اعتبر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إرسال إسرائيل فريقا للتفاوض أمرا «يعكس إمكانية التوصل لاتفاق» وأن بلاaده تعمل جادة مع قطر ومصر وإسرائيل لسد الفجوات المتبقية أمام إبرام اتفاق للرهائن، لكنّه أضاف أن واشنطن بحاجة لرؤية «خطة واضحة قابلة للتنفيذ بشأن رفح»!
لا تتحدث تصريحات بلينكن، عمليا، عن اتفاق لوقف إطلاق النار بل عن اتفاق «لإطلاق الرهائن» الإسرائيليين، وهي لا تشير إلى سكّان غزة، الذين يفترض أن يكونوا الموضوع الرئيسي لأي اتفاق إلا بشكل غامض وضمني.
يتناسب النظر إلى سكان غزة، في هذا الخطاب، مع الأسلوب الإسرائيلي في التعامل مع الفلسطينيين عموما. إنهم كتلة بشريّة يمكن استهدافها بالقنابل الأمريكية من وزن 2000 كيلوغرام، ويمكن نقلها من مكان لآخر، ويمكن حصارها وتجويعها إلى أن يصل الإسرائيليون إلى «خطة واضحة قابلة للتنفيذ» بشأنها. سكان غزة هم جزء من خطّة «لم تقدّم» بعد من قبل الإسرائيليين.
غير أن الإسرائيليين لديهم «خطة» فعلا وقد شرحها رئيس وزرائهم بنيامين نتنياهو عبر الإعلان عن موافقته على خطط شن عملية عسكرية في رفح، وضمن هذه العملية العسكرية سيقوم الجيش الإسرائيلي «بإجلاء السكان المدنيين» إلى «منطقة آمنة مثل المواصي» وطمأن الجيش الإسرائيلي الغزاويين بالقول إن «هذا ما كنا نفعله خلال الأشهر القليلة الماضية» وهو ما يعني استعادة لإجرام الجيش الإسرائيلي الذي قضى على البنى التحتية الصحية، والجامعات، والمساجد، ودمّر ما يقارب 175 ألف مبنى بالكامل (أي ما يعادل 50 إلى 61 بالمئة من مباني غزة) وجرّف الأراضي الزراعية، واستهدف المواقع الأثرية، والجامعات، أي أن الجيش الإسرائيلي قام بتدمير مجمل مقوّمات الحياة في القطاع وحوّل سكانه إلى نازحين يقصفون حتى وهم ينتظرون المساعدات.
تبرير الجيش الإسرائيلي المتكرر هو أنه يستهدف «البنية التحتية للإرهاب» وأن حركة «حماس» تقيم مواقعها في المناطق المدنية، وأن سقوط عشرات آلاف المدنيين، الذين أغلبهم من النساء والأطفال، «أضرار جانبية» ضرورية لاستهداف فصائل المقاومة، لكنّ الجيش الإسرائيلي لم يقصّر حتى في تدمير المواقع التي تقع تحت سيطرته، كما فعل بجامعة الإسراء، التي قام بتفجيرها بشكل هائل ومنظم.
ما فعله نتنياهو بإرسال وفده «للتفاوض» في وقت الإعلان عن موافقته على بدء الهجوم على رفح يشبه وضع مسدّس في رأس المفاوض المقابل.
تشير تصريحات نتنياهو المتكررة عن أن مطالب «حماس» بإعادة سكان غزة النازحين من الشمال للموافقة على وقف إطلاق النار هي مقترحات «وهمية» هي دليل واضح على خطط إسرائيل في التطهير العرقي والتهجير، وهي تأكيد على أن إسرائيل، وأمريكا، تعتبران سكان غزة رهائن يمكن استخدامهم لإخضاع «حماس» وفصائل المقاومة.
إنه «اتفاق الرهائن» فعلا لكن الرهائن الحقيقيين في هذا الصراع الوجودي التاريخي هم سكان فلسطين الأصليون.