في سِفْرِها الشعري الجديد «صَفَوْنا مع الدهر» الصادر عن الأهلية 2021، تعود الكاتبة الفلسطينية الأردنية إلى مرفئها القديم.. الشعر، مُختزلة مسيرتها الشعرية بين ديوانها الأول «العوْدَة من النبع الحالم» 1960، وهذا المزمور الطويل السافح قصائده على 237 صفحة، والمُذيل بـ20 قصيدة من ديوانها الأول، كما أن صورة الشاعرة الزاهية الباسمة المُلونة تُهدهدُ الغلاف.
سلمى الجيوسي تعود للشعر بعد قطيعة 61 عاما، من نشر أناشيدها ومزاميرها. وتُمخرُ سفينتها الثانية (صفَوْنا مع الدهر) طافحة بالشعر المائي الشفاف والمُفردات الجمالية المُمَوسقة، وصور النقاء والانتماء الإنساني الكَوني والحب الصوفي، مُتماهية بِعَنوَنَة الديوان مع السموأل بقوله: «صَفَوْنا فلم نكدر وأخلصَ سرنا / إناثٌ أطابَتْ حملنا وفُحولُ».
سلمى الجيوسي كما في قصائدها الدائرية، بدأت شاعرة وعادت شاعرة إلى نبعها الحالم، رُغم انشغالها عُقودا بالترجمة والدراسة والبحث. هذه القامة الثقافية الشامخة، المُحتفية قريبا بإتمام عِشرينيتها الخامسة، تشكل أيقونة عصر ورافعة للأدب الفلسطيني بشكل خاص والعربي بشكل عام، بمشروعها الريادي النهضوي الحداثي «بروتا» PROTA الذي أبدع بترجمة ونشر رموز وأصوات الثقافة العربية إلى الإنكليزية، عدا عن إبداعاتها الملونة من بحث أكاديمي رصين وشعر وفن عمراني.
والشاعرة من رواد القصيدة النثرية الحداثية مع أعضاء «مجلة شعر» اللبنانية التي أسسها يوسف الخال عام 1957، وضمت في بداياتها أدونيس وخليل حاوي ونذير العظمة. كما أنها شاعرة تموزية، ويتجلى ذلك في قصيدتها (تموز) المنشورة في عدد تشرين الأول/أكتوبر 1957 لمجلة «شعر» المُترعة بلوعة الفراق والحزن والذكرى، إذ تقول: «تموز ودعنا ومات وخلّف الذكرى لنا / أيقظت يا تموز نجوانا ولم ترفق بنا / واصطدت من دنيا الكواكب حلمنا».
مانفستو الدفاع عن الشعراء الحديثين وإدانة طفيليي الشعر
في آذار/مارس 1960 إبان الصخب والجدل حول حركة الشعر العربي الحديث، نشرت سلمى الجيوسي في مجلة «الآداب» مقالا جريئا بعنوان «قضية الشعر العربي الحديث» دافعت فيه وسط أصوات الهجوم والرفض عن الشعر الحديث، وأبدت تأييدها للحداثة الشعرية العربية واستشرفت بعين الرائية نجاحها «لكننا، نحن الشعراء الحديثين، أصحاب قضية نؤمن بها إيمانا عميقا.. عليه فإنه لا يسعني أن أقول لمن يؤمن بالحركة الحديثة إلا أن يصبر ويترفق في حكمه، فأنا مؤمنة في الشعر الحديث وفي مستقبله، وأجد لزاما عليّ أن أدعو له وأدافع عنه وألح على مزاياه وشروطه وأصالته». وفي المقال نفسه أدانت ما تفرع عن هذه الحركة من محاولات شعرية، لطفيليين لا يملكون المواهب والعمق، في فهم ومواكبة هذه الحداثة، كما رأت فيهم ظاهرة طبيعية لكل حركة جديدة.
بين مدينة لويس ممفورد ومدينة سلمى الجيوسي
في عام 2007 شاركت بورقة في مؤتمر «الأدب الفلسطيني في الشتات» في جامعة بيت لحم، وهناك حظيت بلقاء الشاعرة سلمى الجيوسي التي جرى تكريمها في هذا المؤتمر. في لقائنا تحدثنا عن المدينة وصورها في الشعر العربي، وقد أبدت غضبها على المؤرخ الأمريكي لويس ممفورد صاحب مؤلف The City in History المترجم تحت عنوان «المدينة على مرّ العصور» فرغم شمولية وأهمية كتاب ممفورد، إلا أنه لم يُدخل في عمله ولا مدينة إسلامية واحدة، وفق ما وصفت الجيوسي «كما لو أن المدن الإسلامية تأسست وسكنت خارج العمران البشري، بل خارج التاريخ البشري نفسه» وصرّحت أمامي بأنها تعد مؤلفا بالإنكليزية حول المدينة الإسلامية للرد على كتاب ممفورد، وقد استقطبت في مشروعها هذا كبار المؤرخين والباحثين، وصدر المجلد الأول منه بتحريرها عام 2008 باللغة الإنكليزية، تحت عنوان The City in the Islamic World، كما تُرجم وصدر بالعربية عام 2014، عن مركز دراسات الوحدة العربية بعُنوان «المدينة في العالم الإسلامي» .
الأكاديمية العائدة من المهجر والشتات إلى الوطن ومحراب الشعر
هذا الديوان الجديد الحامل نقاءَ البجعة وجمالها، والمُستهَلٌ بمزمورٍ شعري دائري مُمَوسَق، «وما شربتهُ السماءُ أعادتْهُ» والمنثور بالصور والرسومات الشعرية الجميلة، دون أن يشي بتواريخ كتابة القصائد، يؤرخُ صيرورة الحياة بوجعها ومآسيها، وسيرورة الشاعرة الفلسطينية الحزينة، الحاملة صوت الذاكرة الجمعية في التغريبة الفلسطينية الوجيعة، وفي النكبات عبر السنين الطويلة، كما في قصيدة «حزيران 1967» لكنهُ عابقٌ بالشذا والهوى والصفاء واستشراف النور والحنين، رُغم تجاعيد العمر، وكما تومئُ وترسمُ كلماتها المُمَوْسَقَة، مُعرفة دلالة العنوان: «صَفَوْنا مع الدهر، كالبحر مرّت علينا الرياح/ وهبت علينا العواصف لم تَغوِنا/ ولم تنتقص من هوانا السنينْ/ وما شربتهُ السماء أعادتهُ/ حتى النهاية يبقى الحنينْ/ إلى نكهة لم نذقها/ إلى رحلة لم نُمارس ضناها/ إلى نجمة خارج الأفق لم نكتشف مرتقاها/ إلى بسمة من إله بديع يضيء الحنايا سناها / صفونا مع الدهر/ لم تنتقص من هوانا السنينْ/ وهذي التجاعيد حول الجفون شذاها» فهوى الشاعرة وحنينها خالدٌ وسرمدي، يكبرُ معها وينثر عطره مع تجاعيد الجسد.
سلمى الجيوسي شاعرة مائية
سلمى الخضرا الجيوسي شاعرة مائية بامتياز، على غرار زميلها ابن جيلها بدر شاكر السياب صاحب «أنشودة المطر» فالنبع في ديوانها الأول أصبح بحرا تمخرُ فيها سُفنُها، بدءا من «السفينة العاشقة» بوابة الديوان، المحملة بالشوق والعشق والحب، الفائض على الجميع، وصوت الشاعرة مختال بماضي شعبها وذراه، رُغم أنهُ أضحى من التائهين والناعسين، لكنها تستشرف الأمل والنهوض في نهاية القصيدة «غطني يا حبيب بصدرك تاهَتْ هنا أعين الآخرينْ/ آهٍ كيفَ تشقُ السفينة موج البحارْ/ تتهادى على منكبيها الأميريْن، أي انسياب/ وحدها، وحدها، مع هدير المُحيط، مع المد/ لا تستفيقْ/ تتهادى تطوف على الموج/ تغرق في عتمات القرار/ اعتقوني / دنا النجمُ / إني على الريح، أمسك سر الرؤى والجمال» وهي في «السفينة الغارقة «بترميزها تعبّر عن عذابات الأم الأنثى الفلسطينية المنكوبة، المحرومة من الحب والوطن والدار، «هل جاءتك أخباري؟/ أنا أم، أنا أنثى بلا حب/ وأمس قضيت من عاري/ بلا قلب، بلا وطن، بلا دار».
تكثف الشاعرة في استخدام القاموس المائي مثل، مرادفات البحر والماء والنبع وأسطورة أخيل، كما أن عناوين قصائدها مغمورة بالماء رمز الطهارة والعُماد والخصوبة والنسغ.
هذه السمفونية الفلسطينية الجميلة الحزينة.. تحمل في أفيائها موناليزا الأدب العربي الحداثي قاطبة، وصوت المرأة المُرهفة والمُرهقة.. إنها المرأة التنويرية الموسوعية المبدعة، الرائدة في نقل أصوات المبدعين العرب للقراء الأجانب، وهي الشاعرة المائية الصافية اللغة الدائرية الشعر المسكونة بالينابيع، بدءا من «العودة من النبع الحالم» ورُجوعا إليه في «العودة إلى النبع» من ديوانها الجديد. وهي رحالة سندبادية التغريبة، حروفها نازفة وجعا «لقد جُبتُ في الكون، يا منهل العمر، ضعتُ/ وعريْتُ قلبي لعصف الرياحْ / وعانقت مأساة شعبي، عشقتُ حنين الجراح / وسالتْ دمائي دمعا من الصبر واليأس لكن رجعت».
كاتب فلسطيني
ترى ما اخبار الدكتورة سلمى الخضراء الجيوشى واين تقيم وكيف التواصل معها
تقيم في مدينة عمّان
وهذه صفحتها على فيسبوك
https://www.facebook.com/salma.khadrajayyusi
بعض الكلمات مثل ظل وردة التي خرجت من بين أخواتها الورود فاختارت لنفسها مكانا خاصا ادا سمح لنا المنبر شكرا فانحن رغم قلة المعرفة نابى الا ان نضع الكلمة تحت جناح الصورة الفنية المتميزة وغير مامرة قلنا بأن للمرأة التي اصابها سهم من كنانة الشعر أظهرت براعتها في رسم اللوحات التي حيرت بل أدهشت بين قوسين ليس خروجا عن الموضوع الفني في الكتاب خالد الصفحات آية وجعلنا من الماء كل شيء حي فاالماء سبب الحياة ادا لم يكن فلاشيء وبعض الشعراء المتميزين يكثر الماء في قصائدهم لكن بأساليب مختلفة ويزينونها باالنغمات الموسيقية كدالك وبلغة لاختصار أقول خطوة فنية متميزة أثمرت تحية لكل شاعر وشاعرة
مقال نقدي رائع بأسلوب دكتور سمير المعروف باكاديمية طرحه و شموليته لا يترك جانبًا الا و يضيئه…شكرًا لما منحتنا من متعة قراءة نافعة ….طيب التحايا اعطرها