تشير عمليات مقاتلي التنظيم، وفق التكتيك الجديد، إلى رسائل متعددة أراد التنظيم إرسالها للنظام والإيرانيين، ولربما اشترك التنظيم ونظام الأسد في هذه الرسائل.
أعلن المتحدث الرسمي باسم تنظيم «الدولة الإسلامية» أبو حذيفة الانصاري تعيين خليفة خامس للتنظيم هو «أبو حفص الهاشمي القرشي». وأكد في تسجيل نشرته «مؤسسة الفرقان الإعلامية» التابعة له، مقتل زعيمه السابق «أبو الحسين الحسيني القرشي» في مواجهة بينه وبين مقاتلين من هيئة «تحرير الشام» التي اتهمها المتحدث بالعمالة للغرب، واصفًا إياها «بالشركة الأمنية التي تتجسس على المسلمين، لصالح الصليبيين» كما اتهمها باعتقال المتحدث الرسمي للتنظيم «أبو عمر المهاجر» بريف إدلب.
ولم يعلن تنظيم «الدولة» منذ نيسان (أبريل) عن زعيم جديد له، ولم يؤكد مقتل زعيمه الرابع أبو حسين القرشي، بعد ان أعلن الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان حينها، عن تحييد الحسيني القرشي، في عملية للاستخبارات التركية، الأمر الذي أكدته مصادر تركية مطلعة في ذلك الوقت، والتي أشارت إلى أن العملية نفذت في منطقة عفرين، حيث تنتشر قوات الجيش الوطني، المدعوم من انقرة، ليفجر المتحدث الجديد «أبو حذيفة الانصاري» خبر قتل الخليفة الرابع على يد عناصر «الهيئة» وتسليم السلطات التركية جثته بعد قتله، الأمر الذي يفضح تعاون الهيئة مع الاستخبارات التركية.
وسبق إعلان «الخليفة» الخامس لـ«الدولة الإسلامية» زيادة في نشاط عملياته في مناطق عدة في سوريا، حيث أفادت مصادر محلية لـ«القدس العربي» باندلاع اشتباكات بين ميليشيا «الدفاع الوطني» التابعة لنظام الأسد، وعناصر من خلايا تنظيم «الدولة الإسلامية» في منطقة معدان بريف الرقة الشرقي وصولا لحدود الإدارة لمحافظة دير الزور، الأربعاء الماضي، حيث هاجمت خلايا التنظيم نقاطا يتمركز بها عناصر الدفاع الوطني وقوات تابعة لجيش النظام السوري، وامتدت من معدان وصولا إلى البادية السورية جنوبا، وفي اليوم ذاته شن مقاتلو التنظيم هجومًا بالرشاشات الثقيلة على سيارة عسكرية تتبع لقوات سوريا الديمقراطية «قسد» كانت توزع الخبز بين بلدتي مركدة والصور بريف دير الزور الشمالي.
وفي سياقٍ متصل، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بمقتل مقاتل من «قسد» وإصابة أربعة آخرين إثر استهداف عربة كانوا يستقلونها في منطقة السعدة بريف الحسكة الجنوبي الأربعاء، وفي يوم سابق أفاد المرصد بمقتل عنصر تابع لـ «قسد» جراء إطلاق النار عليه من قبل مسلحين يعتقد أنهم تابعون للتنظيم في قرية الدحلة بريف دير الزور الشرقي، كما شهدت مدينة الرقة هجوما لخلايا تنظيم «الدولة» على نقطة لقوى الأمن الداخلي «أسايش» التابعة لقوات سوريا الديمقراطية.
خلايا تنظيم «داعش» التي كثفت خلال النصف الثاني من شهر تموز (يوليو) هجماتها وعملياتها ضد قوى السيطرة المختلفة في مناطق انتشارها، تبنت تفجيرين وقعا في منطقة السيدة زينب جنوب دمشق، واستهدف التفجير الأول حافلة نقل في 25 تموز (يوليو) فيما استهدف التفجير الثاني تجمعا للزوار الشيعة بعد يومين من التفجير الأول.
وجاء في بيانٍ نشرته «وكالة أعماق» المتحدثة باسم تنظيم «الدولة الإسلامية» أن «عددا من القتلى وعشرات الجرحى في صفوف الشيعة، سقطوا بتفجيرين منفصلين نفذهما مقاتلو الدولة الإسلامية جنوب العاصمة السورية دمشق».
ونقلت الوكالة عن مصادر قالت إنها أمنية، «مقاتلو الدولة نجحوا في اختراق التشديدات الأمنية التي تفرضها قوات النظام وميليشياته على منطقة السيدة زينب التي تعد مقصدًا للزوار الشيعة، وتمكنوا من ركن وتفجير دراجة نارية مفخخة على تجمع للزوار الشيعة المشاركين في طقوسهم السنوية، ما أسفر عن مقتل عشرة منهم، وإصابة 40 آخرين».
فيما أفادت وزارة الداخلية التابعة لنظام الأسد، في بيانٍ نشرته على موقعها الرسمي، بمقتل ستة أشخاص، وإصابة 23 في انفجار دراجة نارية بالقرب من سيارة أجرة، بالقرب من كوع سودان بمنطقة السيدة زينب جنوب العاصمة دمشق.
وتجدر الإشارة، إلى ان التفجيرين وقعا في منطقة تشديد أمني كبير، تفرضه قوات النظام والميليشيا الشيعية، وتشكيلات من «الحرس الثوري الإيراني» و «حزب الله اللبناني» قبيل مناسبة عاشوراء حيث تكتظ المنطقة بالزوار الشيعة القادمين بشكل خاص من العراق وإيران ولبنان.
إلا أن الهجوم الأكبر لخلايا تنظيم «الدولة الإسلامية» هو على قافلة نفط لقوات النظام ليل الاثنين الماضي على طريق حمص-الرقة، أسفر حسب ما وثقته اللجنة السورية لحقوق الإنسان عن مقتل خمسة عناصر من قوات النظام، واثنين من سائقي صهاريج النفط.
راديو «شام إف إم» الموالي للنظام قال: إن «وحدات الجيش السوري تشتبك مع مقاتلين يعتقد انهم من تنظيم داعش في منطقة المجبل شمالي شرق مدينة سلمية، إثر محاولتهم قطع طريق حمص-الرقة» وذكرت مصادر محلية أن القافلة المحملة بالنفط الخام من آبار جنوب الرقة في منطقة سيطرة «قسد» والمتجهة إلى مصفاة حمص للبترول، تعرضت لهجوم بالرشاشات الثقيلة، وقذائف «آر بي جي» شمال شرق ناحية السعن، ما أسفر عن مقتل عدد من عناصر قوات النظام المرافقين للقافلة، عرف منهم علاء قطريب ومهند عبد العال وفراس عبد المعطي، وأضافت المصادر أن تعزيزات قوات النظام وصلت للمنطقة بعد انتهاء هجوم مقاتلي تنظيم «الدولة الإسلامية» وفرارهم من المنطقة.
وفي منطقة ليست ببعيدة عن المجبل الذي شهد الهجوم على قافلة النفط، تبنى تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» عملية تفجير آلية عسكرية لقوات النظام أسفرت عن تدميرها ومقتل من فيها في 28 تموز (يوليو) الماضي.
وبلغت عمليات خلايا «الدولة» منذ مطلع العام الجاري 103 عملية بين هجوم مسلح، وعبوة ناسفة، وتفجيرات انتحارية، حسب إحصائية المرصد السوري لحقوق الإنسان، والذي أحصى مقتل 20 عنصرا من التنظيم، و192 عنصرا من قوات النظام والميليشيا المساندة له، والمرتبطة بإيران على وجه الخصوص.
وفي هذا الصدد، قال مدير المرصد، رامي عبد الرحمن حسب ما نقله الموقع الرسمي للمرصد، إن الهجوم الأخير على قافلة النفط، وتدمير ثلاثة صهاريج وما خلفه من خسائر لقوات النظام يشير لعودة نشاط التنظيم، الذي استهدف قبل يومين راعيا للأغنام في ذات المنطقة بتهمة العمالة للنظام، وبعدها نفذ مقاتلو التنظيم عملية سرقة 400 رأس من أغنام الراعي.
ولفت عبد الرحمن، إلى أن تنظيم «الدولة» تعمد استهداف عناصر الميليشيا التابعة لإيران من السوريين، محاولا استثناء عناصر «حزب الله» اللبناني، أو المقاتلين الإيرانيين، مشيرًا إلى أن غالبية عناصر الميليشيا الإيرانية الذين لقوا حتفهم على يد عناصر التنظيم المتشدد هم من الجنسية السورية، وبلغ عددهم 37 عنصرًا، وأرجع ذلك إلى اتفاقات بين «داعش» من جهة، وأطراف إيرانية من جهة أخرى.
وأضاف مدير المرصد، أن قوات التحالف الدولي ضد «داعش» لم تتمكن من مواجهة تمدد التنظيم في البادية السورية واستخدام الطلعات الجوية المركزة، بسبب التفاهمات الروسية الإيرانية على تقاسم مناطق نفوذ كل منهما على الأراضي السورية، الأمر الذي ساهم في نشاط خلايا التنظيم التي استغلت انشغال الجانب الروسي بحربه في أوكرانيا.
الجدير بالذكر، ان خلايا تنظيم «داعش» تنتشر على مساحات واسعة من الحدود السورية العراقية، وحتى مساحات من ريف حلب الجنوبي الشرقي، وفي مناطق عدة في بادية حمص وحماة في ريف المحافظتين من جهة الشرق.
عمليات تنظيم «داعش» المكثفة خلال الأيام الماضية، تعكس طريقة التكتيكات الجديدة التي اعتمدها، فبعد مرحلة من الهجمات الفردية الخاطفة على نقاط عسكرية لقوات النظام وقوات سوريا الديمقراطية، انتقلت خلايا «داعش» للهجمات المنظمة على الطرقات الحيوية، إلا ان الهجوم الذي استهدف قافلة النفط، وتفجيري السيدة زينب، يشيران بذات الوقت لاستراتيجية قد يتبعها مقاتلو «داعش» من شأنها المساومة على أمن الطرقات، ومناطق الزيارات الشيعية.
وتشير عمليات مقاتلي التنظيم، وفق التكتيك الجديد، إلى رسائل متعددة أراد التنظيم إرسالها للنظام والإيرانيين، ولربما اشترك التنظيم ونظام الأسد في هذه الرسائل، فمن جهة «الدولة الإسلامية» تمكنت العمليات من الإشارة إلى إمكانية وصول مقاتليه إلى قلب المناطق المشددة أمنيا، والواقعة تحت سيطرة النظام، والتي يشاركه في إدارة أمنها الجانب الإيراني، وفي أكثر المناطق التي تحمل رمزية دينية للمقاتلين «الشيعة» في سوريا. الأمر الذي يمكن أن يستغله نظام الأسد، لتحقيق مكاسب أكبر من الإيرانيين، من خلال وجود خطر وقدرة خلايا تنظيم «الدولة» في الوصول إلى مثل هذه الإماكن، بالإضافة لاستغلال نظام الأسد مثل هذه العمليات في ظل الوضع الاقتصادي المتردي، وتراجع الليرة السورية لمستويات قياسية، لتحقيق مكاسب مادية من حلفائه، ولربما من دول عربية بادرت بخطوات التطبيع معه في الفترة الماضية.