سنة جديدة نتمنى أن تكون سعيدة !

تمضي الأيام والسنين سراعا كأنما هي على موعد عاجل مع شيء ما لا ندري كنهه ولا ماهيته، تمضي وهي غير عابئة بكل الأحداث والوقائع التي ولدت في رحمها، سواء الصالحة منها أو الطالحة، فأما الصالحة فما أشحها في عالمنا الإسلامي، فلم يعد للسعادة التي نتمناها كل بداية سنة جديدة أي معنى حقيقي وذو بال، إلا في ما ندر. أما الأحداث الطالحة فحدث ولا حرج، ولعل أنهار الدماء التي تجري كل وقت وحين في كثير من بلدان عالمنا الإسلامي وكذا حجم الدمار والمآسي والتخلف والمتنابز الطائفي والمذهبي واتساع الهوة بيننا وبين الغرب علميا وتكنولوجيا، إضافة إلى تذيل أدنى المراتب في مؤشرات التنمية والديمقراطية والشفافية والبحث العلمي، زد على ذلك حالة الانقسام والتباغض والعداء بين العديد من دولنا، كل ذلك ويزيد هو السمة الرئيسية التي ميزت كل سنواتنا العجاف الماضية، خصوصا سنة 2013 التي يمكن اعتبارها من اصعب السنوات التي مرت على أهل هذه الديار، وكأنما الرقم 13 الذي يعد نذير شؤم لدى العديد من الشعوب، خاصة في الغرب، أبى إلا أن يتفقدنا ببعض بركاته! فكانت هذه السنة الأكثر قتامه ودموية وفوضوية من غيرها من السنوات الخوالي، بحيث يكاد بؤسها يعم جميع بلدان ما يسمى ‘بالعالم العربي’ ابتداء من تونس وليبيا ومصر والسودان واليمن ولبنان وفلسطين والعراق وليس انتهاء بسوريا.
في عز الحديث عما سمي ‘ربيعا عربيا’، وفي الوقت الذي استبشرنا فيه خيرا بأن يزهر هذا الربيع ويثمر واقعا جديدا سمته الأساسية هي احترام كرامة الإنسان وحرياته العامة، وإعادة الاعتبار للممارسات الديمقراطية الحقيقية بعيدا عن التسلط والتهريج والتمييع والشكليات المثيرة للغثيان، سرعان ما استفقنا على هول المآسي والآلام التي حملها هذا الربيع الخادع والوهمي لبلدانه، لقد أثمر ‘الربيع العربي’ دما وإرهابا ودمارا وطائفية، حتى أنه أتى على البقية الباقية من قيم التسامح والتعايش والوئام التي طبعت بعض البلدان التي تتشكل من فسيفساء مذهبية وقومية وطائــفية متنوعة، فأضحى التكفير والقتل على الهوية والإقصاء وتفجير عباد الله في الأسواق والمقــاهي والحافلات هو الطاغي على مشهدنا اليومي.
وفي ظل هذه الفوضى والدمار والتيه الذي عم بلداننا أضحت مجموعة من قضايا هذه الأمة الجوهرية عرضة لكل ألوان المساومات والبيع والشراء والنسيان واللامبالاة، وهكذا تركت القضية الفلسطينية لتدخل في دوامة من المفاوضات التي لا طائل من ورائها سوى المزيد من الإجهاز والتراجع عن الحقوق الفلسطينية المشروعة، وصولا إلى إلغاء حق العودة وفبركة وطن فلسطيني مصطنع ومعزول عن أي مقومات للحياة والسيادة الحقيقية، والواقع أن ‘إسرائيل’ اليوم تعيش أزهى لحظاتها التاريخية، كيف لا والجيش المصري دخل في دوامة وحرب إلهاء داخليا لا ندري على أي بر ستستقر، خاصة بعد إعلان جماعة ‘الإخوان المسلمين’ جماعة إرهابية، كما أن الجيش السوري سبقه في ذلك، أما الجيش العراقي فقد تم تفكيكه مع الغزوالأمريكي لهذا البلد، فهنيئا لـ’إسرائيل’ بهذا الواقع الرسمي المزري المحيط بها !
خلاصة القول ان سنة 2013 كانت من أشد السنوات بؤسا في ‘العالم العربي’ مما يتحتم معه وضع حد لهذا المشهد البائس، فمنطق الأمور والسنن المحركة للتاريخ وقواعد علم الاجتماع كلها تشير الى أن الحريق إذا ما شب في دار جارك وعوض أن تساعد على إطفاء هذا الحريق أخذت تصب الزيت على هذه النار، فإن خطر امتداده لدارك يبقى أمرا حتميا، فالذين يدعمون بالمال والسلاح والإعلام النعرات الطائفية والمذهبية، ويمولون جحافل الإرهابيين لقتل الناس وترويعهم باسم الدين، سرعان ما سيمتد لهيب نيران ما صنعت أيديهم إلى ديارهم، ففي الموروث الأمازيغي أنه عندما وضعت الحلازين في القدر لتطبخ، شعرت التي في الأسفل بشدة حرارة النار فأخذت تتقلب وتتلوى نتيجة ذلك، فسألتها التي في الأعلى ماذا أصابكم؟ فرد عليهم الذين في الأسفل ما أصابنا سيصلكم بعد قليل، ومع كل ذلك لا يسعنا إلا أن نتمنى لكل شعوبنا وشعوب العالم قاطبة سنة سعيدة ملؤها الحب والسلام.

‘ كاتب مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية