في السابع عشر من نيسان/إبريل 1946 خرج السوريون بكل فئاتهم وطوائفهم يهزجون للتخلص من آخر جندي فرنسي على أرض سوريا جاءنا تحت غطاء الانتداب وتبعات سايكس- بيكو.
لقد كان حلما لكل سوري أن يرى سوريا دولة مستقلة ديمقراطية بعد خمسة قرون من هيمنة عثمانية، ثم فرنسية، حتى أن شفيق جبري أنشد قائلا:
حُلم على جنبات الشـــــــام أَم عيد؟
لا الهمُّ همٌّ ولا التسهيد تســــــــهيدُ
أتكذبُ العينُ والرايــــــــاتُ خافقةٌ؟
أَمْ تكذب الأذن، والدّنيا أغاريـــــــدُ؟
هذا الحلم لم يتحقق بعد ثلاث وسبعين سنة من الاستقلال، فواقعها اليوم أسوأ بكثير مما كانت عليه تحت الهيمنة الفرنسية والعثمانية. فقبيل الاستقلال منحت فرنسا تركيا منطقة لواء اسكندرون ( أجمل مناطق سوريا وفيها أهم مرفأ بحري) كمكافأة لثنيها عن الاشتراك في الحرب العالمية الثانية إلى جانب المحور ألمانيا-إيطاليا، بعد أن اقتطعت مناطق واسعة أيضا لتضمها إلى لبنان. ولم تفلح فرنسا في تقسيم سوريا إلى خمسة كيانات سياسية ميكروسكوبية، وقبلت بالأمر الواقع بعد إصرار السوريين على وحدة بلادهم، فكانت الجمهورية العربية السورية.
الجمهورية الوليدة
هذه الجمهورية الوليدة بدأت بنظام ديمقراطي تعددي شارك فيه كل الأحزاب (بمن فيهم حزب الاخوان المسلمين، والحزب الشيوعي)، وتم انتخاب رئيس للبلاد ( شكري القوتلي)، ومجلس نواب منتخب أيضا.
ولكن سرعان ما أجهض هذا الحلم بأول انقلاب عسكري لحسني الزعيم في العام 1949 (استمر في الحكم 137 يوما ثم أعدم) وتوالت من بعده الانقلابات العسكرية (إنقلاب فوزي سلو ثم أديب الشيشكلي الذي حكم سوريا لغاية العام 1954 ثم تم اغتياله بعد هروبه إلى البرازيل في العام 1964 )، وعاد نظام الحكم المدني لغاية 1957 حيث تخلى شكري القوتلي عن رئاسة البلاد للزعيم الراحل جمال عبد الناصر لتتم الوحدة المصرية السورية التي لم تعمر طويلا وقام ضباط انفصاليون بانقلاب عسكري أنهى تجربة الوحدة في العام 1961 ليعود المدنيون للحكم لمدة سنتين فقط، أطاح بهم انقلاب 8 آذار/مارس الشهير وتسلم الجيش السلطة تحت غطاء حزب البعث الذي مهد الطريق لحكم عائلة الأسد بعد الإطاحة بالمنافس صلاح جديد وحركة 23 شباط/فبراير في العام 1970 . (في تلك الأثناء خسرت سوريا الجولان السوري في حرب الخامس من حزيران/يونيو واليوم يعترف دونالد ترامب بسيادة إسرائيل عليه).
العائلة الأسدية
نصف قرن مضى على حكم العائلة الأسدية التي وعد فيها المؤسس حافظ الأسد السوريين بالحرية، والوحدة، والديمقراطية والمساواة، فكيف حال سوريا اليوم. لقد اندلعت الثورة السورية في العام 2011 كغيرها من ثورات الربيع العربي تطالب بالحرية والمساواة وبنظام ديمقراطي تعددي يضمن حرية الرأي والتعبير، بعد ثماني سنوات من اندلاع الثورة فواقع سوريا اليوم هو سيطرة أمريكية – كردية على مساحة تصل إلى 25 بالمئة من الأراضي السورية، وسيطرة روسية على ميناء طرطوس البحري، وقاعدة حميميم العسكرية، والتدخل في كل كبيرة وصغيرة سياسيا وعسكريا، وتسيطر إيران وميليشيا حزب الله وميليشيات طائفية أخرى باكستانية وأفغانية وعراقية على مساحات واسعة في محيط حلب ودمشق وحمص ودرعا، في حين تسيطر تركيا على كل منطقة إدلب التي تصل إلى 20 بالمئة من مساحة سوريا.
انهيار الاقتصاد
وينتظر أن تقوم الصين بهيمنة اقتصادية كبيرة بطرح نفسها كمتعهدة لإعادة إعمار سوريا التي دمرها النظام على رؤوس أهاليها، وبعد مقتل نصف مليون إنسان، ودفع ستة ملايين سوري إلى اللجوء في دول أخرى، ونزوح أربعة ملايين آخرين، وانهيار الاقتصاد والعملة الوطنية، وارتفاع الأسعار جراء التضخم، وفقدان سلع أساسية كالمحروقات، وانقطاع التيار الكهربائي، تستقبلك لافتات كبيرة على مداخل سوريا كتب عليها: « أهلا بك في سوريا المنتصرة»
كاتب سوري
ومن سيدفع للصين؟ النظام تنازل عن طرطوس للروس, فبماذا سيتنازل للصينيين؟ ولا حول ولا قوة الا بالله