جدد الكلام عن إمكانية انسحاب أمريكي من شرق سوريا، وترك القوى الكردية أمام مصير مشابه للحكومة الأفغانية المنهارة، الهجاء المعارض المتكرر، تجاه «الإدارة الذاتية» الكردية.. والهجاء هذا، وإن كان، يحمل الكثير من الوجاهة، لناحية الانتهاكات والممارسات السلطوية لدى الإدارة، إلا أنه يرمي إلى ما هو أبعد، أي إلى إنهاء التجربة نفسها والقضاء عليها.
وغالبا ما يتركز النقد المعارض على تبسيط، أو تفسير يكتفي بعنصر واحد، يتعلق بتحوّل الأكراد لأداة بيد واشنطن، تستخدمهم لتحقيق مصالحها في المنطقة. وهذا النقد يتجاهل إمكانية التقاطع بين أي قضية ومصالح الدول، لتحقيق مكاسب حتى لو كانت غير مضمونة. فالقضايا لا تتقدم نحو المكاسب، من دون ربطها بموازين القوى، وأولويات الدول الفاعلة. بمعنى أن هناك قضية كردية تستفيد من الوجود الأمريكي، عبر تأسيس كيانية تغازل وعيا كردياً حول دولة مستقلة، والأمر ليس فقط استفادة أمريكية من الأكراد.
كذلك، يأخذ المعارضون على الإدارة الذاتية، خضوعها لقيادة حزب العمال في جبل قنديل، داعين لخصوصية سورية – كردية. والمأخذ هذا، فيه تجاهل لوجود قضية كردية واحدة، وتصور حول دولة متخيلة تمتد على أجزاء عدة دول، بغض النظر عن القبول أو الاعتراض على هذا التصور، وصعوبة تحقيقه، والمغامرة في المضي فيه. صحيح أن أكراد سوريا كان يمكنهم الابتعاد عن المتخيلات القومية، والسعي لسورنة تجربتهم أكثر، إلا أن ذلك لم ينفع كثيرا أكراد العراق، فخصوصيتهم لم تؤثر في تحسين علاقتهم، التي تتوتر كل فترة مع المركز في بغداد، وتتحول إلى معارك عسكرية. والحال، فإن تصوير أكراد سوريا كأداة أمريكية أو تابعين لجبل قنديل، مرده، نفي علل التجربة، وانتظار أي فرصة لإنهائها، بيد أن الإدارة الذاتية نفسها، خلقت بيئة مؤاتية، لإنعاش هذه الانتقادات ضدها، وتأمين ديمومة لها، فهي لم تنفتح على العرب، عبر إشراكهم بشكل فعلي وليس شكلي، في الحكم وإدارة شؤون المناطق، عدا عن الانتهاكات التي تتكرر، كل فترة، وعمليات التجنيد الإجباري. ثمة سعي كردي لإخضاع العرب، وتهميشهم، بدل بناء الثقة معهم، وتحويلهم لشركاء في الحكم، إلا أن ذلك غير مرتبط بعلة وجود الإدارة أي القضية الكردية، والظروف التي ساعدت على تأسيسها من وجود أمريكي، ودعم من أكراد الخارج. صعوبة التفاهم مع العرب، متصل بإرث طويل من العداء والكراهية بين الطرفين، انتعشا في ظل الديكتاتورية وسياساتها التمييزية. وتحولات المنطقة، خصوصا صعود تنظيم «الدولة الإسلامية» لم تساعد على إيجاد مناخ، لبناء مصالحة وتحسين العلاقات، بل غذت الكراهية أكثر.
صعوبة التفاهم متصل بإرث طويل من العداء والكراهية بين العرب والأكراد، انتعشا في ظل الديكتاتورية وسياساتها التمييزية
من هنا، فإن هوية القوى التي تمثل الأكراد وارتباطاتها وعلاقتها، مع هذه الدولة أو تلك، لن تغير الكثير، في تعامل جزء كبير من المعارضين معها، فهؤلاء يبنون انتقاداتهم على نفي التجربة بكليتها، انطلاقا من وعي سابق يتعلق بالحساسية العربية ـ الكردية. والإدارة الذاتية، تلاقي هذا الوعي، بآخر مضاد، مرتبط بالحساسية ذاتها، رافدة إياه بممارسات وانتهاكات لإخضاع العرب وتهميشهم.
الخروج من الوعيين، كان يتطلب تقدم كل طرف خطوة نحو الآخر، بحيث يعترف المعارضون السوريون، بوجود كيانية كردية، في ما تبقى الإدارة الذاتية في حدود هذه الكيانية، من دون توسع على حساب العرب مع حد أدنى من الممارسة الديمقراطية التي تضمن مشاركتهم السياسية وفاعليتهم في اتخاذ القرارات، بشكل فعلي وليس شكليا. هذا السيناريو بات مستبعداً، وأقرب إلى المثالية، في ظل تعقيدات الواقع الحالي، ما يعني أن الرغبة لدى المعارضين السوريين بإنهاء التجربة الكردية ستتواصل، وكذلك ستتواصل معها انتهاكات «الإدارة الذاتية» واستبعادها للعرب، أي استئناف مجاني للكراهية التاريخية بين الطرفين، وخسائر فادحة لكليهما.
كاتب سوري
المعارضة السورية المتشددة والنظام السورى الوجشى وجهان لعملة واحدة لا يعترفان بالتعايش والحرية والسلام وحاصة بحقوق الكورد فى سوريا ووجود قضية كوردية مطلوب حلها بحكمة وعقلانية والحوار والتفاهم وليس بالفوة والعنف
أتفق معك في هذا الطرح… التجربة الكردية في سوريا هي رائدة و تهز عروش ودول لو كللت بالنجاح…ولهذا السبب توجد العديد من الكتابات والتقارير المغلوطة أو المأجور حول التجربة… يوجد كتاب مهم لباحث نمساوي في هذا الصدد. الكتاب بالإنجليزية هو: The Battle for the Mountain of the Kurds: Self-Determination and Ethnic Cleansing in the Afrin Region of Rojava. Schmidinger, Thomas. Trans. Schiffmann, Michael. Kairos, PM Press, Oakland, CA. 2019. xvii +176 pp. Paperback: £13.07. ISBN: 978-1629636511″ هذا الكتاب انا عملتلو قراءة… انا مستعد ان أرسلها لأي واحد مهتم بهذا الموضوع الحساس… يرجى الاتصال على [email protected] وشكرا