معضلة أوباما اذا كان سيتدخل في سورية، تطرح احدى المسائل العتيقة في تاريخ الحضارة: العلاقة بين السياسة والاخلاق. في حالة سورية، الوضعية واضحة، تجري فيها اعمال فظيعة تجاه سكان مدنيين لا يمكن قبولها من اي انسان حضاري. هذه المسألة تطرح أيضا في موقف العالم مما يجري في مصر، حيث المعضلة المركزية، الى جانب القتل في الميادين، هي مسألة الحسم الديمقراطي، وهي موضع خلاف. على مسألة العلاقة بين السياسة والاخلاق كتبت جبال من الكلمات وآلاف من الكتب والبحوث، وبقيت غير محلولة، ما دور الاعتبارات الاخلاقية في السياسة؟ ظاهرا، الاعتبار الاخلاقي هو خارج السياسة، فالسياسي يفترض أن يستخدم أنواعا مختلفة من القوة كي يحقق اهدافا تخدم مصالحه. في القصة السورية وان كانت الصورة السياسية مثيرة للحفيظة، الا انها سهلة على الصياغة: حتى هنا لم تكن تقريبا لاي جهة مصلحة بالتدخل في ما يجري هناك. فالامريكيون لا يزالون يلعقون جراح التدخل في العراق وفي افغانستان. الاسرائيليون يتمتعون بمدى قصير عن سورية النازفة، ولعلهم حتى يتوقون لاستقرار حكم الاسدين على جيليهما، حتى الان الفارق بين الصين وروسيا وبين الولايات المتحدة ظاهري. روسيا والصين تحميان الاسد علنا، الولايات المتحدة تشجب، ولكن لا تفعل شيئا. هذه القصة ليست جديدة، فالقرن العشرون مليء بافعال فظيعة لانظمة ظلام ضد سكان بأكملهم، من ابناء أمم اخرى أو ابناء ذات الامة، لم تؤد الى تدخل خارجي. الامريكيون لم يقصفوا اوشفيتس، والبريطانيون اغلقوا بوابات البلاد في عهد المحرقة؛ مئات الالاف ذبحوا في افريقيا، ولكن من هرع لنجدة المذبوحين كانت جمعيات غير حكومية. التدخل الخارجي في القتل الجماعي في عهد ستالين داخل الاتحاد السوفييتي، او الثورة الثقافية الفتاكة في الصين لم يطرح على جدول الاعمال ولم يكن ذا صلة بوضع العداء والسور الذي انتصب بين الشرق والغرب. وفكر كانط عن الفكر الكوني يبدو في التاريخ كلسعة بعوضة على ظهر فيل. ومع ذلك، فان شيئا ما تغير. حتى ان كان بالضريبة اللفظية وبالمظهر الخارجي، فقد تحولت المسألة الاخلاقية لتكون مسألة سياسية، وقد اخذت بالحسبان في منظومة اعتبارات قوة عظمى كالولايات المتحدة ودول اوروبية. وهذا يحصل عندما يصبح النقاش الاخلاقي مصلحة، والمسألة الاخلاقية تثقل على ميزان القوى. هذا يحصل عند ما كان يعتبر، في الحالة السورية، كتحصيل أخلاقي، يمس بالولايات المتحدة. المس ليس اقتصاديا او عسكريا، بل هو مس بالصورة، والامر يلمح ايضا بطبيعة التغيير. بعض من مزايا العصر الجديد تدعم قوة الاخلاق في اللعبة السياسية، الاولى هي النمو والتعزيز الكبير للهيئات غير الحكومة العاملة في العالم التي تحظى باعتبار وتمويل سخي. والثانية هي تكنولوجيا المعلومات والتشارك، التي تجعل ما يجري في مكان واحد شأن كل مكان آخر وشأن كل انسان آخر؛ ولهذا ايضا ينضم الصعود في قوة الصورة في عالم وسائل الاتصال الحديثة. على الصين وروسيا قد لا يؤثر هذا، اما اوباما، النتاج الصرف للقرن الـ21، فلم يعد يمكنه تجاهل وكلاء الاخلاق العالميين في عالم متهكم ووحشي.