في الأيام الأخيرة أخذت القضية السورية زخما إعلاميا وسياسيا خاصا، باعتبار إعلان الولايات المتحدة الأمريكية عن أن النظام السوري اجتاز ‘الخط الأحمر’ المتمثل في استعمال الأسلحة الكيمياوية، وبالتالي عبرت الولايات المتحدة الأمريكية عن عزمها تقديم مزيد الدعم للمعارضة المسلحة. هذه التلميحات والإشارات التي قدمها البيت الأبيض كانت كفيلة برفع معنويات البلدان والمحاور الساعية لإسقاط نظام الأسد بشتى الوسائل، فالتيار الإخواني الذي أصرّ وما زال يصرّ على التودّد للولايات المتحدة بتقديم نفسه كبديل ناجع لنظام الأسد، انتفض وارتفعت معنوياته بعد أن انتابه نوع من اليأس في الأيام الأخيرة، فالرئيس المصري الإخواني محمد مرسي الذي أظهر نوعا من الاعتدال في تعاطيه مع القضية، تغير فجأة وقطع علاقاته الديبلوماسية مع النظام السوري بعد إعلان إغلاق السفارة السورية في مصر، وبالتوازي مع ذلك أعلن شيوخ الإخوان رسميا الجهاد ضد نظام الأسد. ومن جهة أخرى انتفضت السعودية وعبرت عن سعيها مد الجيش الحر بصواريخ مضادة للطائرات قابلة للحمل على الأكتاف. أما الجانب التركي فلقد خفت نجمه باعتباره يعيش أزمة داخلية تعود جذورها للدور الذي لعبته تركيا في وهبنة وعسكرة القضية السورية، كما خفت أيضا نجم دولة قطر التي تعتبر القلب النابض للإخوان صحبة تركيا. وبالتالي، فالسعودية التي لا تستسيغ المشروع الإخواني لأسباب أمنية وسياسية، وجدت الفرصة مناسبة للعب دور أعمق ولتمتين علاقاتها مع إخوان مصر في مواجهة نظام الأسد، فعاد الوفاق والتناغم الإيديولوجي بين الوهابية والإخوان، باعتبار وأن التيار الإخواني تعود جذوره إلى الوهابية. بعد هذه التطورات، ساد الحديث في الأوساط الإعلامية والأكاديمية عن أن الحرب قريبة، وكأن سورية تعيش في أمن وأمان منذ أكثر من سنتين. ولكن المعنى السيكولوجي المراد من مصطلح ‘الحرب’ يتمثل في تدخل الناتو لإسقاط نظام بشار الأسد، مثلما وقع سابقا في العراق مع نظام صدام حسين، وفي ليبيا مع نظام معمر القذافي. ولعل ما جعل بعـــض المحللين يركزون على مصطلح ‘الحرب’ عوض ‘التدخل العسكري’، هي الوضعية المختلفة للنظام السوري باعتباره مدعوما بشراسة من قبل روسيا وإيران وحزب الله، مما يجعل المسألة أكثر تعقيدا. تبقى ‘الحرب’ الشاملة مستبعدة، وذلك لأسباب عميقة مرتبطة بتشابك المصالح بين الولايات المتحدة وروسيا والبلدان الأوروبية، وكذلك لأسباب أمنية مرتبطة بالقرب الجغرافي لإسرائيل من مسرح الأحداث، دون أن ننسى الأسباب الإستراتيجية المرتبطة بكل ما هو اقتصادي وطاقي باعتبار تعقيدات منطقة الشرق الأوسط، هذا بالإضافة إلى سيطرة التنظيمات الجهادية على عديد المناطق السورية. فمصر والسعودية كشرا عن أنيابهما بعد أن تلقيا تلميحات من البيت الأبيض تحمل في طياتها مساندة معنوية كانت كفيلة بفك القيود وإطلاق العنان لفتاوى الجهاد ضد نظام بشار الأسد. ولعل هذا التصعيد الذي جاء من الولايات المتحدة يهدف أساسا إلى إحداث ‘التوازن’ في القوى بين النظام السوري والفصائل التي تحاربه، هكذا تقال بكلّ وقاحة، فالهدف ليس إسقاط نظام الأسد وإنما إطالة عمر الحرب والأزمة السورية، حتى تدمّر سوريا نفسها بنفسها. كما أن هذه المساعدات العسكرية التي ستعطى للجيش الحر والتنظيمات التي تحارب نظام الأسد سيكون هدفها الحد من تغوّل التيارات الجهادية التي تهدد إسرائيل والمصالح الغربية. ومن خلال التجاذبات والتحركات الدبلوماسية الناعمة والمتذبذبة والغامضة يمكن أن نستنتج أن الغاية هي إطالة عمر الأزمة وتغذية التقاتل المذهبي-الطائفي، حتى تقسّم سورية نفسها بنفسها دون الحاجة إلى تدخل عسكري خارجي.
سوريا ستبقى دولة واحدة ومتماسكة وبشار المتهالك سيسقط اخيرا تحت اقدام الاحرار ويحاسب على كل مجزرة وكل جريمة ارتكبها بحق الشعب السوري اليتيم