سوريا: 10 سنوات هزّت العالم!

حجم الخط
19

حصلت، منذ انطلاقة الثورة السورية في 15 آذار/مارس 2011 وحتى الآن، تغيّرات سياسية عربية كثيرة على مستوى القمة، منها، خروج رؤساء عرب عديدين من الحكم، عبر الخلع أو الإقالة أو الانتخاب أو القتل. تغيّر ثلاثة رؤساء أمريكيين (بينهم أوباما الذي حكم لولايتين) وانتخاب رئيس فرنسي جديد، وتغير عدة رؤساء حكومات بريطانيين، كما حصلت تقلّبات سياسية كبيرة في البلدان الغربية، وكذلك في دول كبرى، جغرافيا أو اقتصاديا أو سياسيا، كالهند واليابان وتركيا والسعودية وغيرها.
استمرّ، في المقابل، رئيس النظام السوري بشار الأسد، وهو وارث أبيه حافظ الأسد (الذي حكم سوريا منذ عام 1970) رئيسا رغم أن حكمه تسبّب في إحدى أكبر كوارث القرن الواحد والعشرين، أدخل بلاده في هوّة فاغرة سوداء، ووضع مواطنيه في خانة أبأس شعوب الأرض، وكان المسؤول الرئيسي في مقتل مئات آلاف البشر، وعذاب باقي مواطنيه، سواء الذين هجّروا ولجأوا إلى دول الجوار وأوروبا وحتى أقاصي العالم، أو الذين بقوا تحت حكمه، فأصبح، كما تسميه صحيفة «لوموند» الفرنسية: «ملكا على كومة من الأنقاض».
اقتضى «الاستمرار رئيسا» تحت شعار «الأسد أو نحرق البلد» ليس إحراق البلد وصب الحمم بأنواعها على مواطنيه، بل تحويل الرئيس إلى مسؤول ميليشيا ضمن قوى أكبر منه وتتحكّم في قراراته، كما هو الحال مع روسيا وإيران، أو تقتطع الجزء الأكثر غنى وموارد في البلاد، كما هو الحال مع قوات «التحالف» الأمريكية وحلفائها في حزب العمال الكردستاني (تحت المسمى الفكاهيّ «قوات سوريا الديمقراطية») أو تتسلّى بقصفه وشن الغارات الجوية والبحرية ضده من دون حساب، كما هو الحال مع إسرائيل، أما في المناطق الخارجة عن حكمه فتسيطر قوات مدعومة من تركيا أو تنظيمات جهادية متطرّفة، بحيث تكاد تتلاشى ذكريات الثورة السلمية السورية التي تم خنقها، عبر القمع المكثّف، ثم عبر التجاهل الدوليّ الممنهج الذي اكتفى بعقوبات على النظام لكنّه قرّر أن حربه الرئيسية هي مع إحدى منتجاته: تنظيم «الدولة الإسلامية».
أدت التداعيات المتصاعدة وحشية بغرض وأد الثورة أيضا لأن يحاول أكثر من نصف الشعب السوري النجاة بأرواحهم، وانتهى الأمر بالقسم الأكبر منهم بالسكن في مخيّمات بائسة في لبنان والأردن وعلى حدود سوريا مع إغلاق تركيا، التي استقبلت العدد الأكبر من اللاجئين لحدودها.
بفضل سياسة «الأسد أو نحرق البلد» فقد الأسد ونظامه السيادة الفعلية على البلاد التي صارت مسيطرا عليها من دول متصارعة، وتحوّلت المسألة السورية إلى قضيّة سياسية متفجرة في البلدان المجاورة، وبشكل خاص في لبنان، التي تعرّض ميناؤها لتفجير هائل تكشّفت أصابع للنظام السوري فيه، وكذلك في تركيا المسؤولة عن ملايين اللاجئين والداعمة لأطراف عسكرية داخل سوريا، والقلقة من سيطرة حزب العمال الكردستاني على أجزاء واسعة منها، وعلى روسيا التي صارت راعية النظام، وإيران التي تعتبر وجودها العسكري مهما لمشروعها الامبراطوري، ولإسرائيل التي تناهض طهران، وللعراق الذي تشارك ميليشياته في الحرب داخل سوريا.
مع فيض اللاجئين السوريين نحو أوروبا، وانضمام لاجئين آخرين من «الشرق الأوسط» وأفغانستان وغيرها، تحوّلت «المسألة السورية» إلى قضيّة عالميّة ساهمت، مع استثمار اليمين العنصريّ في أوروبا فيها، في تدعيم تيّارات عنصرية وفاشية معادية للاجئين وللإسلام، كما حصل مع صعود حزب «البديل من أجل ألمانيا» و«الجبهة الوطنية» في فرنسا، وحزب «الشعب» الدنماركي، وحزب «الحرية» النمساوي، و«رابطة الشمال» الإيطالي و«الاتحاد المدني» الهنغاري وغيرها.
كان لافتا، في هذا السياق، أن أشكال الدعاية التي استخدمها التيار المناهض لأوروبا في بريطانيا (والذي تمكن بعد استفتاء عام 2016 من وضع طريق بلاده نحو الانفصال عن الاتحاد الأوروبي) خريطة تظهر أن للاتحاد الأوروبي حدودا مع تركيا، وبالتالي مع سوريا، وكانت خطابات زعماء هذا التيار، بمن فيهم رئيس الوزراء الحالي بوريس جونسون، تشير صراحة إلى هذا الأمر، باعتبار أن محاذاة حدود سوريا خطر محدق بأوروبا.
لقد أصبحت سوريا، بفضل خيار القمع الوحشيّ لثورة شعبها، إلى «بعبع» يخيف العالم، ولبلد رازح تحت الاحتلالات والعقوبات، ولأمثولة سياسية كبرى عن تخلّي العالم عن شعب طالب بالحرية.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    الشرق والغرب مع المجرم بشار!
    كما الشرق والغرب ضد الإسلام!! ولا حول ولا قوة الا بالله

    1. يقول علي البحار:

      اصبت
      هذا هو بيت القصيد . خوف الشرق والغرب من الاسلام. وصول اي تنضيم اوحزب ذو مرجعية اسلامية للحكم يرعبهم

  2. يقول إبسا الشيخ:

    تحياتي لقدسنا العزيزة علينا
    ليست عندي إضافة، وأقتبس مما جآء في آخر سطر المقال لقد أصبحت سوريا بفضل خيار القمع الوحشي لثورة شعبها إلى بعبع يخيف العالم

  3. يقول أحمد سالم:

    استراتيجية كوندوليزا رايس للشرق الأوسط وشمال إفريقيا بعد غزو العراق للعقود القادمة ‘الفوضى الخلاقة’ قد أتت بثمارها و أسهمت في إشعال الحروب و الحرائق تحت السيطرة لأشغال المنطقة العربية عن قضايا التنمية والديموقراطية ومقاومة الاحتلال.
    الأنظمة العربية الاستبدادية كان لها وما زال الدور الرئيسي في الحفاظ على الهيمنة الامريكية والتفوق الاسرائيلي. فبعد الدعم العربي للحرب العراقية الأولى والثانية وحصار العراق والحرب السورية وليبيا واليمن وتدمير النسيج الاجتماعي لتلك الدول والتدخل الدولي المباشر وانهاء المقاومة الفلسطينية، يبدو ان المستفيد الأكبر كما تم هندستها على المدى الطويل في البيت الابيض هي اسرائيل المستفيد الاكبر اقتصاديا وسياسيا. الكوارث العربية هي ليست صدفة او قدر محتوم بل نتيجة للسياسات الاستراتيجية العسكرية الامريكية والاسرائيلية والقوى الإقليمية للمنطقة. الشعوب العربية مازالت يتم تركيعها بالقوة. التغيير الجذري هو مرتبط بمدى قابلية الشعوب التأقلم مع الفوضى الخلاقة والاستبدادي العربي الذي صار اكثر الأنظمة
    فتكًا بالبشر على الإطلاق.

    1. يقول علي البحار:

      اصبت

  4. يقول آصال أبسال:

    كما كتبتُ قبل سويعات تعقيبا على مقال عبد الباسط سيدا،
    /حتى الآن لا يبدو في الأفق أي مؤشر يوحي بإمكانية الوصول إلى حل واقعي ممكن للموضوع السوري. فلا اللجنة الدستورية وصلت، أو ستصل، إلى شيء؛ ولا المجلس العسكري سيكون هو الحل/..
    هذا هو بيت القصيد بالنسبة للمشهد السوري المظلم، حقيقةً.. كيف يتم التوصل إلى هكذا حل والشمال الشرقي تحت سيطرة ميلشيات الأكراد (ما يُسمَّى عبثيا «قسد»، في الأغلب) وبدعم أمريكي، والشمال الغربي تحت سيطرة فصائل تحرير الشام (أو «النصرة»، سابقا) وبدعم تركي، والوسط الشاسع من البادية السورية ما زالت تنتشر فيه خلايا داعش وبدعم من قوى الثورة المضادة الجلية والخفية (من الخليج بالدرجة الأولى).. ؟؟ والأنكى من ذلك كله أن النظام الأسدي الفاشي ما زال يعتبر نفسه “منتصرا” بسيطرته على معظم ما تبقى مما يدعونه للمفارقة العجيبة بـ«سوريا المفيدة»، والمجرم بشار محتار الآن بين لعق الحذاء الروسي أولا وبين لعق الحذاء الإيراني ثانيا، فقط من أجل استمرار دعمهما له كــ”رئيس منتصر” لهذه الـ«سوريا المفيدة».. !!

    1. يقول خالد الربيعي - العراق:

      تحية للأخت الكريمة آصال أبسال ؛ للأسف صار بين العرب تنافس حتى على احتكار المآسي : سوريا الآن تقع تحت خمسة احتلالات رئيسية على الأقل (ما عدا الاحتلالات المستترة هنا وهناك ) ، ومع ذلك ما زال الواهمون يتكلمون عن فلسطين التي تقع تحت احتلال واحد فقط على أنها (قضية العرب المركزية) ؛ ولله في خلقه شؤون !!!؟؟

    2. يقول آصال أبسال:

      شكرًا على الرد أخ خالد الربيعي.. لكن هذه الـ«سوريا المفيدة» التي اهتم بها المحور الروسي-الإيراني الداعم للنظام الأسدي الفاشي ستغدو عاجلا أو آجلا «سوريا المضرة» لمستقبل نفوذ هذا المحور في المنطقة (وخاصة بعد الفخ الذي نصبته له أمريكا فبات عاجزا عن مواجهة قانون «قيصر»،وصار أمام «سوريا المفيدة سياسيا» مقابل يمكن أن يُسمَّى بـ«سوريا المفيدة اقتصاديا» تسيطر عليها كل من أمريكا وتركيا بالدرجة الأولى مستحوذتين على أكثر من ثلثي الثروة الوطنية – حقول النفط والغاز إضافة إلى حقول القمح في الفرات والشمال الشرقي، وحقول الزيتون والفاكهة والخضار في إدلب والشمال الغربي).. كل هذا جعل، وما زال يجعل، النظام الأسدي الفاشي عاجزا اقتصاديا، ويفرض عليه بالتالي حتى اللجوء إلى الأسواق الخارجية من أجل تغطية حاجته من الطاقة والحنطة، على أدنى تقدير.. !!

  5. يقول الجزائري:

    من أهم أسباب عدم نجاح “الثورة السورية” هو عدم مشاركة جميع الشعب فيها لان جزءا مهما منه كان يؤيد الرئيس بشار الأسد و أيضا لأن أكثر قيادات الثورة مجرد مرتزقة للأتراك و دول الخليج مما ينفي عنهم صفة القيادة.

  6. يقول ع.خ.ا.حسن:

    بسم الله الرحمن الرحيم رأي القدس اليوم عنوانه سوريا: 10 سنوات هزّت العالم!
    زعران الأسد يتمسكون به ويعضون عليه بالنواجذ ،وبخلاف ذلك فإنهم سيحرقون البلد. وقد فازوا بالحسنيين فاستبقوا الأسد بهمة اراذل الأرض وحرقوا البلد ،ومن النادر ان يحصل مجموعة من الناس على مثل هذين المطلبين في آن معا. ولكن داعمي الأسد تكاتفوا وصمموا على نجدة الأسد عندما أوشك على السقوط . ومَن أكثر نخوة من بني صهيون لنجدة عميلهم بشار وتجنيد كل قوى الشر لنصرته مثل إيران وأذنابها وروسيا وعسكرها وامريكا ونفوذها ،كلهم تجندوا نخوة وحمية لبشار حتى تبقى حدود كيان اسرائيل في مأمن من اي عادية.
    تهجير أكثر من نصف الشعب السوري وقتل اكثر من نصف مليون منهم وتهديم عمران الجميع هي من مآثر حكم آل الأسد منذ ١٩٧٠. وبشار ( تسبّب في إحدى أكبر كوارث القرن الواحد والعشرين، أدخل بلاده في هوّة فاغرة سوداء، ووضع مواطنيه في خانة أبأس شعوب الأرض، وكان المسؤول الرئيسي في مقتل مئات آلاف البشر، وعذاب باقي مواطنيه، سواء الذين هجّروا ولجأوا إلى دول الجوار وأوروبا وحتى أقاصي العالم، أو الذين بقوا تحت حكمه، فأصبح، كما تسميه صحيفة «لوموند» الفرنسية: «ملكا على كومة من الأنقاض».)

  7. يقول مراقب حر أمريكا:

    سنوات الظلم والقهر الذي تعرض له السوريون زاده عاملان رئيسيان الأول داخلي وهو حكم بشار الاسد الظالم والفاشل الذي أوصل البلد الى ماوصل إليه الان والثاني كون سورية مجاورة لاسرائيل التي لها أكبر مصلحة لهدم سورية وإبقاء خادمها المخلص بشار في الحكم .

  8. يقول ماغون:

    النتائج أدت عكس ما خططت له قوى الشر نحو سوريا. فبدلا من التخلص من بشار شردت كل من أمريكا وأوروبا وروسيا الشعب السوري ووكلت به إيران فنكلت به مع بشار شر تنكيلا….
    ولكن،كل سوري لاجئ هو يمثل سوريا أحب العالم أم كره. وبذلك تكون سوريا قد انتقلت عبر التهجير فصار كل مواطن غربي يتقاسم رغما عنه العيش مع سوري من خلال تواجد كل سوري هناك وتنشأ أجيال سورية لتكون شاهدة على ما اقترفه الغرب الذي يعيش بين ظهرانيه.
    ولا يزال الغرب متمسكا بحبال بشار الأسد الواهية فهم جميعهم يخادعون أنفسهم.

  9. يقول تعليق:

    غير مفهوم حسب الصحيفة :…خريطة تظهر أن للاتحاد الأوروبي حدودا مع تركيا، وبالتالي مع سوريا، وكانت خطابات زعماء هذا التيار، بمن فيهم رئيس الوزراء الحالي بوريس جونسون، تشير صراحة إلى هذا الأمر، باعتبار أن محاذاة حدود سوريا خطر محدق بأوروبا… كان المعروف أن تونس والجزائر وليبيا لها حدود بحرية مع ايطاليا وفرنسا والآن تصبح سوريا لها حدود مع الاتحاد الأروبي

  10. يقول سامح //الأردن:

    *كان الله في عون الشعب السوري المنكوب.
    حسبنا الله ونعم الوكيل في كل حاكم فاسد مستبد أرعن متجبر لا يخاف الله.

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية