سوريا مقابل سوريا

حجم الخط
0

في نهاية المطاف وبعد جهود الاقناع الكبيرة التي بذلها الاخضر الابراهيمي، الوسيط الجزائري العظيم الخبرة والعلاقات، وافق الوفدان السوريان على الاجتماع في الغرفة نفسها في جنيف. لو طُلب إلي أن أحزر كيف نجح لراهنت أنه استعمل السابقة الاسرائيلية حيث نزل وفد سوري ووفد اسرائيلي في الفندق نفسه في اسطنبول. وقد أصروا آنذاك لا على غرف متباعدة فقط بل على طوابق منفصل بعضها عن بعض كي لا يوجد ‘احتكاك بالعدو’ وكي لا ‘يُحرق’ الوفد السوري في طريقه الى الوطن. جئتم، قال الوسيط موبخا، من المكان نفسه والشعب نفسه، ففكروا كيف سيبدو الامر اذا اضطررتموني الى أن أدير دبلوماسية تنقل بين الوفدين.
يجب الاحتراس في هذا الاسبوع من ألا تتطاير الاطباق. وستكون معجزة كبيرة اذا لم يشتموا واذا ضبطوا نفوسهم كي لا تُسرب الاخبار. ولا توجد أوهام عند أحد وهنا لا يصنعون سلاما ولن يوقفوا المجزرة الفظيعة في سوريا.
ففيم سيتحادثون؟ يتجه الابراهيمي الى ‘خطوات بناء ثقة’: الافراج عن أسرى في المرحلة الاولى آلاف طُرحوا في السجون ومئات اختطفهم المتمردون في داخل سوريا. وحتى هذا الاجراء ليس سهلا فلا أحد يستطيع أن يقول بصدق كم بقوا أحياء حقا بعد التعذيب. وماذا ايضا؟ فتح ممرات لمساعدة انسانية لسكان حلب وحمص. لا يأتي أحد ولا يخرج أحد من المدينتين المحاصرتين اللتين ترجوان قوافل الغذاء والدواء والتدفئة وفتح المؤسسات الدراسية.
سيغطي الغرفة ظل قاتم، فأي وفدين سيقوم أولا لتفجير المحادثات. لقد جرب الطرفان التهديد، وتوسط الوسيط وهم لا يهربون الى الآن الى أي مكان. من المهم أن ننتبه الى أن الوفد الروسي كان أول طائر من جنيف. فماذا يعني هذا؟ يعني أن الوسيط لن يستطيع أن يُجند ضغوطا يستعملها المدافعون عن الرئيس على الوفد الرسمي. وماذا ايضا؟ إن المعسكرين يعرفان البرنامج الزمني: ففي حزيران يتجهون الى انتخاب رئيس سوريا القادم. ومن الصعب حتى في أكثر الخيالات هوجا أن يتم التفكير في منافسين لبشار. فاذا بقي فسيفوز.
وهكذا سيجلس خبيرا قانون من سوريا في بدلتين أنيقتين، يفصل بينهما 140 ألف قتيل و6 ملايين لاجيء وأحياء مدمرة حتى الأساس. إن القوتين غير المتكافئتين: فهناك وليد المعلم من دمشق ابن الثالثة والسبعين ووزير خارجية بشار وهو ابن عائلة ثرية حظي بالوظائف الأكثر اشتهاءا لها في العالم؛ وفي مقابله أحمد الجربا من القامشلي ابن الرابعة والاربعين وهو الرئيس (الخامس) لمنظمات المعارضة التي تحظى بعطف دولي لكن وزنها في ميدان المعارك أخذ يضعف.
مكث الجربا ثلاث مرات في سجون سوريا وتم اختطافه وعُذب ونجح في الفرار الى تركيا. يجوز له أن يطلب انشاء حكومة ائتلافية لكنه لن يتجرأ هو ورفاقه على دخول سوريا. من يمثلون؟ ليست المؤسسة وحدها هي التي فقدت الشرعية، فقد تخلت منظمات المعارضة عن صلتها بالمتمردين على الارض وهم غير قادرين وربما فقدوا الرغبة في القيام من المقاعد الوثيرة وادارة الحرب. إن الجربا يبدو مثل مقاول اعمال تعلم أن يسافر جوا في العالم في قسم الاعمال.
إن الوسيط سيُدبر أمر الوفدين مسلحا بأعصاب من الحديد في الغرفة المغلقة ويُداور بين خرائط طرق ستهبط من بعيد. فهناك الأسرة المالكة السعودية في مواجهة ايران، وموسكو في مواجهة واشنطن التي لم تقرر الى الآن ما الذي تريده حقا في سوريا. وقد قتل 150 انسانا منذ بدأت المحادثات. وفي نهاية الاسبوع صفوا الحساب مع مقدم برنامج قناة ‘الجزيرة’ فيصل القاسم الذي عرف كيف يختفي من سوريا في الوقت المناسب. فقد اقتحم شبيحة النظام بيتيه وأفرغوهما من الممتلكات وعلقوا العلم الوطني وبثوا ذلك في التلفاز الرسمي كي يعلموا ما الذي ينتظر كل من يصر على دعم الطرف غير الصحيح.

يديعوت 26/1/2014

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية