حسم وزير الخارجية الروسية، سيرغي لافروف موقف بلاده من قضية تجديد الآلية الدولية لإدخال المساعدات الإنسانية عبر معبر باب الهوى الحدودي بين تركيا وسوريا. توضح الموقف الروسي الرسمي في عدة تصاريح لقائد الدبلوماسية الروسية، أهمها، الرسالة التي وجهها إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، نشرتها وكالة «أسوشتد برس» عبر فيها عن عدم رضا بلاده على تقارير الأمم المتحدة حول عدم وجود بديل لإيصال المساعدات الإنسانية إلى شمال غرب سوريا، دون عبورها من تركيا إلى داخل الأراضي السورية. مؤكدا «إصرار موسكو على إمكانية تسليم المساعدات عبر خطوط النزاع داخل البلاد». مشيراً إلى أن روسيا ستمنع تجديد تفويض الأمم المتحدة للمعبر الحدودي الوحيد، أي باب الهوى، الذي ينتهي في 10 تموز (يوليو) المقبل.
في السياق، اتهم هيئة «تحرير الشام» بعرقلة متواصلة لقوافل المساعدات الإنسانية المشتركة للأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر العربي السوري إلى شمال غرب إدلب من دمشق. مضيفا ان العرقلة تجري «بالتواطؤ مع أنقرة» واصفا «المعلومات التي تشير إلى خطوات إيجابية لتركيا لا تتمتع بإثبات واقعي، وان محاولات العرقلة ترصدها موسكو منذ نيسان (أبريل) 2020 أي بعد توقيع اتفاق موسكو بين الرئيسين بوتين وتركيا في 5 آذار (مارس) 2020.
قبل ذلك، عبر لافروف، الاثنين، خلال لقائه الأمين العام لمنظمة «الأمن والتعاون» في أوروبا، هيلجا شميد، عن إمكانية مناقشة الوضع الإنساني في سوريا، وأبلغه عن شرط بلاده لمناقشة الوضع الإنساني في سوريا، وهو إدراك الدول الغربية «جميع المشكلات الحقيقية القائمة هناك، والمسؤولية التي تتحملها أوروبا هناك».
الموقف الروسي لم يكن مفاجئا، على الإطلاق، فهو يأتي متسقا مع هدفها الرئيسي والمعلن في «استعادة الحكومة السورية سيادتها على كامل أراضي الجمهورية» سواء بالحرب أو بالدبلوماسية. حيث خاضت روسيا في مجلس الأمن حروبا دبلوماسية عطلت عددا كبيرا من قرارات مجلس الأمن، مستخدمة حق النقض الدولي «الفيتو».
في الإطار الإنساني، استخدمت روسيا الفيتو، في الأول من كانون الثاني (يناير) 2020 لإجبار المجلس على تبني قرار تخفيض أعداد نقاط العبور الحدودية لتوصيل المساعدات من أربع إلى نقطتين مع تركيا، هما باب السلامة شمال حلب، المواجه لولاية كيليس، وباب الهوى المواجه لولاية هاتاي، حدد مجلس الأمن مدة العمل بالقرار ستة أشهر فقط، انتهت في تموز (يوليو ) 2020. والجدير بالذكر ان القرار فرضته روسيا تماشيا مع عمليتها العسكرية في أرياف حماة الشمالية وإدلب الشرقية والجنوبية وجنوب محافظة حلب. ورغم شدة القصف الجوي وعمليات التهجير الكبير لم تستطع أمريكا ودول الاتحاد الأوربي والدول العربية المساندة للثورة السورية فعل أي شيء، بل أتى القرار بمثابة نصر سياسي مترافق مع هزيمة المعارضة المسلحة وتركيا على الأرض.
في تموز(يوليو) 2020 انتهت الستة أشهر، ورفضت موسكو تجديد القرار ورفضت كل المقترحات التي قدمتها الدول وعلى رأسها الكويت والسويد، نهاية الأمر، وافقت على مشروع قرار قدمته ألمانيا وبلجيكا، ينص على فتح معبر إنساني واحد، هو باب الهوى، في حين اغلق معبر باب السلامة، ويعتبر الأخير نقطة المساعدة الرئيسية لمنطقة «درع الفرات» وعفرين، وأجبر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا» اعتماد طريق أطول لإيصال المساعدات إلى عفرين و»درع الفرات».
ودفع إغلاق معبر اليعربية أن تقوم «أوتشا» بتحويل المساعدات لمناطق شرق سوريا القادمة من العراق لتصبح عبر مكتب دمشق حصرا، وهو ما تسعى له روسيا والنظام السوري، فيجعل الأخير يتحكم بتوزيعها بشكل كبير ويتدخل بسياسة توزيعها، خصوصا مع الفشل الكبير لعمل المكتب الإنساني من دمشق في ملفات المناطق المحاصرة كالغوطة الشرقية وداريا ومضايا والزبداني، وعدم تمكنها من العمل بحرية بسبب تدخل أجهزة المخابرات السورية، فعانت المناطق من الجوع وتسبب نقص الغذاء بسوء تغذية للأطفال وخلف أمراضا كثيرة، إضافة إلى منع الأدوية والمعدات الطبية اللازمة لغرف العمليات والعناية المركزة. وحصل الأمر ذاته في حمص القديمة وحي الوعر وريف حمص الشمالي ولو بدرجة أقل نسبياً.
من جهة أخرى، تفتقد الإدارة الامريكية لأي خطة بديلة أمام الفيتو الروسي، منذ بدء الهجوم في منطقة خفض التصعيد الرابعة (إدلب وجوارها) تحديدا على ريف حماة الشمالي نهاية نيسان (ابريل) 2019 . فقد أدت العمليات الحربية التي شنها النظام وروسيا أولا، ثم التحقت بهم إيران، إلى تهجير ما يزيد عن مليون شخص حسب إحصائيات الأمم المتحدة نفسها. ومع استمرار الهجوم مدة عشرة أشهر، دون توقف، حاصرت قوات النظام على أثره أغلب نقاط المراقبة التركية. اقتصر رد الفعل الأمريكي على إدانة الهجوم، وزيارة وصفت كدعم سياسي من واشنطن لأنقرة، لكنها حقيقة أقرب للزيارة السياحية، قام بها وفد، ضم المندوبة الأمريكية السابقة في مجلس الأمن، كيلي كرافت، رافقها المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري والسفير الأمريكي لدى أنقرة، ديفيد ساترفيلد، اطلعوا خلاله على سير توزيع المساعدات الإنسانية والتقطوا صورا للذكرى مع عمال الدفاع المدني السوري «الخوذ البيضاء». في وقت التقاط الصور التذكارية للدبلوماسية الأمريكية ومرافقيها أصبحت قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية على مشارف بلدة الأتارب بعد سيطرتها على فوج القوات الخاصة شرق البلدة «الفوج 46» على بعد لا يتجاوز 17 كم من الوفد الأمريكي الذي كان يبتسم للكاميرا. في تلك الأثناء رفضت واشنطن تقديم دعم حقيقي طلبته أنقرة رسميا من الناتو، وهو ما دفع الرئيس اردوغان إلى السفر مسرعا لمقابلة بوتين في موسكو، وتخليه عن شعار عودة النظام إلى حدود منطقة «خفض التصعيد» أو ماعرف بشعار «ما بعد مورك» لدى السوريين المهجرين أي عودة النظام إلى حدود اتفاق سوتشي.
مؤخرا، تشير تصريحات مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية لدى المنظمة الأممية، السفيرة ليندا توماس غرينفيلد، عقب انتهاء جلسة النقاش حول تفويض الأمم المتحدة بإدخال المساعدات عبر الحدود، إلى إقرار بالهزيمة أمام روسيا وعدم مقدرة مجلس الأمن للتوصل إلى تسوية بشأن التفويض، حيث أشارت إلى «مواصلة واشنطن العمل مع روسيا من أجل المحافظة على معبر باب الهوى، شمال إدلب، مفتوحاً بعد انتهاء تفويض آلية إدخال المساعدات إلى سوريا في 10 تموز/يوليو المقبل». وقالت المندوبة صراحة أنه «لا توجد لدينا خطة بديلة لإدخال المساعدات إلى سوريا في حال استعمال الفيتو من قبل روسيا». موضحة ان «الخطة (ب) هي الاستمرار في الضغط من أجل تمديد التفويض، وتلك الخطة تعني أننا قد فشلنا، ونأمل ألا نفشل».
ميدانيا، بدأ النظام السوري حملة قصف مدافع وراجمات الصواريخ على منطقة جبل الزاوية، جنوب طريق حلب- اللاذقية/ M4 رصدت «القدس العربي» أو عمليات القصف في 26 أيار (مايو) تزامناً مع مسرحية الانتخابات الرئاسية السورية التي أعلنها النظام، ومع مرور شهر على بدء القصف بدأ المهجرون في الشمال السوري يتخوفون جديا من عملية عسكرية جديدة. خصوصا ان بيان الكرملين حول الاتصال الهاتفي بين بوتين واردوغان، الخميس، يؤكد على «مكافحة التشكيلات الإرهابية المتبقية في هذه المنطقة». وتدلل التجارب على غلبة التفسير الروسي مقابل التفسير التركي، أضف أن موسكو بدأت تستشعر الرغبة الأمريكية بمحاولة تعويم تنظيم «تحرير الشام» ووجود من يفتح أذنيه مصغيا إلى رسائل ابي محمد الجولاني في واشنطن. إلا انه ليس السبب الحاسم في مصير إدلب، فمصيرها بالنسبة للروس هو بالعودة إلى حظيرة النظام فقط ولا توجد رؤية روسية مخالفة لذلك، حتى الآن.
أخيرا، وبعيدا عن احتمال العمليات العسكرية وتغير خرائط السيطرة، يتعين على المعارضة السورية الرسمية العمل على البحث في طريقة حل المسألة الإنسانية لنحو أربعة ملايين في الشمال السوري، أغلبهم من المهجرين قسريا، من الضروري البحث مع الدول الداعمة للشعب السوري في قضية انشاء آلية خاصة بعيدا عن مجلس الأمن الدولي.
في الاطار نفسه، علق رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني لـ» القدس العربي» قائلا «هناك ضرورة عدم اعتبار التدخل الإنساني وغير المنحاز الذي يقوم به مكتب الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة أمرا غير قانوني أو خرقا لسيادة الدول التي تنهب المساعدات».
ان إمكانية خلق الية استجابة إنسانية أمر ليس جديدا على الإطلاق في الأزمات، ويمكن خلق آلية تشرف عليها وتقودها أمريكا، انطلاقا من تركيا والعراق من أجل تجاوز مسألة وصول النظام إلى شرق سوريا وشمالها عبر بوابة الدعم الإنساني وتحكمه بتلك المناطق، فخطورة المسألة ليست في التحكم المباشر بصناديق الإغاثة، بل بما سيؤدي إلى عملية تطبيع سياسي بين النظام وسلطات الأمر الواقع والمنظمات الإغاثية ومنظمات المجتمع المدني المعارضة من جهة أخرى.