ارتفع عدد نقاط المراقبة التركية المطوقة بقوات النظام إلى خمس نقاط، كما كان متوقعا، بسبب استمرار المعارك والانسحابات المتواصلة لفصائل المعارضة، حيث طوقت قوات النظام نقطتي المراقبة في تل العيس والراشدين الواقعتين شرقي طريق حلب – دمشق “إم 5″، بعد أن طوقت نقطة المراقبة السابعة في تل الطوقان شرقي سراقب في 5 شباط/فبراير الجاري. وأعلن جيش النظام السوري يوم الجمعة تأمينه كامل طريق حلب – دمشق “إم 5″، مروراً بإدلب وحماة.
وتطبق روسيا تفسيرها الخاص لاتفاق سوتشي فبدأت معركة السيطرة على طريق “إم 5” بعد فشلها بإقناع تركيا فتح طريق الترانزيت. وتشير العمليات والانهيار الكبير في خطوط الجبهات إلى غياب أي شكل من أشكال المقاومة في ريف إدلب الشرقي، وشكل سقوط معرة النعمان خلال ساعات صدمة كبيرة لجمهور الثورة وأنصارها في الشمال السوري.
وسيطرت قوات النظام السوري خلال الأسبوع المنصرم على جبهات ريف حلب الجنوبي، وصولا إلى ايكاردا وبلدة البرقوم ومنها الى بلدة الزربة الاستراتيجية، ومن محور البرقوم – الزربة. بدأت قوات النظام بالتقدم غربا متجاوزة طريق الترانزيت “إم 5”. وبدون مقاومة تذكر تقدمت قوات النظام والميليشيات الإيرانية وسيطرت على كفر حلب وعرادة وازناز والشيخ علي لتبدأ عمليات صد المعارضة لمنع النظام من كسب مزيد من الأراضي من خلال قضم ريف المهندسين الثانية (الغربية) ومعسكر الفوج 46 – قوات خاصة الذي سيطرت عليه فصائل الجيش الحر في تشرين الثاني (نوفمبر) 2012. لكن قصف القاذفات الروسية للمنطقة بالقنابل شديدة الانفجار، وغياب السلاح الثقيل عن جبهات المعارضة، إضافة لغياب هيئة “تحرير الشام” و”الجبهة الوطنية للتحرير” واعتمادهما على المحليين المنضوين في الفصيلين من أبناء ريف حلب الغربي كلها أمور سهلت العمل العسكري للقوات المهاجمة. ومع السيطرة على الفوج 46 تصبح قوات النظام على مسافة 3 كم من بلدة الأتارب، أحد أبرز معاقل الثورة السورية في شمال البلاد.
سناريوهات المعارك
مع السيطرة الكاملة لقوات النظام على طريق الترانزيت الرئيسي في سوريا وتمددها في غرب سراقب وصولا إلى النيرب ومعسكر الشبيبة على طريق سراقب – اريحا “إم 4” وتوسيع مساحة سيطرتها إلى سان وشرق سرمين وآفس والطلحية ومعارة عليا وأفس واقترابها من بلدة الأتارب في ريف حلب الغربي تصبح العمليات العسكرية المراقبة أمام ثلاثة سيناريوهات:
السيناريو الأول هو حل قضية إدلب على الطريقة العسكرية الروسية، ويطبق على الأرض من خلال استمرار العملية من ريف حلب الغربي عبر السيطرة على الأتارب وسرمدا وصولا إلى باب الهوى. وهو ما يعني محاصرة كامل محافظة إدلب والأجزاء المتبقية من محافظتي اللاذقية وحماة. وفي حال اتخذ الروس هذا القرار فذلك يعني أننا سنشهد واحدة من أكبر عمليات التدفق البشري في التاريخ الحديث حيث سيسعى أكثر من مليوني مواطن متواجدين قرب الحدود التركية السورية وفي المناطق البعيدة عن خطوط القتال إلى الهروب باتجاه منطقة عفرين وريف حلب الشمالي (منطقة درع الفرات).
السيناريو الثاني هو بدء عملية عسكرية للسيطرة على ما تبقى من طريق حلب – اللاذقية “إم 4” وهي المسافة بين بلدة النيرب وجسر الشغور مرورا بمدينة اريحا وبلدات اورم الجوز ومحمبل وفريكة وتقدر بنحو 60 كم على الطريق الجديد أو طريق الخرافي كما يعرف محليا نسبة إلى شركة الخرافي الكويتية التي كانت تقوم بشقه قبل اندلاع الانتفاضة السورية بسنوات. وفي حال حصول هذا السيناريو فإن كامل المناطق جنوب الطريق ستسقط تلقائيا ولن يفضل المدنيون المتبقون في قرى جبل الزاوية وسهل الغاب وجبل شحشبو الحصار وسيتوجهون شمالا، وسيفضي هذا إلى خسارة نصف مساحة سيطرة المعارضة حالياً. وتهدد هذه العملية بفقدان المدن الكبرى المتبقية في المحافظة وهما اريحا وجسر الشغور. ومع تلك العملية لن تكتفي روسيا والنظام بهذا بل سيندفعان من أجل البحث عن نصر سياسي كبير يتوج في السيطرة على مدينة إدلب باعتبارها مركز المحافظة.
السيناريو الثالث هو فتح طريق “إم 5” وتنظيف الجيوب القريبة منه بهدف تشغيله، والجيوب المتوقعة هي: المنطقة الممتدة بين عندان في ريف حلب الشمالي وصولاً إلى الأتارب في ريف حلب الغربي بهدف تأمين مدينة حلب وإبعاد القذائف الصاروخية التي تطلقها فصائل المعارضة عن مدينة حلب، وفتح الطريق بين حلب ونبل والزهراء والمقطوع في حيان وحريتان وعندان. وبالطبع فإن الفوعة وكفريا يعتبران هدفاً إيرانيا ملحاً إذ تأتي السيطرة عليهما في سياق الرغبة الروسية بإعادة السيطرة على مطار الحوامات بالقرب من تفتناز. ويدلل حجم المشاركة الإيرانية وأعداد قتلى الميليشيات على أن هدف إيران من تلك المعركة يلخص بهدفين، فتح طريق نبل والزهراء واستعادة السيطرة على الفوعة وكفريا ومنع تكرار ما حصل في عام 2015 عندما قطع جيش الفتح اتصالهما بمدينة إدلب ما يعني أن العمليات العسكرية ستتوسع في جوارهما بهدف تأمين البلدتين.
تصعيد روسي تركي
أسقطت الجبهة الوطنية للتحرير طائرتين مروحيتين خلال هذا الأسبوع الأولى بالقرب من بلدة النيرب وترافقت مع هجوم الفصائل على البلدة بهدف طرد قوات النظام منها، وأخرى تلت سقوط الفوج 46 وبدء النظام التمهيد من الجهة الشمالية لجيب عندان – حريتان. ويأتي الاستهداف هذا ليمنع توسيع العملية البرية التي تقودها موسكو. إن إسقاط الطائرة الثانية بمثابة فرض حظر للطيران العمودي فوق منطقة إدلب الذي يلقي البراميل المتفجرة على المدن والأحياء في حين يستثني الطيران الحربي للروس والنظام حتى اللحظة. وتتخذ تركيا أشد الاحتياطات لمنع حصول أي خطأ يوتر العلاقة بين أنقرة وموسكو على غرار ما جرى إثر إسقاط الطيران التركي قاذفة سوخوي روسية نهاية عام 2015.
وانتقدت وزارة الدفاع الروسية التصريحات التركية ووصفتها “بأنها غير مسؤولة ومن شأنها التسبب في تصعيد الوضع بإدلب واتخاذ قرارات متسرعة”. ونفى مركز المصالحة الروسية في حميميم، الجمعة، ما نقل على لسان مسؤولين أتراك حول مقتل 63 جنديا تابعين للنظام. ووصف المركز في بيان له أن “مثل هذه التصريحات حول قصف القوات الحكومية السورية من قبل وحدات من القوات المسلحة التركية وسقوط جنود سوريين نتيجة لذلك لا أساس له من الصحة” حسب وكالة سبوتنيك الرسمية. وحمل البيان الدفاع التركية مسؤولية “تقديم معلومات كاذبة لقيادة البلاد حول الوضع في منطقة خفض التصعيد في إدلب”.
وتحاول أنقرة الضغط على روسيا لوقف العملية العسكرية من خلال تحميل الهجوم إلى النظام السوري وحده وعدم انتقاد القصف الجوي الروسي الذي غير ميزان القوى على الأرض عملياً. وتحاول فرض وقف العملية العسكرية من خلال الدفع بمزيد من القوات البرية والمدرعات. كما تحاول أنقرة رسم حدود “المنطقة الآمنة “التي ترغب بإنشائها وهو ما يفسر انتشار أغلب القوات التركية داخل زاوية تقاطع طريقي “إم 5″مع “إم 4”.
في المقابل فإنه من غير المستغرب استكمال روسيا عملية برية حسب السيناريوهات أعلاه بدون الصدام مع الجيش التركي وهو ما تم اختباره سابقا في كل نقاط المراقبة المحاصرة أو النقاط الصغيرة المحدثة على طريق حلب – دمشق ” إم 5″. ورغم أن انتشار آلاف الجنود الأتراك سيعيق التقدم قليلا وسيوتر العلاقة مع روسيا إلا أن موسكو في نهاية المطاف ستتمكن من تحقيق السيطرة على إدلب بطرق شتى بدون صدام مباشر، كما هو الحال في تطبيق سيناريو الوصول إلى باب الهوى ومحاصرة كامل محافظة إدلب.
يراهن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على حركة من نظيره الروسي فلاديمير بوتين تقود إلى تهدئة التوتر بين الجانبين في سوريا وتحدّ من تقدم القوات المشتركة الروسية السورية على الجبهة، ما يعطي فرصة للرئيس التركي كي يستردّ أنفاسه ويحفظ ماء الوجه بعد أن أظهرت تصريحاته الأخيرة أنه عاجز عن التأثير ميدانيا، وأن أنقرة بلا أوراق في مواجهة النفوذ الروسي المتعاظم في سوريا.