دمشق – «القدس العربي»: قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل اصطدم برفض عربي ودولي وصولاً للأمم المتحدة، فقد خرج وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بتصريحات صحافية يعبر فيها عن «حزنه» من رفض الدول للاعتراف بالجولان المحتل كجزء من إسرائيل، ومعبراً عن أمله بتفهم الجميع لأهمية ذلك. واللافت ان الردود العربية والدولية كلها بقيت ضمن الردود «الشاجبة والآسفة والمنددة» بمعنى أنها كلمات لا تليها أفعال للجم مواقف ترامب المنفلتة والخارجة عن المنطق والقوانين الدولية. ويبقى ملخص المشهد أن سوريا «تتناتشها» قوى دولية وإقليمية… وترامب «يهب» إسرائيل حصتها في الجنوب.
باحثون لـ «القدس العربي»: اعترافه تمهيد لتفتيت البلاد… والمواقف المنددة كلمات بلا أفعال
وأجمعت تصريحات دول العالم على أن هوية الجولان المحتل عربية سورية، في حين اعتبرت الجامعة العربية قرار ترامب «باطلاً شكلاً ومضموناً»، وفي الأمم المتحدة قال ستافان دوجاريك المتحدث باسم المنظمة الدولية إن الأمين العام أنطونيو غوتيريش أكد أنه «واضح (في القول) بأن وضع الجولان لم يتغير» وأضاف «سياسة الأمم المتحدة بشأن الجولان انعكست في قرارات مجلس الأمن ذات الصلة وإن تلك السياسة لم تتغير».
إلا أن الرفض العربي والدولي للمرسوم الذي أصدره ترامب حول الجولان المحتل، بحاجة وفق العديد من المصادر إلى قرار مضاد وحراك دبلوماسي لمنع انهيار جدار الرفض العالمي، وبدء بعض الدول بالسير وفق الرغبات الأمريكية بالحصول على أصوات تؤيد سياستها بما يخص هوية الجولان المحتل، إذ اعتبروا مرسوم ترامب ورقة أولية لتفتيت الجغرافيا السورية، في حين اعتبر بعضهم أن الجيش السوري لم يولِ أي اهتمام لمسألة تحرير الجولان مسبقاً أو لاحقاً.
علامات استفهام
المرسوم الأمريكي الذي «يعترف بالجولان تحت السيادة الإسرائيلية»، لعله خطوة جديدة تكشف طبيعة المشاريع التي تتبناها الولايات المتحدة في سوريا على العموم، وخاصة ملف شرقي سوريا، وفي هذا الصدد يقول الباحث والمستشار الدولي د. باسل حاج جاسم لـ «القدس العربي» إن نوايا واشنطن حيال سوريا عليها الكثير من علامات الاستفهام، منذ غزو الولايات المتحدة للعراق، وتوضح ذلك أكثر خلال فترة باراك أوباما بتصريحات إعلامية متكررة مغايرة تماماً للتحركات على الأرض، من زرعهم بذور تمزيق الجمهورية العربية السورية، من خلال دعم ميليشيات وأقليات عرقية تحمل أجندة انفصالية استيطانية تحت ذريعة محاربة تنظيم «الدولة». ويضيف المصدر: واشنطن استعانت بمجموعات إرهابية لمحاربة إرهابيين آخرين، وقرار ترامب باعتبار الجولان السوري تحت السيادة الإسرائيلية يأتي في سياق المخطط الأمريكي نفسه بتسهيل وإعطاء مبرر للقوى الأخرى من أجل تعزيز نفوذها على الأراضي السورية.
الباحث جاسم تطرق إلى سيناريو وصفه بـ»المرعب» قد يولد مستقبلاً في الجنوب السوري، وقال: حذرنا قبل أكثر من عام، بأننا إن لم نشهد تحركاً عسكرياً من طرف ما في جنوب سوريا، فسوف تبقى الأمور قابلة للحل في إطار سوري- سوري. أما اليوم، وبعد القرار الأمريكي علينا ألا نستبعد إنشاء منطقة آمنة أو عازلة في الجنوب لعمق معين داخل سوريا ابعد من حدود الجولان، قد يكون قرار الجولان بداية لما هو قادم وأخطر، بالتزامن مع مطالبة المجموعات الاستيطانية الأخرى في شمال وشرق سوريا بشرعنة لوضعها. كما أن الخطوة الأمريكية تجاه الجولان حسب – جاسم – توضح أن مصلحة إسرائيل تفتيت سوريا، ومثلما هي مصلحة أمريكا، وبالتالي العودة إلى سيناريوهات قديمة لمناطق عازلة في الجنوب والشمال ليس لحماية السوريين، وإنما لتقاسم البلد أو ما تبقى من البلد.
وكانت قد استولت إسرائيل على الجولان من سوريا في حرب عام 1967 وضمتها في عام 1981 في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي، وكان مجلس الأمن تبنى بالإجماع عام 1981 قراراً يعلن أن قرار إسرائيل «فرض قوانينها وولايتها القضائية وإدارتها في مرتفعات الجولان السورية المحتلة باطل ولاغ ولا أثر قانونياً له على الساحة الدولية، وطالب القرار أيضا إسرائيل بالتخلي عن قرارها». وبينما يشير معارضون للنظام السوري إلى عدم إيمانهم مطلقاً بجديته تجاه قضية الجولان المحتل، فهو بنظرهم من واظب لسنين طويلة على قتلهم وتشريدهم، في حين أن الموالين له منشغلون بالهرولة وراء رغيف الخبز وعبوة غاز ومشاكل الحياة التي «غرقوا بين أسطرها».
وخلال عقود احتلال الجيش الإسرائيلي لهضبة الجولان المحتل، لم يعمل نظام الحكم ولم يسلح الجيش السوري قواته من وجهة نظر الخبير في العلاقات الدولية محمد العطار استعداداً لتحريره، واستعادة الأرض المحتلة، وإنما كان جل اهتمامات النظام العسكرية موجهة ضد الشعب السوري، والدليل هو المقتلة التي تعرض لها السوريون بهذه الأسلحة التي اشتريت من قوت المدنيين بذريعة و«مقاومة المحتل»، ولكن مستودعات الذخائر تم تفريغها على المدن السورية لا على ثكنات الجيش الإسرائيلي.
كما أن حال سوريا مؤخراً يرثى لها، فهي مقسمة بين الحلفاء والأعداء، إذ أن الساحل السوري اليوم يشبه جولان الأمس، فالأخير بيد الجيش الإسرائيلي والساحل بيد الجيش الروسي، والعاصمة وضواحيها بيد الجيش الإيراني والميليشيات الموالية له، والأمريكان والدول المتحالفة معها يسيطرون على شرق سوريا، والجيش التركي متواجد شمال البلاد.
في حين أن النظام السوري بادل وفق ما قاله «العطار» لـ «القدس العربي»: الشعب والوطن بالكرسي ومنصب الرئاسة، وبالتالي فإن كل الجغرافيا السورية اليوم باتت مجزأة ومقسمة بين الدول والأطراف الفاعلة، والسوريين هم الحلقة الأضعف، وهم التائهون بين غرف السياسة المغلقة وأروقة الصفقات الخفية.
بوادر توتر وفوضى
ولا يغير قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وفق الباحث في مركز جسور للدراسات عبد الوهاب عاصي، باعتراف بلاده بسيادة إسرائيل على الجولان من الواقع شيئاً على اعتبار أن المنطقة تخضع لاحتلال تل أبيب منذ عام 1967، ولم تستطع سوريا استرجاعها باستثناء بعض القرى وفق اتفاق فك الاشتباك. لكن الإعلان بحد ذاته يجعل المنطقة مقبلة على مزيد من التوتر والفوضى على الصعيد الأمني والعسكري، لأنه يندرج أصلاً ضمن خطة السلام الإسرائيلية – الفلسطينية التي تعرف باسم صفقة القرن، ومن المعلوم أن كبير مساعدي الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر كان يجري مباحثات مكثفة لإقناع دول المنطقة بتطبيق هذه الخطة، وبالتالي فإن قرار ترامب إما أنه يتماهى مع مخرجات جولة كوشنر وأنه خطوة عملية أولى للشروع بباقي الخطوات أو أنه محاولة لفرض الأمر الواقع. وبكلا الحالتين فإن ذلك سوف يعزز الصراع في المنطقة.
وفي حال كان هناك اتفاق مسبق استطاع كوشنر الحصول عليه بشكل جزئي أو كلي فسيكون مقابل منح الأطراف الدولية مكاسب جيوسياسية ونفوذاً إقليمياً وتعزيز الشراكات الأمنية والعسكرية والسياسية مع واشنطن. كما أنه من المفترض أن تشمل الخطوات تشكيل محور لتقويض نفوذ إيران وأيضاً دعم السياسات الخارجية للدول المشاركة في جوارها الإقليمي.
وقال عاصي لـ «القدس العربي»: في المقابل في حال لم يكن هناك اتفاق مسبق، فإن هذه الخطوة لا تخرج عن كونها محاولة لتحصيل دعم انتخابي بالنسبة لترامب ونتنياهو. وقد يكون من الجدير لفت الانتباه إلى أن ترامب يبذل جهداً لإرضاء الإنجيليين داخل الولايات المتحدة الذين يتفقون مع سياسات اللوبي اليهودي، وتمثل الشريحة الانتخابية لهؤلاء في الانتخابات الأمريكية المقبلة أهمية في سياسات ترامب.
سبع سنوات يتقاتلون فيما بينهم وعدوهم اللدود محتل لفلسطين وجزء من سوريا