذاء. وحسب قولها، هذه خطوة ستجر وراءها كارثة إنسانية في السلطة الفلسطينية، ستضر أيضاً بأمن إسرائيل.
وزراء المالية في الدول المتقدمة (جي 7) نشروا في نهاية الأسبوع الماضي تحذيراً يبرز أن استمرار مقاطعة السلطة الفلسطينية مالياً، سيعرض استقرارها للخطر، وطالبوا بتحرير الأموال. في موازاة ذلك، نشر البنك الدولي تنبؤاً اقتصادياً بائساً بحسبه السلطة الفلسطينية توجد في خطر الانهيار المالي. وحسب معطيات البنك الدولي فإن السلطة الفلسطينية فقدت تقريباً 300 ألف مكان عمل منذ اندلاع الحرب، و200 ألف مكان عمل في غزة. ارتفع الفقر في مناطق السلطة الفلسطينية إلى 12 في المئة (64 في المئة في غزة). وانخفض دخل الفرد 12 في المئة (28 في المئة في غزة) ووصل إلى 3300 دولار سنوياً، ويتوقع أن ينكمش الناتج 6 – 9 في المئة في العام 2024.
هذه التحذيرات لا تخيف سموتريتش، الذي يعمل علناً على تطبيق “خطة الحسم” خاصته، بتقويض السلطة الفلسطينية وضم مناطق “يهودا والسامرة” لإسرائيل. عدم تبني حكومة إسرائيل “خطة الحسم” هذه علناً باعتبارها سياسة رسمية، وعدم حصولها على ثقة الجمهور لتنفيذها، هما أمران لا يأبه لهما سموتريتش. من الأفضل أن تقوم جهات أخرى في الحكومة بوقف الخطة قبل تبلورها، لأن تأثيراتها على إسرائيل قد تكون كارثية.
جميع الخبراء الأمنيين، بما في ذلك هيئة الأمن القومي، يتفقون على أن انهيار اقتصاد السلطة الفلسطينية يتناقض ومصالح إسرائيل الأمنية. جار مستقر ومزدهر أفضل من جار يائس لا يملك ما يخسره. البحث الذي أجراه بنك إسرائيل في فترة الانتفاضة الثانية وجد صلة بين نسبة البطالة في مناطق الضفة الغربية، ونسبة اعمال العنف فيها.
إضافة إلى ذلك، ما زالت السلطة الفلسطينية تتعاون أمنياً مع إسرائيل، ومن السهل تخيل إلى من سيوجه سلاح رجال الشرطة الفلسطينية إذا لم يحصلوا على الرواتب.
تهديد من دون أسنان
حسب أقوال داني كرمون، النائب السابق للسفير في الأمم المتحدة، وأقوال مجلس الأمن بأن الاحتلال أصبح ضماً غير قانوني، أقوال لا أسنان لها؛ فمجلس الأمن لا يمكنه فرض شيء على إسرائيل، لا سيما أمام الفيتو الأمريكي المتوقع ضد فرض أي عقوبات على إسرائيل. وروني لشنو، سفير إسرائيل السابق في الاتحاد الأوروبي، قدر أن الإدارة الأمريكية قد تقف إلى جانب إسرائيل وتساعدها على صد التأثيرات القانونية ضدها. لن يسمح الرئيس الأمريكي بايدن لنفسه بالوقوف ضد إسرائيل، خصوصاً في سنة الانتخابات.
لا يتوقع لشنو أيضاً أن يفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على إسرائيل بسبب خرق اتفاق أوسلو وتقويض السلطة الفلسطينية. فرض العقوبات هذا يحتاج إلى اتفاق واسع، وما زال لإسرائيل اصدقاء في أوروبا يدافعون عنها. وحسب تقديره، سيصك الأوروبيون على أسنانهم ويزيدون الأموال المحولة للسلطة الفلسطينية كتعويض عن تجميد الأموال من قبل إسرائيل، في محاولة لمنع انهيارها اقتصادياً. لكنهم مثل جميع الخبراء في الأمن والعلاقات الخارجية داخل إسرائيل، يقدرون أن انضمام ثلاث هيئات دولية تحكم ضد إسرائيل بالتزامن سيكون أمراً سيئاً جداً. هذا التراكم آخذ في زيادة احتمالية أن تعترف دول أوروبية أخرى بالدولة الفلسطينية. بدلاً من الدفع قدماً بـ “خطة الحسم”، يدفع سموتريتش فعلياً بخطة للاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة.
حتى لو لم يتم فرض عقوبات رسمية، فإن العقوبات غير الرسمية أمر لا مناص منه، وقد تشمل مثلاً مقاطعة زاحفة للأكاديميا والثقافة والفنون والسياحة والتجارة والاستهلاك. سيتوقف المستهلكون في أرجاء العالم عن شراء المنتجات الإسرائيلية، وستتوقف صناديق استثمار عن الاستثمار في مشاريع داخل إسرائيل، وستتوقف صناديق علمية عن تقديم المنح لباحثين إسرائيليين. “سيكون الثمن سياسياً قانونياً واقتصادياً”، قال كرمون. “سيكون هذا حجراً آخر يبعد إسرائيل عن العالم المتنور ويجعلها دولة منبوذة”.
هآرتس/ ذي ماركر 27/5/2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية