خمسون مترا عن نتنياهو
إن بيت حنينا ضاحية حسنة الحال وبرجوازية قدماها في القدس ورأسها وراء جدار الفصل، في رام الله. يسكنها كبار مسؤولي السلطة الفلسطينية، ورجال اعمال، واطباء وعاملون في مفوضيات اجنبية. ويكشف التجول في شوارعها عن الفرق الكبير بين الشعبين اللذين يعيشان في منطقة بلدية واحدة: فالفيلات كبيرة وأنيقة لكن الشوارع التي بُنيت على طولها مرتجلة وضيقة الى درجة تعريض الحياة للخطر، وهي مليئة بالحفر والعراقيل؛ وعدد منها غير معبدة بالإسفلت، بل برمل وحصى فقط؛ وحاويات مفتوحة نتنة بسبب قمامة لم تتم إزالتها؛ وتم جمع بقايا البناء بجانب الشارع مع اطارات سيارات قديمة وقوارير بلاستيكية فارغة، فلو أن البلدية عالجت حيا ليهود على هذا النحو لثار السكان، لكن بيت حنينا يسكنها فلسطينيون.
قبل ذلك بأسبوع جاءت قوافل من اعضاء كنيست الى أبو غوش ليخطبوا مُنددين بعمليات ‘شارة الثمن’، لكن لا أحد جاء منهم الى بيت حنينا. ورغم أن بيت حنينا داخل الجدار على مبعدة خمسين مترا عن منعطف بن تسيون نتنياهو، فانها بالنسبة للاسرائيليين وراء جبال الظلام.
ليس الشارع الذي تمت فيه عملية ‘شارة الثمن’ شارعا: فهو طريق ترابي ينحدر الى الوادي الذي يفصل بيت حنينا عن الحي اليهودي بسغات زئيف. وقد عُلق فوق الوادي جسر الشارع السريع الذي يربط القدس بالأحياء اليهودية والمستوطنات. وتسافر سيارات فوق الجسر بسرعة 100 كم في الساعة مُخلفة وراءها ضجيجا. ويرتفع المجمع التجاري في بسغات زئيف وهو مركز الشراء للحي وظهره الى بيوت الفلسطينيين على مبعدة أقل من 100 متر. ويخرج المحليون من المجمع التجاري والسلال في أيديهم ويصعدون ببطء متجهين الى البيوت وهذا ما يسمى تعايشا.
وعلى طول الطريق الترابي تقف السيارات التي لم يتم نقلها بعد، فقد ثُقبت اطاراتها بمثاقب: الاطارات الاربعة كلها. وثُقبت 21 سيارة على هذا النحو، ولم يكن يصاحب العملية أية مخاطرة فقد استطاع مُنفذو العملية في دقيقة واحدة أن ينحدروا الى الوادي ويختفوا في الحي اليهودي.
أغلقت سيارة تجارية كبيرة الشارع وكُتب عليها باللغة العبرية بلون ازرق على أبيض ‘عومر المُخلص’. كان عريض الجسم صامتا رفع السيارات على رافعة وأزال عنها الاطارات التي أُفسدت وركب اطارات جديدة.
وخرج شاب وسيم يلبس قميصا داخليا من البيت يدعونه محمد النتشة، وكان يتحدث لغة عبرية أساسية. ‘أمي وأبي وعمي وابن عمي كل سياراتهم ذهبت’، قال، ‘في الرابعة والنصف صباحا حينما جئت من العمل كان كل شيء متأخرا’. سألته: أين تعمل، فقال: ‘في نفيه ايلان’ في مطبخ المقصف. ‘نحن هنا منذ 35 سنة’، قال. ‘بنى جدي البيت. لا أفهم لماذا فعلوا هذا، لم نرمِ حجرا قط’. وسألته: هل تذهب الى المجمع التجاري كثيرا؟ ‘كثيرا بيقين’، قال. ‘ولي اصدقاء هناك ايضا’. وأشار بيده الى بسغات زئيف. وجاء العم اسامة النتشة وقال: ‘جئت في الرابعة. أنا أول من رأى. وأيقظت الجميع’. وسألته: ماذا كنت تفعل حتى الرابعة في الصباح؟ قال: ‘عندي سيارة أجرة. هذا عملي’. وجاء محمد من البيت بطبق وعليه كؤوس من العصير البارد. وسألته: ماذا ستفعلون الآن؟ قال: ‘سنضع آلات تصوير. إن شاء الله. وربما نأتي بكلب’.
نُفذت احدى أقصى العمليات لشباب يهود موجهة على عرب في الخامس عشر من آب/اغسطس في العام الماضي. فقد كان ستة من أبناء عائلة رائدة من نحالين من كبار السن والاولاد يركبون سيارة أجرة بالقرب من مستوطنة بات عاين، ورمى فتيان السيارة بزجاجة حارقة. ونجحت العملية في تلك المرة فوق المتوقع واحترقت سيارة الأجرة وكذلك أبناء العائلة ايضا، ووصل أحدهم الى مستشفى هداسا في وضع خطر جدا، وتم اعتقال ثلاثة فتيان بين الـ12 والـ13 من اعمارهم من سكان المستوطنة. ولم يكن عند المحققين شك في أنهم مذنبون، وبعد وقت قصير أُفرج عنهم واستُقبلوا استقبال الأبطال. وفي كانون الثاني/يناير أعلنت النيابة العامة أنه ‘بعد فحص عميق وأساسي عن مواد الأدلة لم توجد أدلة تُثبت في المستوى المطلوب في القانون الجنائي هوية منفذي الجناية، وعلى ذلك لن تُقدم لائحة اتهام’.
قانون المساواة في العبء
إن أحد أكبر انجازات الحكومة المتولية عملها الآن هو قانون المساواة في العبء. لا توجد مساواة في العبء الى الآن، بل إن اقتراح القانون مُعوق بسبب اختلافات في الرأي داخل الحكومة، لكن تجنيد الحريديين قد أُسقط في هذه الاثناء من برنامج العمل العام بما يُريح الصقور من الطرفين. وصاغت عضو الكنيست ميراف ميخائيلي من حزب العمل بديلا عن الخطة المقبولة. إن اقتراحها يثير الغضب لأول وهلة. أما في الثانية فانه يثير الاهتمام ويستدعي نقاشا عاما. إن ميخائيلي تفكر من خارج الصندوق وهذه الميزة تجعلها تختلف عن أكثر الساسة اختلافا أفضل.
يقول قانون الخدمة الامنية (1986) إن البنات اللاتي يُصرحن بأن الخدمة العسكرية تخالف طبيعة حياتهن الدينية معفيات من التجنيد. وتقترح ميخائيلي منح البنين نفس الامتياز. فمن كان يدرس على نحو متواصل في السنين الثماني التي سبقت موعد التجنيد، في مؤسسة دينية أو حريدية ويجتاز بنجاح امتحانا يعبر عن علم واسع بالتوراة، يستطيع أن يحصل على إعفاء من الخدمة العسكرية.
إن اقتراحها بسيط من جهة تقنية، ففي كل موضع في القانون تظهر فيه كلمة أنثى يُضاف اليها كلمة ذكر وتكون ‘يُصرح’ الى جانب ‘تُصرح’، و’مرشح’ الى جانب ‘مرشحة’، و’هو’ الى جانب ‘هي’. إن ميخائيلي المعروفة بحرصها على استعمال التأنيث بدل التذكير في اللغة تفعل باقتراحها هذا العكس.
لكن اقتراحها فيه أكثر من زيادة كلمات، فهي تؤمن بأن ميزته هي في قطع الحبال التي تربط الشباب الحريديين بالمدرسة الدينية.
‘إن التهديد بالتجنيد يعطي هيئة المدارس الدينية والحاخامين قوة لسجنهم في المدارس الدينية وإن لم يكونوا معنيين بالدراسة في المدارس الدينية البتة’، تكتب. ‘وسيُمكّن الاعفاء كل شاب حريدي من أن يبت مصيره بنفسه’. وهي ترى ان للاقتراح ميزة اخرى، فهو سيفضي الى تأخير سن الزواج في الوسط الحريدي، فلا يكون عند الحريديين باعث الى ان يصبحوا آباء لاولاد في سن صغيرة جدا.
وتعتمد ميخائيلي على رأي استشاري أعده الدكتور زئيف بيرر من جامعة تل ابيب، وهو مختص بمسارات اجتماعية في الجيش الاسرائيلي. ‘إن التعديل يُهيئ طريقة قيمية لمواجهة قضية المساواة في العبء مع المعادلة بين الطموح الى إدماج الحريديين في سوق العمل وبين قيم جيش الشعب’، كتب. ‘إن مخطط لجنة بيري مقرون بالزام الحريديين بالخدمة العسكرية بصورة جماعية، والمخطط غير واقعي وغير اخلاقي، لأنه يريد ان يستعمل وسائل إلزام مفرطة للدولة على جمهور ويشارك في نموذج القيم الذي هو في أساس التجنيد الالزامي للجيش، وهنا تعبير سافر عن استبداد الأكثرية… فالرجال المتدينون لا يختلفون عن النساء المتدينات’.
وبناء على الاستيضاحات التي قامت بها ميخائيلي أصبحت تؤمن بأن 70 في المئة من البنين الحريديين لن يستغلوا الاعفاء وسيُجندون، وهذا تقدير متفائل جدا. وهي تؤمن بأنه في اللحظة التي سيتحرر الشباب فيها من رقابة الحاخامين لن يُصروا على الخدمة العسكرية في وحدات خاصة بهم تشمل إقصاء النساء، بل سيخدمون مع الجميع ومثل الجميع.
وتحدثت في اقتراح ميخائيلي مع ضابط كبير في هيئة القيادة العامة فقال: ‘أعتقد الشيء نفسه لكن بالعكس. فأنا لا أفهم لماذا يُمكّنون البنات من التصريح. لماذا يجب على ابنتي أن تخدم خدمة كاملة وتستطيع ابنة الجار ان تتجه الى خدمة وطنية أو لا تخدم البتة. لا يوجد فرق من جهة دينية. إن 46 في المئة من البنات يُصرحن ويكذب جزء كبير منهن وهذا هدر لطاقة بشرية نوعية وإهانة للمتدينات اللاتي يخدمن، وقد حان الوقت لوقف هذه الاهانة’.
وخُيل إلي أن كلامه فيه شيء من الصدق. كان يجب على الجهاز السياسي ان يستغل طلب المساواة في العبء في اصلاح حقيقي لترتيبات التجنيد للجيش. وقد أثرت هنا بتوسع قضية المعاهد التحضيرية قبل الخدمة العسكرية التي يخدم طلابها 14 شهرا فقط. وقد أراد الجيش الاسرائيلي إطالة خدمتهم، لكنه لاقى اعتراض ‘البيت اليهودي’ وهو حزب يتحدث بتوسع عن قلقه على الأخوة، لكنه يهتم قبل كل شيء بابنائه وحاخاميه. واثرت هنا ايضا قضية خدمة اعضاء أنوية الشباب الطلائعيين، فخدمتهم المُقصرة ترتيب قديم جدا، وبقية مما كان قبل زمن طويل في الكيبوتس. وقد زعمت أن المساواة تبدأ في البيت لكن الساسة اهتموا بالحريديين فقط.
تسعى ميخائيلي الى تحديد مدة الخدمة في الجيش بحسب العمل لا بحسب الجنس أو الوسط أو الاعتقاد الديني أو جماعة الضغط السياسية. وسيفرحون في الجيش الاسرائيلي للاتفاق معها أما في الكنيست فسيكون فرحهم أقل.
قسم الاستيطان
لي تسعة اصدقاء في المجلس البلدي يروحم، وقد اجتمعوا مساء يوم الاحد في جلسة سموها جميعا ‘تاريخية’. وبعد تباحث طويل كان بعضه مُرا استقرت آراؤهم على إفراد 500 دونم في الطرف الشمالي من يروحم لانشاء رحمة، وهي بلدة بدوية جديدة، وستكون رحمة البلدة الاولى التي ستُقام في نطاق خطة تنظيم الاستيطان البدوي وفيها 300 عائلة و1200 نسمة.
‘الدولة تجر قدميها منذ 65 سنة’، قال في نهاية الجلسة اللواء احتياط دورون الموج رئيس مقر تطبيق الخطة. ‘يعيش اليوم في النقب 200 ألف بدوي وسيصبحون في 2020، 300 ألف، ينتشرون فوق 600 ألف دونم، فاذا لم نتجه الى تسوية فاننا نحكم على دولة اسرائيل بمستقبل أقل صلاحا. إن يروحم لها السبق الى هذا القرار، وإننا نخرج من هنا اليوم مع بشارة’. ‘إن الجالية البدوية تحيط بيروحم من الغرب والشمال والشرق’، قال رئيس المجلس ميخائيل بيتون. ‘ويسيطر البدو على 2000 دونم ويحرثون 20 ألفا اخرى. سنعطي 500 دونم في الطرف الشمالي من منطقتنا البلدية وسنستعيد عشرات آلاف الدونمات التي ستُمكّن يروحم من التطور في المستقبل. وقد التزم جميع البدو الذين يسكنون حولنا بأن يجلوا، وهذا يُمكننا من أن نبني هنا مدينة مع احتياطي من الارض لخمسين سنة أو لمئة سنة’.
وارتاب ايلان المقيس من المعارضة ببيتون أنه يريد ان يُدخل البدو في سجل ناخبي يروحم، وأنه سيحصل في الانتخابات القادمة على اصواتهم. واعترض موتي أبيتسرور على الموقع لأنه سيجعل من الصعب تطوير البلدتين في المستقبل. ومن المثير للعناية أن نقارن بين مجلس يروحم وكتلة الليكود في الكنيست. لم يكفر أحد في يروحم بحق البدو في ان يعيشوا في بلدة معترف بها وبلدة ثابتة، ولم يكن الامر كذلك في كتلة الليكود.
أُثيرت خطة التسوية للنقاش في الكتلة الحزبية في الاسبوع الماضي فطلب زئيف إلكين وأوفير ايكونيس وميري ريغف الى الحكومة أن تتراجع عن التسوية. ‘اذا كان البدو يعارضون واعضاء الكنيست العرب يصنعون فوضى فلا سبب يدعو الى ان ندفع ما وافق بني بيغن على دفعه’، قال إلكين في النقاش. وهاجمه روبي ريفلين فقال: ‘ليس هذا اقتراحا خاصا من بني بيغن بل هو التزام الحكومة لمواطنيها’. واتفق نتنياهو هذه المرة مع ريفلين.
إن عودة زنون ابن الثامنة والخمسين وهو رئيس هيئة المستوطنين البدو، وقد خدم قصاص أثر في الجيش الاسرائيلي ثلاثين سنة. وسألته ألم تضغط عليه جهات سياسية في الوسط العربي ليتراجع عن الاتفاق فقال: ‘لسنا متصلين بأحد لأننا اذا أصغينا الى الساسة فلن نحصل على شيء آخر الامر. ولا تؤثر الحركة الاسلامية فينا ايضا. لا يعنينا ما يقولونه حولنا بل تعنينا حاجاتنا. ‘استقر رأينا منذ البداية على التوجه الى اتفاق فهذا هو الطريق الصحيح. وسنحصل على 1500 دونم من رمات هنيغف، تضاف الى الـ500 دونم من يروحم. وسنبلغ آخر الامر الى 3 آلاف دونم. وسيحصل كل رب عائلة على 3 دونمات وعلى بيت له وبيت للجيل التالي. وستوجد ايضا اراض زراعية والشيء الأساس انه ستكون عندنا خدمات كما يجب. سيُجند أبنائي للجيش بعد قليل فهم يستحقون بيتا لا خيمة أو كوخ صفيح’.
وقد وعد زنون اعضاء مجلس يروحم بألا يصوت اصدقاؤه في الانتخابات أبدا. ‘اذا أردتم ألا نصوت في يروحم ولا نؤثر في قراراتكم فلن نفعل. لن يحضر ناسي الى صناديق الاقتراع. وأنتم تعرفون كلمة عودة. إن كلمتي كلمة’.
يديعوت 28/6/2013