يرضى النظام باستعادة مركز محافظة إدلب لما لذلك من رمزية، والسيطرة على تلك المناطق تعني سقوط جبل الزاوية وانسحاب مقاتلي الفصائل تفادياً للحصار.
أعلنت روسيا تعليق الدوريات المشتركة على الطريق السريع/M4، متذرعة باستمرار من وصفتهم بالراديكاليين في إدلب، مقاومة تنفيذ الجيشين الروسي والتركي للبرتوكول الإضافي المؤرخ في 5 آذار (مارس) من هذا العام. واتهمت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا في إحاطتها، الخميس، فصائل المعارضة انهم كثفوا “قصفهم للقوات الحكومية والبلدات والقرى المجاورة واستمروا في استفزازاتهم في الممر الأمني على طول الطريق السريع/M4” وأشارت إلى أن “محاولات مهاجمة قاعدة حميميم الجوية الروسية تثير قلقاً خاصاً”. ولفتت أنه “تم صد هجوم آخر باستخدام ثلاث طائرات بدون طيار في 10 آب (أغسطس)”. وختمت أنه “لا يمكن تحقيق استقرار قوي في منطقة خفض التصعيد في إدلب إلا بعد تحييد بؤرة الإرهاب هناك”.
ورغم تعليق عمل الدوريات المشتركة، أكدت زاخاروفا أن روسيا تنظر إلى الوضع العام في البلاد على أنه “مستقر والتوترات لا تزال قائمة” في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري.
وتسعى الدبلوماسية الروسية من خلال تصريح زاخاروفا إلى تحميل مسؤولية إيقاف الدوريات المشتركة إلى تصعيد الفصائل الراديكالية وخرقها اتفاق موسكو، وتشير إلى رضاها عن العلاقة الروسية التركية، والتي ثمنتها في شهر تموز (يوليو).
ويتطابق كلام المتحدثة الرسمية باسم الدبلوماسية الروسية مع الكلام الذي كررته مرارا حول اتفاق سوتشي، الذي اعتبرت فيه أن موسكو تنطلق من حقيقة أن “الأمن المستدام في إدلب مرهون بشرط نجاح وحيد، هو فصل المعارضة المعتدلة عن الراديكاليين. ولا يمكن تحقيقه إلا من خلال تحييدهم” أي القضاء عليهم، ما يعني أن النية الروسية للحل في إدلب هو الحسم العسكري فقط.
وكانت روسيا أوقفت عمل الدوريات المشتركة المنتظمة بشكل أسبوعي بعد الدورية رقم 22 التي سيرت في 22 تموز (يوليو). وعادت وسيرت الدورية رقم 23 يوم الأربعاء 12 آب (أغسطس) والتي أتمت طريقها بدون اعتراض أو استهداف من الفصائل المناهضة للاتفاق وعلى رأسها تنظيم “حراس الدين”. وانطلقت الدورية من بلدة الترنبة شرقي إدلب ووصلت إلى عين حور شرقي محافظة إدلب. وسلكت الدورية المشتركة طريق الذهاب، وتوجهت الشرطة العسكرية الروسية باتجاه اللاذقية بدون العودة إلى الترنبة، المكان الذي انطلقت منه، وهي العادة التي اتبعها الروس منذ وصول الدوريات إلى عين حور حيث يفضلون عدم العودة ويقتصر عمل الدورية على طريق الذهاب دون عودة على طريق/M4.
ويدخل التصعيد الواسع في إدلب يومه العشرين، والذي بدأ دون توقف في 28 تموز (يوليو) وهدأ نسبيا بالتزامن مع تسيير الدورية الروسية المشتركة، قبل أيام، لكنه حدته عادت وارتفعت وتحول إلى قصف متبادل بين الطرفين. واستهداف عربات ودبابات للطرفين على خطوط الجبهة شرقي جبل الزاوية، إضافة إلى اشتعال جبهة تل الراقم والحدادة في جبل الأكراد أقصى شرق اللاذقية، ومحاولات قوات النظام التقدم هناك وأحراز خرق في الجبهة التي تتواجد بها القوات التركية، وهو ما نبه قيادة العمليات العسكرية التركية في سوريا إلى ضعف خاصرة اللاذقية بشكل كبير، بسبب تركيز الاهتمام التركي على منطقة جنوب جبل الزاوية وريف حلب الغربي، فأنشأ الجيش التركي النقطة 66 له في منطقة خفض التصعيد الرابعة (إدلب وما حولها). ومن المتوقع أن تتوجه تركيا إلى إحداث نقاط عسكرية جديدة في اللاذقية وسهل الغاب الشمالي، وهما أقل المناطق انتشارا للقوات التركية التي كثفت تعزيزاتها في إدلب ابتداء من مطلع كانون الثاني (يناير) وبلغ ذروته منتصف شباط (فبراير) الماضيين.
محور الهجوم
التحركات العسكرية لقوات النظام والميليشيات الإيرانية وعلى رأسها حزب الله، ترجح سيناريو بدء الهجوم البري انطلاقا من محور سراقب-الطلحية شرقي تفتناز باتجاه الفوعة بنش والفوعة وسرمين والنيرب وصولا إلى مدينة إدلب مركز المحافظة، وتجنب الخوض في معركة ستكون اكثر كلفة على قوات النظام والميليشيات الإيرانية في جبل الزاوية.
اتبعت قوات النظام والميليشيات الروسية والإيرانية تكتيك حصار شطر القطاعات عن بعضها في غوطة دمشق الشرقية عندما فصلت دوما وحرستا والقطاع الأوسط عن بعضهما، وحصار القطاعات والجيوب الكبيرة كما فعلت صيف 2019 في الالتفاف على جيب اللطامنة الكبير. وكررت هذا السيناريو في معركتي سراقب ومعرة النعمان في شهر شباط (فبراير) الماضي، عندما تجنبت دخول معرة النعمان مباشرة وفضلت حصارها بالتقدم من محورها الجنوبي باتجاه كفر روما وحاس وقطع طريق الإمداد الوحيد الواصل إلى كفرنبل، بعد السيطرة على طريق حلب-دمشق/M5 والتقدم في القرى الواقعة شمال المدينة. وفعلت هذا بالالتفاف على سراقب من الشمال والجنوب، وحقق مرتزقة فاغنر وقوات الرضوان (نخبة حزب الله) خرقا في التسلل الليلي على الأحياء الجنوبية للمدينة، فأُجبر المقاتلين على الخروج من طريق زراعي ضيق تفضيلا على الحصار.
ويرضي سيناريو الهجوم على مدينة إدلب الأطراف الثلاثة المهاجمة ويحقق أهدافهم الآنية. فإيران تسعى لاستعادة السيطرة على الفوعة وكفريا وإعادة أهلها المهجرين في اتفاق المدن الأربع والتي نصت على إخراج المدنيين والمسلحين من الفوعة وكفريا ومضايا والزبداني في نيسان (أبريل) 2017.
ويرضى النظام في استعادة مركز محافظة إدلب، لما لذلك من رمزية سياسيا وعسكريا بالنسبة له، والسيطرة على تلك المناطق تعني بالضرورة سقوط جبل الزاوية كتحصيل حاصل، لأن مقاتلي الفصائل سينسحبون من الجبل حتى لا يقعوا في حصار مطبق يعني في نهاية المطاف مقتلهم جميعاً. فيما تحقق روسيا هدف المعلن الحالي وهو استعادة فتح طريقي الترانزيت M4 وM5.
ربما يكون هذا السيناريو هو الأكثر ترجيحا، في حال القياس والمقارنة بشكل سير العمليات التي يقودها الروس على الراض منذ عام 2015 والذي يتمثل بحصار المدن من أجل كسر إرادتها وإجبارها على الاستسلام، والذي بدأ في حلب أكبر المدن السورية التي كانت تسيطر المعارضة على قسمها الشرقي. تفضل القوات المهاجمة أن تتقدم من الجبهة الرخوة ذات التعزيزات الهندسية الضعيفة، بطبيعة الحال، في حال استطاعت، وألا تحشد قوتها وتركزها في جبهة واحدة، في نهاية الأمر إن إحراز خرق ما في أي جبهة، سيؤدي إلى انهيار القطاع كاملا وستتقدم قوات النظام والميليشيات.