سري للغاية

حجم الخط
6

كوني عربية خليجية، أجدني أحن لأبناء جلدتي، يقترب قلبي ممن يتكلم العربية ويهفو طائراً اذا كانت العربية بلكنة خليجية. شيئ بدائي في طبيعتنا الانسانية يجعلنا نتدحرج تجاه متشابهينا، نحن لمن يتكلم بلساننا ونلتصق بمن يحمل معنا تاريخنا. لكننا اليوم لسنا بشر بدائيين، نحن اليوم بشر القرن الواحد والعشرين، بشر يدرك أن فطرته ليست دائماً سليمة، وأن عليه أن يحكم المنطق ليحميه أحياناً من فطرته الهوجاء غير المروضة.
على ضفاف الخليج العربي تستكين دول مجلس التعاون الخليجي، متلاصقات متشابهات، بالكاد تفرق وجوه أبنائها أو تميز لكناتهم المختلفة، دول شوارعها وأحياؤها متشابهة، حكوماتها متفاهمة، وأسرها الحاكمة أبناء عمومة، دول قريبة، أحياناً أكثر من اللازم، من بعضها البعض، حتى أنه اذا رأت السعودية هلالها، صام أهل الكويت، واذا أبرقت في البحرين، أمطرت في الامارات، كل شيئ متشابه متقارب حد الشك والتساؤل: هل تلك ظاهرة صحية؟ أو التساؤل الذي يجب أن يسبق: هل تلك ظاهرة حقيقية؟
ففي خضم كل هذا التشابه، لم يلتفت أحد للشعوب، هل تراها نمت متشابهة أم باعدت الأقدار بينها؟ هل كبرت بذات الطموحات، أم تفرقت الرؤى وتباعدت الأهداف؟ مما لاشك فيه، تبقى بين شعوبنا الخليجية الكثير من العوامل المشتركة، الا أن الطموحات اختلفت والطرق تفرقت، وهي قد تفرقت ايجاباً لا سلباً حين حاول كل شعب أن يجد طريقه المختلف وطموحه المميز وأهدافه الخاصه به وحده. فما لا تدركه الكثير من الأنظمة والحكومات، أن محاولة اجبار شعب ما أو مجموعة من الشعوب على التشابهة في الرؤى والمشي الموحد في الصفوف تودي بالناس الى المرض، مرض التقليد الأعمى والتشابه الذي يميت القلب والطموح. لم يعد التشابهه ميزة الشعوب الحضارية اليوم، فالبلد أو الاقليم الذي ينتمي كل أهله لعرق واحد أو يدينون بدين واحد هو مريض بغياب التنوع، لا يعرف أهله كيف يتعاملون مع المختلف، لا يفقهون معناً للتسامح ولا لقبول الآخر المختلف. لذلك، يجب أن تختلف الشعوب الخليجية، وهي مختلفة فعلاً، وليتها تفخر باختلافاتها وتستثمرها. ليت حكوماتها وأنظمتها تتوقف عن محاولة ‘دفس’ الشعوب كلها في جراب واحد، خصوصاً عندما يكون هذا الجراب ترويعي وتكبيلي، فالناس تكبر والشعوب تتضخم بتضخم أحلامها وطموحاتها، وجراب الحكومات كما هو ‘ون سايز’ لا يود أن يتسع لحاضر يكبر ولا أن يتمطط مع تغيير يستمر.
وها هو الجراب يتمزق مع أول محاولة. حاولت الحكومات والأنظمة فيما حاولت ربط الشعوب الخليجية بسلسلة اتفاقية أمنية قديمة جديدة، اتفاقية تحمي الحكومات وتسلحها ضد شعوبها، اتفاقية ظاهرها ‘هيا نحمي الشعوب’ وباطنها ‘هيا نحمي الأنظمة’، اتفاقية ارادت أن تطابق الشعوب حتى في المخاوف، أن تروعها بذات ‘البعبع’ وأن تعاقبها بذات ‘السجان’ وأن تلوح لها بذات ‘الجلاد’، ولأن الزمان ما عاد هو الزمان، ولأن للطبيعة قانون تدور من خلاله دورة كاملة لتعدل اعوجاجها، سقطت الاتفاقية قبل أن يجف حبرها. فمع أول اختلاف في الرأي، تبين للجميع حجم التباين ليس فقط بين شعوب الخليج ولكن حتى بين أبناء العمومة من أنظمتها من حيث تناولهم السياسي، طموحاتهم، وطريقة تنفيذهم لهذه الطموحات.
فقط عندما تستوعب الحكومات أنها موظفة عند شعوبها، وفقط عندما تتحد الشعوب بناءاً على مصالح حقيقية مشتركة تحقق تغييراً فاعلاً وطيباً في حيواتهم، يمكن للاتفاقيات أن تبرم وللاحتفالات أن تقام. أما أن تدس اتفاقية في وجه شعبك، مغلفها يقول ، وهدفها حمايتك من تحرر شعبك ودمقرطة حياته، ففي هذا الزمان ما عاد لها مكان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سامح // الامارات:

    * مع احترامي لكلام الدكتورة ( ابتهال الخطيب ) …ومقالها الجميل :
    لكن لماذا عنوان المقال ( سري للغاية ) …لا أعرف …؟؟؟!!!
    * توقعت أقرأ …بعض ( الأسرار ) …للأسف لم أجد .
    * ربما يوجد تقصير في ( الحريات العامة ) ف دول الخليج العربي
    وربما يوجد تشدد ( غير مستحب ) …هنا وهناك …وخاصة في ( السعودية )
    ولكن لنعترف : أنّ حكومات دول الخليج العربي وخاصة ( مجلس التعاون )
    حقق ( الرفاهية ) …والرخاء الإقتصادي …للشعوب وقلص نسب ( التضخم )
    و ( البطالة ) لدرجة معقولة …وتسود معظم الدول الخليجية ( نهضة تنموية )
    شاملة لكل مجالات الحياة تقريبا .
    * هذا لا يمنع وجود بعض المشاكل والمعوقات …سواء داخل الدولة الواحدة
    أو بين الدول …ولكن بالجد والإخلاص والنوايا الحسنة يمكن التغلب
    على جميع المشاكل التي تسود منطقة الخليج العربي …لتبقى تجربة
    ( مجلس التعاون الخليجي ) …أفضل وأنجح تجربة عربية مستمرة
    لهذه اللحظة من الزمن .
    شكرا .

  2. يقول مقتنع:

    ابرافو على شعورك وانتمائك . أحبك لهذه الأفكار . وانت على

    كل حال لم تكوني كتلك الآنسة التونسية ” Amina FEMEN ” (?) التي

    اختارت كمقياس الكرامة التونسية ” جنسها وجسدها “…

    بصفة عامة المرئة الخليجية محتفضة ، ” وحشومية ” كما يقال بالمغرب . وهذا

    يزيدها جمالا ورونقا .

  3. يقول ابو راشد المهري:

    د.ابتهال.. عنوان مقالتكم للغايه..جميل..
    ولكن قراءتي للموضوع وبعده لم اجداي جديد.
    ارجو ان تكوني شجاعه اكثرفي الكتابه في مثل هذه
    الامور..
    ليس في الموضوع اي وضوح..
    كل ماكتبتيه صحيح ولكن مالذي تودين الوصول اليه.
    عندي احساس يقين بان هناك شي سري للغايه في اعماق
    تفكيرك الجميل ..

  4. يقول Bahr Al-ulum:

    The Gulf dialect is an insult to the Arabic language

  5. يقول علي:

    موضوع عادي جدا . لكن أقول هناك نقاط يجب التكلم فيها :
    + التطرق للذات الأميرية أمر ليس قابل للجدل ( انتهت الدولة العباسية ومن قبلها الأموية و كذلك العثمانية ) فما الذي يمنع من سقوط أنظمة الخليج .
    انتظرت الأمة الاسلامية 60 سنة و لا يمر شهر إلا و نسمع صفقات سلاح بمليارات الدولارات و كنا ننتظر أن تحرر فلسطين أو يوحد شمل الأمة .
    فما كان إلا انقساما وتفريقا وتعزيرا بأبناء المسلمين ، فلماذا لا نرى حكومات جديدة وانقلابات اسلامية تطيح بالمعسكر القديم سواء كان خليجيا أم مصريا أو عربيا أطلسيا .
    + هناك أناس يحاولون إظهار الطبقة الحاكمة بأنهم بلا أخطاء و أنهم في قمة العقل و الذكاء و الدهاء و لا ينبغى لأحد أن يسبقهم سواء في الأموال أو الأولاد أو الثروات . و مع ذلك كل من يعاندهم هذه الفكرة يجد طريقه الى الاعتقال والسجن .
    + عربي و أفتخر بعروبتي ولكن قبلها أفتخر باسلامي وبكوني مسلم ، و أرى أن ايران التي تراها دول الخليج عدوة لهم قد استفاقت من أكثر من ثلاثين سنة عندما طردت الأمريكان .هناك مسألة كرامة و مسألة احترام الشخص والذات للطرف الآخر . لا نقارن حجم العلم و المعرفة والتكنولوجيا التي بيد أمريكا بالتي في يد الصين أو ايران أو الدول العربية . لكن إن لم أجد أحد لا يحترمني و لا يحترم مبادئي فلا ضير في أن أضع يدي مع الطرف الذي يتقبلني و يحترمني .
    + الآن بدأت محاربة الأفكار ، فإن لم تكن موافقا لتفكيري فأنت عدوي . هذا هو القانون الذي يسري في الدول الخليجية ، وأصحاب القطب الواحد .
    + لا تحب الطبقات الحاكمة سياسة قطر مع أني أنظر لها بأنها دولة يجب احترامها لأنها تجاوزت عقلية الحكم المستبد و فتحت آفاق للجيل الناشئ .

  6. يقول وليد جبرين - فلسطين:

    لا ادري لماذا عندما قرات اسمك ظننتك كاتية من احدى زوايا بلاد الشام . حقيقة اننا لا نجد مثل هذه الاسماء دارجة في دول الخليج الا اذا كان الوضع قد تغير من نصف قرن او اكثر مع دخول آلاف الوافدين العرب الى الخليج العربي طلبا للرزق وهذا ان دل فانه يدل على ان العرب يؤثرون ويتاثرون ببعضهم . اذن فامة العرب واحدة من عمان – بضم العين – الى تطوان بغض النظر ان لبس بعضهم البنطال ولبس آخرون العقال . والحقيقة الثانية ايتها الدكتورة ان كتابتك شيقة وممتعة فكل التقدير والتوفيق .

إشترك في قائمتنا البريدية