قتل القيادي العسكري والأمني في قوات سوريا الديمقراطية “قسد” شيروان حسن المعروف باسمه الحركي (روني ولات) بتفجير عبوة بسيارته الخاصة بعد دقائق من انتهاء اجتماع له في القاعدة العسكرية الأمريكية في حقل العمر النفطي شرق دير الزور بسوريا.
ورغم عدم كشف ملابسات الحادث من قبل قوات الأمن الداخلي “أسايش” التابعة لـ”قسد” وتجنب التحالف الدولي التعليق على مقتل القيادي البارز إلا أن الترجيحات تشير إلى أن الاختراق الأمني لموكب السيارات المرافقة قد حصل داخل القاعدة الأمريكية، حيث يضم الحقل إلى جانب قوات التحالف سرايا حراسة تتبع إلى “قسد” بينها سرية من سرايا مجلس دير الزور العسكري.
ويعتبر روني هو القيادي المتحكم الرئيسي بمجلس دير الزور العسكري، وصاحب فكرة إعادة هيكلة المجلس وتقسيمه إلى ثلاثة مجالس حسب القطاعات، وهو خلف عزل العقيد أحمد الخبيل أبو خولة من قيادة المجلس واعتقاله مع عدد من قادة الصف الأول الموالين له. وفي تسجيلات صوتية سابقة حصلت عليها “القدس العربي” ونشرت محتواها، وصف أبو خولة روني بانه “المندوب السامي” المعين على دير الزور.
وشيعت “قوات الكوماندس” و “قوات مكافحة الإرهاب” لدى “أسايش” تشييعا عسكريا كبيرا في دير الزور، وحضر القيادي في مجلس قسد العسكري، لقمان خليل الذي وصف روني خلال كلمته بأنه “شهيد وحدة الشعوب”. كما حضر التشييع عدد كبير من قادة المجلس العرب والوجهاء العشائريون، منهم القيادي في مجلس دير الزور العسكري، أبو ليث خشّام وقائد مجلس الشدادي العسكري صايل الزوبع إضافة إلى الوجيهين فيصل النجرس وفتحي العطيش من قبيلة العكيدات ويعرف عن الأخير أنه أكثر الوجهاء قربا من ولات. وفي كلمات التشييع شدد الخشام على دور ولات في استقرار المنطقة والقضاء على تنظيم “الدولة الإسلامية”. وفي السياق، ألقى الزوبع كلمة أشار فيها إلى صفات ولات وحسن قيادته.
إلى ذلك، أكد العطيش في كلمة له في التشييع “على وقوف القبائل والعشائر في دير الزور صفّاً واحداً مع قوّات سوريّا الدّيمقراطيّة”. ولفت النجرس إلى سعي القتيل إلى “التواصل المستمر مع زعماء ووجهاء العشائر والحفاظ على اللُّحمة المجتمعية”.
والجدير بالذكر، أن ولات هو قيادي عسكري وعضو قديم في حزب العمال الكردستاني ويعتبر من أبرز القادة السوريين في “قسد” بعد مظلوم عبدي وينحدر من مدينة القامشلي وهو من مواليد عام 1979 وكان من أوائل مؤسسي “وحدات حماية الشعب” الكردية نهاية عام 2011 وهي الذراع العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي. واللافت تغيب روني ولات عن اجتماع المجلس العسكري لقوات سوريا الديمقراطية والذي انعقد في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي حيث أظهر شريط مصور نشرته “قسد” على موقعها الرسمي يظهر كل القادة في مجلس دير الزور العسكري ومجلس القيادة باستثناء ولات.
إيران المستفيدة من الاغتيال
حول المستفيد من اغتيال روني ولات، قال المحلل العسكري عبد الناصر العايد في اتصال مع “القدس العربي” إن المستفيد من الاغتيال هي إيران بطبيعة الحال وتوقع أن تكون الخلايا الكردية التابعة لإيران ضمن “قسد” هي التي قامت بالاغتيال، ورجح أن يكون الحرس الثوري “مخترقا للقاعدة الأمريكية” في حقل العمر وزاد “علينا أن نراقب استهداف القوات الأمريكية بنفس الطريقة”.
وكانت خطط وترتيبات روني ولات الأخيرة تعيق التغلغل الإيراني في منطقة شرق الفرات حيث بدأت الميليشيات الإيرانية تتسلل ضمن الانتفاضة العشائرية مستغلة صلاة الدم والقرابة.
وتشهد منطقة النفوذ الأمريكي وسيطرة “قسد” استهدافات متكررة من قبل أطراف عدة أبرزها تركيا، حيث يستهدف الطيران المسير قادة أمنيين وعسكرين في “قسد”.
وتبقى الفوضى الحاصلة في شرق دير الزور هي الأخطر على القوات الأمريكية على اعتبار أنها تسنزف شريكها المحلي الأساسي الممثل بالمقاتلين الأكراد، إذ يتعرض المقاتلون الكرد وتابعوهم العرب إلى هجمات متكررة تحت مسمى جيش العشائر وهو مظلة غير واضحة المعالم ولا يجمعها سوى القتال ضد قيادة الشيخ ابراهيم الهفل شيخ قبيلة العكيدات المتواجد في مناطق سيطرة النظام السوري في دير الزور.
ويزيد سرير نهر الفرات الطويل من مشقة عملية ضبطه ومراقبته من قبل المسيرات الأمريكية التي تمنع حركة وتنقل المقاتلين المدعومين من إيران إلى الضفة الشرقية للنهر، كما تراجعت مقدرة “قسد” على منع عمليات التهريب والتسلل بعد الانتفاضة العشائرية ضدها عقب اعتقال قائد مجلس دير الزور العسكري، العقيد أحمد الخبيل الملقب أبو خولة. حيث زادت الثغرات الأمنية بين ضفتي النهر وأصبح من شبه المستحيل ضبطه بشكل كامل، ويزيد في الفوضى الأمنية عدم مقدرة “قسد” على تشكيل مجلس عسكري جديد أو إعادة هيكلة المجلس القديم الذي ظل بلا قائد بعد اعتقال الخبيل.
وتتعرض دوريات الأفراد وعناصر “قسد” إلى هجمات شبه يومية من قبل مسلحين مجهولين يرجح انتمائهم إلى مقاتلي العشائر، حيث يسهل التنقل بالدراجات النارية استهداف دوريات والعربات التي تقل جنود “قسد” حيث يفتح أحد راكبي الدراجة رشاش بندقيته ويلوذ بالفرار، مع استحالة معرفته أو مطاردته.
وفي الأسبوع الماضي رصدت “القدس العربي” ثلاثة استهدافات في قرية بريهة ومحيطها ضد عناصر تتبع “قسد” وأجهزتها الأمنية. ولا تقتصر الفوضى على منطقة شرق دير الزور بل وصلت إلى منبج والطبقة، حيث قُتل القيادي في مجلس منبج العسكري التابع لـ”قسد” محمد حوران، وجرى استهدافه بعبوة ناسفة مزروعة قرب ما يعرف بدوار الشمسية في مدينة منبج، وينحدر القتيل من قرية قوملق. وقُتل عنصر من “قسد” بمدينة الطبقة قرب سد الفرات دون معرفة سبب مقتله.
وتتواصل الاحتجاجات في منبج بسبب اعتقال العشرات من الشباب وسوقهم إلى التجنيد العسكري الإجباري الذي تسميه “قسد” واجب الدفاع الذاتي، وتترافق عمليات الاعتقال مع سوء الأوضاع الاقتصادية، إذ تعتمد الأسر في منبج على شبابها في العمل اليومي، وأغلب أسر الشبان المساقين إلى التجنيد الإجباري ليس لديها معيل، حسب ما أفاد ناشط محلي في منبج لـ”القدس العربي”.
وتسود بلدة الكبر شمال دير الزور حالة توتر شديدة بسب أزمة عمال الأنفاق التي نشبت بين عمال حفر الانفاق لدى “قسد” والذين رفضوا العمل في أنفاق وخنادق تبين انها مهددة بالانهيار، وتقع الأنفاق بالقرب من خطوط التماس بين مناطق سيطرة الجيش الوطني و”قسد” شرقي مدينة رأس العين بريف محافظة الحسكة الغربي، فقامت “قسد” باعتقال عدد كبير منهم بحجة سوقهم إلى التجنيد الإجباري في الإدارة الذاتية.
مما لاشك فيه أن عملية اغتيال روني ولات ستغير واقع التعاطي الأمني لـ”قسد” في منطقة شرق الفرات بشكل كامل، وسينعكس سلبا على بنية المكونات العربية في “قسد” وتحديدا في وجه قادة مجلس دير الزور العسكري الحاليين. إلا أن التحدي الكبير الحاصل وتسرب خلايا الميليشيات الموالية للحرس الثوري الإيراني من المحتمل أن يدفع لاختيار قائد عسكري رئيسا للمجلس لحل مشكلة المنطقة وتخفيف الاحتقان العربي الكردي هناك، ولملمة الخلافات العشائرية والانقسامات. وفي ذات الوقت فإن التجربة الممتدة لسنوات تشير إلى أن قيادة “قسد” غير مستعدة مطلقا لبناء شراكة عادلة مع مجلس دير الزور العسكري تتيح لقيادة الأخير اتخاذ قرارات محلية بعيدا عن التدخل كما كان يحصل في زمن روني ولات “المندوب الكردي السامي” لدير الزور.