زاد الزلزال الذي ضرب سوريا فجر يوم الإثنين الموافق السادس من شباط/فبراير الحالي، من آلام السوريين المستمرة منذ عام 2011. هم الذين كانوا أهدافا لزلزال الطبيعة وهم ذاتهم الذين كانوا ضحايا لزلازل أخرى من صنع البشر، فهم كانوا ضحايا القوة العسكرية التي أفرغها النظام السوري على أجسادهم في مدنهم وحاضرهم ومستقبلهم، وهم الذين كانوا ضحايا زلزال الاعتقال والاختفاء، وهم ذاتهم ضحايا التهجير القسري على يد نظام دمشق وموسكو وطهران وسط خذلان المجتمعين الدولي والعربي في تطبيق القانون الدولي لحمايتهم.
أتى هذا الزلزال مدمرا أوطانهم التي كانت على شاكلة منازل في موطن التهجير والنزوح في الشمال السوري، ليفني عائلات بأكملها وييتم أطفالا ويزيد أوجاع آباء ويلوع أفئدة الأمهات الثكالى اللاتي اعتقدن لبرهة أن الزلزال سيزرع الإنسانية في قلوب دول العالم، فيمدون يد المساعدة على عجل، ويعود الأطفال لأحضانهن، وتتنفس الأمهات الصعداء مجددا، إلا أنهن أصبن بالصدمة مجددا، بعد أن تركوا لأيام وليالي يبكين على أطلال منازلهن فتكتوي القلوب مع كل صرخة نجدة تجتاز الركام، فلا يصل مداها أبعد من فرق الدفاع المدني «الخوذ البيضاء» الذين كانوا كالطود العظيم يسابقون الزمن لوحدهم لإنقاذ العائلات من تحت الأنقاض، بعد ان تقاعس العالم برمته عن مد العون لهذا الشعب الذي بات ضحية البشر والحجر والقلوب القاسية.
لم تتوقف نتائج الزلزال وتداعياته على الشعب السوري والمباني السكنية، حيث تعرضت العديد من المواقع الأثرية في البلاد لأضرار متفاوتة الدرجة، فترك الزلزال تداعياته عليها أيضا، فتصدع بعضها وانهارت جدران ومعالم بعد أن بقيت لعقود خلت صامدة في وجه العديد من تقلبات الطبيعة وأفعال البشر، لتصبح هي الأخرى شاهدة على الكارثة التي حلت بالشعب السوري بأرضه وآثاره، فتروي قصصا من القلوب الثكلى التي كانت تنتظر عدالة العالم لمساعدته في إنقاذ الآلاف الذين قضوا تحت أنقاض منازلهم في الشمال السوري.
النظام أعلن من جانبه عن تضرر العديد من المواقع الأثرية في عدة محافظات سورية، حيث طال الدمار قلاعا ومساجد تاريخية، والعديد من المعالم الأثرية ضمن المناطق الخاضعة لسيطرته، في حين لم تصدر بعد أي إحصائيات عن الأضرار التي نالت من المعالم الأثرية في الشمال السوري جراء الأوضاع الإنسانية الصعبة هناك.
قلعة حلب
تعرضت قلعة حلب التاريخية في الشمال السوري، والتي تعد إحدى أقدم وأكبر القلاع في العالم لأضرار بين المتوسطة والطفيفة جراء الزلزال الذي ضرب كل من تركيا وسوريا في السادس من شباط/فبراير الحالي.
وأعلنت المديرية العامة للآثار والمتاحف التابعة للنظام عن سقوط أجزاء من الطاحونة العثمانية في القلعة التي تعود للقرن الثالث عشر، كما أدى الزلزال إلى إحداث تشققات وتصدع وسقوط أجزاء من الأسوار الدفاعية الشمالية الشرقية، كما أدى إلى سقوط أجزاء كبيرة من قبة منارة الجامع الأيوبي، وتضرر مداخل القلعة، وسقطت أجزاء من الحجارة ومنها مدخل البرج الدفاعي المملوكي، وتعرضت واجهة التكية العثمانية لأضرار.
وسائل إعلام تداولت تصريحا للمدير العام لمديرية المتاحف والمعالم السياحية والآثار لدى النظام همام سعد قال فيه: «قلعة حلب التي تعد موقع التراث العالمي لليونسكو تضررت جراء الزلزال، تلقينا تقارير عن حدوث صدع في قلعة حلب وأرسلنا فريقا من المختصين لتفقد الموقع وتقييم الأضرار».
كما تضررت بعض القطع الأثرية داخل خزن العرض، وظهرت تصدعات وتشققات على واجهة المتحف الوطني في حلب.
فيما يقوم الفنيون في مديرية آثار حلب بمعاينة المدينة القديمة التي تعرضت لأضرار وانهيارات وتصدعات في الكثير من المباني السكنية الخاصة، حيث تعرض حي العقبة التاريخي المتاخم لسور المدينة الغربي لأضرار وانهيارات، وهو غير بعيد عن باب أنطاكيا، كذلك الأمر في حي الجلوم التاريخي، حدثت أضرار إنشائية بالغة منها سقوط أسقف غمس وجدران وأجزاء من واجهات، وفق ما نقلته وكالة «سانا».
الزلزال الذي كان ضرب تركيا وسوريا، أدى كذلك إلى تأثر بيوت خاصة تاريخية في جادة الخندق بأضرار متوسطة وطفيفة، وكما تفيد المعلومات بسقوط عدد من مآذن الجوامع التاريخية في حلب.
من صفحات التاريخ
الزلزال الأخير الذي ضرب الشمال السوري، يعيدنا إلى 885 عاما إلى الوراء في صحف التاريخ، وبالتحديد إلى الزلزال المدمر الذي وقع في حلب شمالي البلاد عام 1138 ميلادي، والذي أودى بحياة 230 ألف قتيلا، ليصنف كرابع زلزال مميت في تاريخ بشرية.
حيث صنفت هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية زلزال حلب 1138 كرابع أخطر زلزال في التاريخ، هو من بين أكثر الزلازل دموية في التاريخ، وقد تم أخذ اسمه من مدينة حلب في شمال سوريا، حيث تم الحفاظ على أكبر عدد من الضحايا. وقع الزلزال في 11 تشرين الأول/أكتوبر 1138 وسبقه زلزال أصغر في العاشر من الشهر نفسه.
وفي صفحات التاريخ أيضا، كانت قلعة حلب قد تعرضت لغزو المغول بقيادة هولاكو سنة 658هـ/1260م، ولقد هَدَم كثيراً من معالمها، بعد أن وعد بحمايتها إذا ما استسلمت، وتحررت القلعة بعد انتصار العرب على المغول في موقعة عين جالوت.
وقام الملك الأشرف قلاوون بترميم ما تهدم منها. ثم جاء تيمورلنك الأعرج سنة 803هـ/1400م، فهدم المدينة والقلعة، وقام المماليك بتحريرها وترميمها، ثم استولى عليها العثمانيون سنة 923هـ/1516م، وجاء إبراهيم باشا بن محمد علي باشا من مصر عام 1831 واستمرت خاضعة له حتى عام 1257هـ/1840م وفيها أنشأ ثكنة عسكرية، وجعل القلعة مقراً لجنوده.
ومنذ عام 1950 تجري في القلعة ترميمات وتجديدات من قبل المديرية العامة للآثار، كما أجريت فيها حفريات أثرية للتعرف على تاريخ هذه القلعة قبل الإسلام.
قلعة المرقب تتهاوى
لم تكن قلعة حلب في الشمال السوري وحدها من بين المعالم والقلاع الأثرية السورية المتضررة جراء الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، حيث ألحق الزلزال العديد من الأضرار في قلعة المرقب في بانياس التابعة لمحافظة طرطوس على الشريط الساحلي السوري.
المديرية العامة للآثار والمتاحف التابعة للنظام، أشارت في بيان لها عبر حسابها الرسمي في مواقع التواصل الاجتماعي، عن إلحاق الزلزال العديد من الأضرار من الدرجتين المتوسطة والطفيفة في معالم قلعة المرقب الأثرية.
إذ تداعت العديد من أحجار الجدران وواجهات مباني القلعة التي بنيت في عام 1062 ميلادي، فوق قمّة تلّة على ارتفاع 370 م فوق سطح البحر، كما أدى الزلزال إلى سقوط كتلة من برج دائري في الجهة الشمالية.
كما أدت الهزات الأرضية إلى سقوط الجرف الصخري في محيط قلعة القدموس وانهيار بعض المباني السكنية المتموضعة في حرم القلعة.
تاريخ بناء قلعة المرقب في الساحل السوري، يعود إلى عصر الخليفة العباسي هارون الرشيد 170-193 هـ/ 789- 809 ميلادي، ثم أعيد بناؤها سنة 454 هـ/ 1062 ميلادي على يد رشيد الدين الإسماعيلي، واستمرت قائمة حتى سيطر الصليبيون على القلعة سنة 510 هـ / 1117 ميلادي، وجعلوها حامية لهم، ثم استلمها الإسبتارية سنة 582 هـ / 1186 ميلادي، حتى هُزم الصليبيون عام 1285 ميلادي على يد السلطان قلاوون بعد معارك عنيفة وعدة محاولات، علما أن صلاح الدين الأيوبي لم ينجح في عهده من تحرير القلعة، وكذلك السلطان الظاهر بيبرس الذي حقّق نصراً، ولكنّه لم يستطع دخولها بسبب صعوبة الوصول إليها وارتفاعها وتميّز ومناعة قلعة المرقب فكانت عصيّة على الكثيرين عبر التاريخ، وبعد تحريرها علي يد السلطان قلاوون أمر بإعادة تحصين القلعة أكثر وجعل فرقته من المماليك البحرية في حمايتها.
وفي أحدث التقارير حول قلعة المرقب في عام 2022 كانت وكالة «أ. ف. بـ« أشارت إلى مواظبة حارس القلعة يونس ديّوب على فتح باب قلعة المرقب يومياً، أملاً باستقبال سياح أو زوار لطالما اكتظ بهم الموقع الأثري المطل على الساحل السوري.
ومع كل إشراقة صباح كل يوم، كان ديوب (49 عاماً) يقصد القلعة المشرفة على شاطئ مدينة بانياس، حاملاً مفتاحاً حديدياً كبيراً لفتح بابها الرئيسي. ويجلس داخل غرفة خشبية اعتاد استخدامها لقطع تذاكر الزوار، الذين بات توافدهم شبه معدوم منذ اندلاع النزاع وعلى وقع الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعيشها البلاد.
ويقول الحارس الذي تولى وظيفته قبل 15 عاماً لوكالة «فرانس برس» انه «رغم أن أبواب القلعة لا تزال مفتوحة، تمرّ أيام وأسابيع من دون أن أقطع أي تذكرة».
مواقع أخرى تتأثر
الجهات المسؤولة في النظام السوري، أعلنت كذلك من جانبها، عن تأثر عدة مواقع أخرى بالزلزال، ففي محافظة حماة وسط سوريا، أدى الزلزال إلى تأثر العديد من المباني التاريخية بالزلزال، وسقوط أجزاء من بعض الواجهات التاريخية لهذه المباني، ومنها سقوط 9م2 من واجهة عقار تاريخي أثري على ارتفاع طابقين من شريحة الجلاء، وحدوث تشققات وتصدعات في واجهات وجدران مباني أخرى تاريخية.
وفي حي الباشورة التاريخي في محافظة حماة أيضا، تضررت واجهة العقار 982 من المنطقة العقارية الثانية بسقوط حوالي 10م2 من واجهته الرئيسية وتصدعه، وفق المديرية العامة للآثار والمتاحف التابعة لحكومة دمشق.
ومن مدينة السلمية أفادت التقارير الواردة لمديرية الآثار بسقوط 1م من الجزء العلوي مئذنة جامع الإمام إسماعيل، ما أدى إلى تصدع واجهة الجامع بسبب سقوط الأجزاء المذكورة عليها، وشوهدت أجزاء متساقطة من الجدران الخارجية لقلعة شميميس وقدرت 10م2.
يذكر أن محافظة حماة، كانت تعرضت هي الأخرى لزلزال في عام 1157 ميلادي، حيث اهتزت أرض حماة بزلزال قوي أدى إلى تخريب وتهديم أسوار قلعتها. ولكن سرعان ما تدارك الملك العادل نور الدين حماة بإعادتها لما كانت عليه فبنى أسوارها وأعاد قلعتها وبنى جامعها المعروف الجامع النوري، وبجانبه المارستان النوري وبعض مبانيها ثم بنى أسوار بقية المدن التي تضررت من الزلزال مثل شيزر ودمشق، وحمص وبعلبك وحلب.
وتعد قلعة حماة، ضمن إحدى أقدم القلاع، وكانت قد بنيت على تل تجميعي كبير، وتقع على الضفة الغربية لنهر العاصي. وهذا التل هو الموقع القديم لمدينة حماة والذي أُجريت فيه تنقيبات أثرية في النصف الأول من القرن العشرين، وقد دلّت هذه التنقيبات أن المدينة تعود إلى الألف الخامس قبل الميلاد وقد شهدت تطورا وازدهارا كبيرا في الألف الأول ق. م حيث كانت عاصمة مملكة حماث الآرامية.
يذكر أن الشمال السوري بدوره يحتضن العديد من القلاع والمعالم الأثرية والتاريخية في سوريا، إلا أن شدة الزلزال الذي ضرب مدنه وبلداته، والذي أدى إلى مقتل أعداد كبيرة من السوريين المهجرين قسريا من قبل النظام السوري وحليفيه الروسي والإيراني علاوة عن أبناء المنطقة، كان من الصعب في الوقت الراهن الوقوف على الأضرار التي خلفها الزلزال على المعالم الأثرية في المنطقة.