حظيت نظرية المؤامرة أمس بازدهار متجدد. سطحيا، فان الضباط الايرانيين الكبار ورجال حزب الله ممن قتلوا في الهجوم المنسوب لاسرائيل، لم يقتلوا على الاطلاق في منطقة القنيطرة بل في جبال القلمون على الحدود السورية – اللبنانية. ليس اسرائيل هي التي قتلتهم، بل كمين أعده مقاتلو جبهة النصرة الإسلامية، واتهام حزب الله لاسرائيل هو أيضا كذب وبهتان، لان حزب الله لا يريد أن يعترف بانه تعرض للهزيمة على ايدي الثوار بالذات.
كان يمكن لهذه ان تكون رواية مشوقة لو أن جبهة النصرة نسقتها فقط مع اعتراف قيادة الحرس الثوري الايراني بموت كبار المسؤولين الايرانيين في الهجوم الاسرائيلي. على أي حال، فان الروايات المتضاربة هي جزء لا يتجزأ من المعركة في سوريا، ولكن لا شك أن الهجوم خدم جيدا جبهة النصرة التي يحتل مقاتلوها قسما من معبر القنيطرة واجزاء من هضبة الجولان السورية. واسرائيل على أي حال مشبوهة بمساعدة جبهة النصرة المتفرعة عن القاعدة وتندرج في قائمة منظمات الإرهاب وبالاستعانة بها. وحسب التقارير في مواقع الثوار، فان مقاتلي الثوار في هضبة الجولان يوفرون المعلومات الاستخبارية الجارية لاسرائيل بل ويستعينون بها في الحصول على السلاح والتدريب العسكري. وشرح أحد المواقع الالكترونية بان اسرائيل تقيم في هضبة الجولان السورية جيشا مثل جيش لبنان الجنوبي، يستند إلى قوات الثوار.
ليس واضحا فيما اذا كانت اسرائيل اعتزمت المس بالمسؤولين الايرانيين الكبار، ولكن من المعقول ان تكون عرفت بانهم يتواجدون بين مجموعة الضباط اياها التي عنيت حسب التقديرات بالتنسيق والتخطيط لنقل مزيد من قوات حزب الله إلى هضبة الجولان، من أجل السيطرة على تلك المعاقل التي تسيطر عليها قوات الثوار. وكان ابو علي طبطبائي، المسؤول في حزب الله الذي كان قائد قوات «رضوان» للتدخل السريع، عمل قبل ذلك في جبهة جبال القلمون ويحتمل أن يكون مرشحا لادارة جبهة الهضبة.
لقد عمل طبطبائي تحت تعليمات محمد علي الهددي، المسؤول الايراني الذي قتل في الهجوم، والذي كان يقع مباشرة تحت امرة قاسم سليماني، قائد قوات القدس المسؤول ضمن امور اخرى على نشاط القوات الايرانية في جنوب لبنان وسوريا.
هذه سلسلة قيادية يستخدمها الحرس الثوري بشكل مستقل ومنقطع عن الحكومة والجيش الايراني. ولكن عندما يصاب مسؤولون ايرانيون كبار، فان القيادة العليا في ايران برئاسة علي خامينئي هي التي تقرر اذا ما كانت سترد وكيف.
تتمتع ايران بحكم ذاتي كامل في ادارة وتوجيه صراع بشار الاسد ضد الثوار. ومقارنة بالولايات المتحدة أو الدول العربية، فانها لا تحتاج إلى ائتلاف دولي، فما بالك عندما تنسجم روسيا معها في رؤيتهما للحل في سوريا ومستقبل الاسد. ويبدو ظاهرا أنه يوجد «تفاهم صامد» بموجبه لا ترد ايران طالما تركز اسرائيل هجماتها على اهداف حزب الله في سوريا. كما أن ايران تصر على ألا تكون علاقة بين محادثات النووي التي تديرها مع القوى العظمى الغربية وبين الموضوع السوري، العراقي أو الحرب ضد الدولة. ففي الجبهة العراقية على أي حال توجد شراكة مصالح وتعاون عسكري غير رسمي بين ايران والولايات المتحدة ضد الدولة، بينما «ملف سوريا» تبقيه ايران في يدها كرهينة، كي تفرض موقفها لحل الازمة.
يبدو ظاهرا أن تصفية اسرائيل للمسؤولين الايرانيين من شأنها ان تهز هامش التفاهمات غير الرسمية هذه، ولا سيما عندما تشتبه ايران في أن تكون عملية بمثل هذا النطاق منسقة بين اسرائيل والادارة الأمريكية.
يمكن التقدير بانه في ظروف اخرى، تحت رئاسة احمدي نجاد، أو لو لم تكن محوطة بالمفاوضات على النووي التي ستستأنف محادثاتها في بداية شباط، لكانت ايران اتهمت الولايات المتحدة مباشرة او حتى كانت هددت بالرد لضرب اهداف اسرائيلية وأمريكية. ولكن مثل هذه التهديدات لم تطلق هذه المرة ويبدو أن ايران متمسكة بسياستها للفصل بين اهدافها الاستراتيجية ضد الولايات المتحدة وبين احداث «تكتيكية» مثل تصفية قادة في الحرس الثوري. ويحرر البيان الذي يقول ان «الرد سيأتي في الزمان والمكان اللذين نقررهما» سواء ايران أم حزب الله من الحاجة إلى تحويل التصفية إلى الموضوع المركزي الذي يحرف مركز القتال في سوريا ومن شأنه أن يفتح جبهة واسعة في لبنان.
ومع ذلك، فان عملية كهذه توسع حجم تدخل اسرائيل في الحرب في سوريا وتجعل اسرائيل بندا هاما آخر في منظومة الاعتبارات الاستراتيجية لايران، حزب الله وسوريا. فما بالك حين يكون الهدف الذي تعرض للاعتداء ليس قافلة سلاح أو مخازن سلاح حزب الله التي يتمتع هجوم حزب الله عليها منذ الان بشرعية دولية، بل مجموعة قيادية مسؤولة عن ادارة الجبهة.
هنا ترسم اسرائيل خطا أحمر واضحا آخر يؤكد انه طالما تسيطر منظمات الثوار، حتى وان كانت متفرعة عن القاعدة في اجزاء من هضبة الجولان السوري، فان اسرائيل لن ترى في ذلك تهديدا؛ ولكن دخول قوات حزب الله ومقاتلين ايرانيين سيعتبر انعطافة استراتيجية ستواجه اعتراضا اسرائيليا عنيفا. من ناحية ايران يعد هذا تهديدا على الاحتكار الذي تحتفظ به في سوريا، وذلك لان هذا الفهم الاسرائيلي يدخل بشار الاسد ايضا إلى المشكلة. فتطلعه لاستعادة الهضبة بمساعدة قوات حزب الله وايران ستصده اسرائيل وتبقي في هذه الاثناء السيطرة عليها في ايدي الثوار، الذين حتى دون تنسيق مع اسرائيل يمكنهم ان يروا فيها درعا في وجه قوات النظام..
هآرتس 21/1/2015
تسفي برئيل