سورية: الجريمة والعقاب

حجم الخط
24

في الوقت الذي لم تتوقف البراميل المتفجرة وصواريخ السكود والمدفعية والطيران الروسية عن السقوط على رؤوسهم ينتظر السوريون بتوجّس هذه الأيام قصف صواريخ التوماهوك الأمريكية لترسانة النظام الكيماوية. ويجد السوريون أنفسهم في موقف لا يحسدون عليه، فبعد مجازر لا عدّ لها ولا حصر، صار السوريّ يسأل أخاه من أية مدينة انت كأنه يسأله من أية مجزرة نجوت.
جرّب النظام السوري كل أنواع الابادة والتدمير ضد ‘شعبه’ و’اهله’. قصف مدنهم وقراهم ونكّل بأمهاتهم واطفالهم وشيوخهم ورجالهم، وافترض السوريون، بسبب الفظاعة والوحشية المتناهية التي مورست عليهم، أن ما يسمى المجتمع الدولي سيجد طريقة لايقاف آلة الموت المنفلتة من عقالها عند حدّ ما. كان هذا الحدّ المعلن هو: السلاح الكيماوي.
لكن النظام جرّب هذا السلاح على دفعات بالتقسيط المريح لضمير المجتمع الدولي فغضّ اوباما بصره وأدخل السوريين في متاهة بلاغته الناصعة السواد.
يئس السوريون من المجتمع الدولي فرفعوا أيديهم الى السماء وطلبوا من الله العون… فأشاح ‘التقدميون’ في العالم وجوههم عن هؤلاء الضحايا ‘الرجعيّين’ الذين يستحقّون الابادة على يد النظام ‘العلماني’.
بعد تجاهل العالم كل الفظاعات التقليدية وغير التقليدية التي يمكن للنظام ان يجربها في شعبه قرّر النظام أن يرفع معدل القتل وطريقته علّه يكسر آخر تسعيرة في سوق النفاق العالمي.
جرّب النظام سياسة حافة الهاوية مئات المرات ونجحت معه كل مرة، فلماذا لا يرفع جرعة السمّ الى حدّ يصدم الحكومات الجبانة في العالم ويفتح له الباب للقضاء على معارضيه وعلى حواضنهم الاجتماعية معا؟
وكان اسم هذه ‘التجربة’: مذبحة الغوطة بالسلاح الكيماوي.
كانت المفاجأة ان النظام والغرب معاً اكتشفا ان الضربة هذه المرة كانت أكبر من قدرة البشرية على الاستيعاب.
استيقظت حكومات الغرب على النوم الجماعي لأطفال الغوطة.
خرجت الحكومات تلك عن رتابة محاضر مجلس الأمن وأعلنت ضرورة معاقبة القاتل.
فهم من بقي من السوريين على قيد الحياة ذلك بما معناه: المذابح الدموية بالقذائف والبراميل والصواريخ والسلاح الأبيض لا تقلق أرواح الغربيين ووسائل إعلامهم لكن القتل الذي يتسلل الى أسرة الأطفال ويتركهم غافين إلى الأبد أزعج مشاهدي تلفزيوناتهم من أمهات وآباء وجعلهم يفكّرون ان السوريين يشبهونهم بطريقة ما!
أدخل قرار الغرب بضرب النظام السوري في امتحان جديد.
استفاق يساريون وحقوقيون وليبراليون وقوميون واسلاميون، كلّ لأسبابه، واستشاطوا غضباً رافضين ‘التدخّل الغربي’. اعتبر الكثيرون من هؤلاء موافقة الضحية على منع المجرم من قتلها المرة بعد المرة ‘خيانة’ و’عمالة’ وانخراطاً في ‘اجندة الغرب’. بل ان يساريين غربيين كانوا ساكتين على المجزرة المستمرة منذ اكثر من سنتين ونصف تحشدوا بسرعة وسيّروا المظاهرات ‘ضد الحرب’، وشاركهم الحفلة بعض من إخوتهم في اليمين المتطرّف المسرورين بالمجازر المرتكبة بحق مسلمين على أيدي حكوماتهم.
لم يسأل أحد من دعاة ‘ايقاف الحرب’ عن ‘الحرب’ الحقيقية الجارية طوال الوقت والتي لم تترك حجراً ولا بشراً في سورية إلا ونكّلت به لكنّهم استنفروا حين أصبح ضرب يد الجلاد جزاء ما اقترفه ممكنا.
فضحت الحالة السورية، وقبلها قضايا فلسطين والبوسنة وكوسوفو وبورما وكثير غيرها، بؤس الآلية الدولية لمعالجة الأزمات عبر مجلس الأمن، وجعلت مصائر البشر بيد حفنة من الدول الكبرى، وأثبتت ضرورة استخدام مبدأ الحماية الدولية لوقف الابادة الجماعية للشعوب.
لا يشكل استهداف ترسانة الكيمياء الاجرامية للنظام السوري معضلة أخلاقية او فلسفية بالنسبة للسوريين:
إنه الإمكانية الوحيدة المتبقية لاستمرارهم على قيد الحياة.
أما المعترضون على تنفيذ ذلك على يد امريكا فليتقدّموا بحلّ ناجع للسوريين غير مقتلتهم المستمرة الأكيدة.
أي شيء غير هذا هو استهانة بكرامات وحياة البشر مهما تلفّع أصحابه بأقنعة الوطنية والقومية والاسلام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سامر الدمشقي:

    لكم جزيل الشكر على هذا الإحساس العالي بألم السوريين

  2. يقول هاني:

    حديث الرسول عليه الصلاة والسلام
    تتكالب عليكم الامم كما تتكالب الاكله على قصعتها قالوا اومن قلة نحن بومئذ
    با رسول الله قال بل كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل (او كما قال رسول الله)
    هذا هو حالنا اليوم ونجاتنا هو في عودتنا الى كتابنا وسنة نبينا واخلاصنا لله
    عز وجل

1 2 3

إشترك في قائمتنا البريدية