تونس- يامنة سالمي: بعد أقل من شهرين على إعلان تدابيره الاستثنائية، أفصح الرئيس التونسي قيس سعيد، ومن قبله مستشاره الدبلوماسي، عن إمكانية إدخال تعديلات على دستور 2014، دون تفاصيل بشأن ماهية التعديلات ولا آلية تمريرها في ظل تجميد البرلمان.
وتشهد تونس أزمة سياسية حادة، منذ أن قرر سعيد في 25 يوليو/ تموز الماضي، تجميد اختصاصات مجلس نواب الشعب (البرلمان) ورفع الحصانة عن نوابه، بالإضافة إلى إقالة رئيس الحكومة، على أن يتولى هو بنفسه السلطة التنفيذية، بمعاونة حكومة يعين رئيسها.
ووفق خبيرين تونسيين، في حديث مع الأناضول، فإن رؤية سعيد لتعديل الدستور ما زالت غامضة، ومن غير المستبعد أن يحاول تغيير النظام السياسي إلى رئاسي، عبر استفتاء شعبي، دون اتباع المسار الدستوري، الذي يفترض موافقة البرلمان المجمد حاليا.
ورفضت غالبية الأحزاب تدابير سعيد الاستثنائية المستمرة إلى أجل غير مسمى، واعتبرها البعض “انقلابا على الدستور”، بينما أيدتها أحزاب أخرى رأت فيها “تصحيحا للمسار”، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية (جائحة كورونا).
وخلال جولة في تونس العاصمة السبت، قال سعيد إنه “يمكن إدخال تعديلات” على الدستور، بحسب التلفزيون الرسمي.
وأضاف: “أحترم دستور 2014 وإجراءاته، ويمكن إدخال تعديلات على نصّه حتى يستجيب لتطلعات الشّعب، دون الانقلاب عليه عكس ما يُروج لهُ”.
وتابع: “يمكن إنجاز ذلك في إطار الحفاظ على سيادة الشّعب وكفالة ممارسة حقوقه والتّعبير عن إرادته والعيش بكرامة في وطن حرٍّ”.
وقبلها بيومين، قال مستشاره الدّبلوماسي، وليد الحجام، في تصريح صحافي، إن “نية سعيد تتجه إلى مراجعة النظام السياسي نحو نظام رئاسي يُعرض على الاستفتاء الشعبي، ما يعني المرور نحو تعليق العمل بالدستور واعتماد آليات أخرى (دستور صغير) لتسيير الدولة”.
واعتبر أنه “في دستور 2014 تمّ وضع نظام سياسي لم يعد مجديا”، ومنذ هذه التصريحات، أعلنت أحزاب ومنظمات وشخصيات تونسية عديدة رفضها تعديل الدستور في ظل تجميد البرلمان.
ويعتمد الدستور نظاما سياسيا مزدوجا يمزج بين النظامين الرئاسي والبرلماني، يشترك فيه رئيسا الجمهورية والحكومة في تسيير شؤون الدولة.
ويختلف هذا النظام عن البرلماني في أن رئيس الجمهورية يتم اختياره من جانب الشعب بالانتخاب المباشر وليس من طرف البرلمان، فيما يختلف عن الرئاسي في أن رئيس الحكومة يكون مسؤولا أمام البرلمان، الذي يستطيع محاسبته وعزله، ولا يكون مسؤولا أمام رئيس الدولة.
وقالت منى كريم، خبيرة في القانون الدستوري، للأناضول، إن “التعديل يجب أن يخضع للإجراءات المنصوص عليها في بنود الباب الثامن من الدستور (الخاص بتعديل الدستور)، وأي تعديل خارج هذا الإطار سيكون خروجا عن المسار الدستوري، وهنا يُطرح تساؤل حول كيفية التعديل ومضمونه، وهذا هو الإشكال المطروح اليوم”.
وأضافت: “لا يمكن الجزم في ما سيتم تعديله من بنود الدستور، لأن رئيس الجمهورية ما زال لم يطرح أي رؤية بعد حول الأمر”.
وتابعت: “لا يمكن معرفة ما قد يقدم سعيد على تعديله، وما إذا كان سيكتفي بتعديل النظام السياسي أم سيشمل التعديل باب الحقوق والحريات أو باب المحكمة الدستورية، وهذا سؤال يبقى مطروحا نتيجة لغموض الرؤية لدى رئاسة الجمهورية وتناقض التصريحات بين الرئيس ومستشاره”.
وشددت كريم على أن “القيام بتعديلات للدستور بصفة قانونية يفترض رفع التجميد عن البرلمان؛ لأنه لا يوجد تعديل دون المرور بالبرلمان وموافقته، أما إذا اختار سعيد مسارا آخر فهذا يطرح إشكالا حول آلية التعديل”.
وأردفت: “يمكن أن يلجأ سعيد إلى آلية الاستفتاء الشعبي في إطار المسار الدستوري، وبذلك فإن عرض التعديل على الاستفتاء، يكون بعد أن يصادق عليه البرلمان”.
وتنص المادة 143 من الباب الثامن بالدستور على أن “لرئيس الجمهورية أو لثلث أعضاء مجلس نواب الشعب حقّ المبادرة باقتراح تعديل الدستور، ولمبادرة رئيس الجمهورية أولوية النظر”.
كما تنص المادة 144 منه على أن “كلّ مبادرة لتعديل الدستور تعرض من قبل رئيس البرلمان على المحكمة الدستورية لإبداء الرأي في كونها لا تتعلق بما لا يجوز تعديله حسبما هو مقرر بهذا الدستور، وينظر البرلمان في مبادرة التعديل للموافقة بالأغلبية المطلقة على مبدأ التعديل”.
وتضيف المادة نفسها أنه “يتم تعديل الدستور بموافقة ثلثي أعضاء البرلمان، ويمكن لرئيس الجمهورية بعد موافقة ثلثي أعضاء البرلمان أن يعرض التعديل على الاستفتاء، ويتم قبوله في هذه الحالة بأغلبية المقترعين”.
وقالت كريم إنه “إذا تم الخروج عن هذا الإطار الدستوري في تعديل الدستور، ولم يتم رفع التجميد عن البرلمان، يصبح كل شيء واردا، وقد يلجأ سعيد عندئذ للاستفتاء الشعبي مباشرة لإعطاء غطاء المشروعية لما سيقوم به”.
ورأت أن “سعيد خرج عن المسار الدستوري منذ 25 يوليو الماضي، لأنه لم يتم احترام كامل إجراءات الفصل 80 من الدستور”.
واستطردت: “لا يمكن الجزم بأن الهدف من تعديلات سعيد إن تمت هو تهميش دور الأحزاب في الحياة السياسية”، فيما استدركت: “الأكيد أن سعيد يرفض منظومة الأحزاب في البلاد، وهو ما عبر عنه مرارا”.
ووفق فريد العليبي، أستاذ الفلسفة السياسية بالجامعة التونسية ومحلل سياسي، فإن “دستور 2014 فيه جملة من الهنات والمعضلات التي عطلت الحياة السياسية طيلة العشر سنوات الماضية، وجعلت من الصعب حل عدة إشكاليات، باعتبار أن الدستور يوزع السلطة على قوى كثيرة، ولا وجود لمركز قرار من شأنه حل هذه المعضلات”.
واعتبر العليبي، في حديث للأناضول، أن “دستور 2014 جاء ضمن توازنات محددة، بما يجعل السلطة موزعة على أكثر من جهة، ومن هنا اعتُبر الدستور مشكلة من المشاكل التي تفسر ما آل إليه الوضع في تونس”.
ورأى أن “تحوير (تعديل) الدستور ممكن، على اعتبار أن السلطة للشعب ويمكنه التدخل لتغييره (عبر الاستفتاء الشعبي)، كما أن الدساتير قابلة للتغيير بتغير الظروف”.
ورجح أن “النية ربما تتجه لتنقيح بعض فصول الدستور.. الرئيس يحترم الدستور، لكنه حريص على مركزة السلطة، وأن يكون النظام السياسي رئاسيا، ووجوب تغيير بعض بنود الدستور لتجاوز المعضلات”.
واعتبر أن “الفصول التي يجب أن تتغير هي الفصول التي تحول دون مركزة السلطة، بمعنى تحويل المنظومة السياسية الحالية إلى منظومة مركزية”.
وأفاد بـ”إمكانية تنقيح الدستور في اتجاه اعتماد نظام رئاسي يكون فيه الرئيس مسؤولا يتحمل المسؤولية كاملة، شرط أن لا يكون نظاما رئاسيا يفعل بموجبه الرئيس ما يريد مثلما كان في عهدي (الرئيسين الراحلين الحبيب) بورقيبة (1957-1987) و(زين العابدين) بن علي (1987-2011)”.
وشدّد على ضرورة أن “يكون التعديل وفق ضوابط وحدود لتلك السلطة، ويكون أيضا للسلطة التشريعية والقضائية صلاحياتهما، لكن في حدود معينة ينبغي الاتفاق عليها بين كل السلطات بشرط عدم تعطيل مصالح التونسيين”.
واستبعد العليبي أن “يكون الهدف من التعديلات تهميش دور الأحزاب في الحياة السياسية”.
وتابع: “الأحزاب في تونس تحتاج إلى غربلة، فاليوم يوجد أكثر من 200 حزب، وانبثقت عن الأحزاب الكبرى أحزاب صغيرة من نفس العائلة السياسية، لذلك يجب ترشيد (إعادة تنظيم) الأحزاب وضمان شفافية تمويلها وتحديد علاقتها بالدولة”.
ومنذ السبت، وقعت 103 من الشخصيات العامة، بينهم نواب وأساتذة جامعيون وحقوقيون ونشطاء سياسيون، على عريضة إلكترونية ترفض أي محاولة من سعيد “للانقلاب على الدستور”، حسب تقديرهم.
كما عبرت أحزاب، بينها حركة “النهضة” (53 نائبا من أصل 217) و”التيار الديمقراطي” (22)، و”الإرادة الشعبية” (نائب واحد)، و”التكتل” (ليبرالي بلا مقاعد) و”العمال” (يسار بلا مقاعد) و”الجمهوري” (وسط بلا مقاعد له)، عن رفضها أي مسعى لتعليق العمل بالدستور أو تغييره من جانب أحادي دون حوار يضم كل الأطراف السياسية.
(الأناضول)
يريد ان يكون مثل السيسي