ما يحدث في مانشستر يونايتد منذ رحيل جوزيه مورينيو ومجيء النرويجي أولي غونار سولشيار الذي حقق خمسة انتصارات متتالية بأداء متميز، أمر ملفت ومثير للانتباه، اجتهد في تفسيره الكثير من هواة الكرة فنيا وتكتيكيا ونفسيا، فراح البعض يرجع الفضل فيه لطريقة تعامل المدرب الجديد مع المجموعة الثرية للمان، وذهب البعض الآخر لاعتباره دليلا على فشل مورينيو بسبب نرجسيته وتعامله السيء مع اللاعبين، في حين برره البعض الآخر بكونه مجرد استفاقة ظرفية للاعبين لم يجدوا راحتهم النفسية والفنية مع البرتغالي فراحوا يثبتون بأنه هو السبب في النتائج السلبية والأداء التعيس للمان ولا يتحملون مسؤولية التراجع!
في الحقيقة سابق لأوانه الحكم على التغيير ومدى نجاعته لأن المان يونايتد لم يواجه لحد الأن الستة الكبار منذ رحيل مورينيو، والسيناريو الحاصل سبق وأن حدث وتكرر في كثير من الأندية ومع عديد المدربين الذين تم الاستنجاد بهم في مثل الظروف الحالية للمان، خاصة وأن المقال اسمه مورينيو والمستقدم هو لاعب دولي نرويجي سابق يبدأ للتو مشواره في مجال التدريب، لكن التغيير الذي حدث في أداء اللاعبين يبقى أمرا ملفتا لأنه حدث في ظرف وجيز وبشكل رائع يقودنا للوقوف عند أهمية العامل النفسي في لعبة كرة القدم في المستوى العالي، ويقودنا الى ربط ما فعله سولشيار بما يفعله يورغن كلوب مع ليفربول و توماس توخيل مع باريس سان جيرمان!
الألمانيان اعتمدا على فلسفة تسيير واشراف وقيادة تستند على الجوانب النفسية والذهنية والعاطفية مع اللاعبين، وتقوية اللحمة والمودة بينهم، ويبدو ذلك من خلال الابتسامات العريضة المتبادلة بين كل مكونات مانشستر يونايتد أثناء المباريات والتدريبات، وذلك العناق الحار بينهم في غرف الملابس وفوق الميدان عند التسجيل والفوز، وحتى عند الخسارة والاخفاق ما جعل العلاقة تتوطد أكثر والحب والاحترام يزداد، وتتزايد المودة ورغبة كل طرف في التعبير عن امتنانه للآخر ومحاولة ارضائه واسعاده.
طبعا كل هذا لا يعني أن الألمانيين والنرويجي يعتمدون فقط على الجانب العاطفي والعامل النفسي لتحسين الأداء الفردي والجماعي وتحقيق النتائج لأن ذلك لا يكفي إذا لم تتوفر المجموعة على المهارات واللياقة، واذا لم يرافق ذلك فلسفة كروية ورسم تكتيكي خاصا بكل لقاء.
يورغن كلوب وتوماس توخيل وكذا غونار سولشيار تعاملوا مع تغير ذهنيات اللاعبين بالعاطفة من خلال العناق وصناعة الجو الأسري الذي يقوي التلاحم بين لاعبي العصر الحديث الذين صاروا بدورهم لا يتقبلون النقد اللاذع الذي يمارسه مورينيو مثلا، خاصة في إنكلترا التي صار فيها اللاعب أهم وأقوى من كل مدرب مهما كان، ومن يريد أن يكسبهم ويجندهم ويلقنهم فلسفته الكروية عليه أن يبدأ بخلق جو عائلي في التربصات والتدريبات وعلى طاولة الطعام، وقبل المباريات وبعدها، وخاصة عند الخسارة وفي الظروف الصعبة التي يمر بها اللاعب المحترف مهما كان مستواه لأنه يبقى طفلا صغيرا يحتاج الى المزح والمرافقة.
ما فعله في ظرف وجيز سولشيار في المان يونايتد لم يقتصر على إعادة الاعتبار لبول بوغبا كقائد، ولا يمكن اختزاله في مجرد انتهاج رسم تكتيكي وفني جديد، بل رافقه عمل نفسي وذهني كان بمثابة سلاح استعمله جوزيه مورينيو في بورتو والانتر وتشلسي عندما كانت علاقاته قوية مع اللاعبين، فحقق معهم كل ما يريد من ألقاب، ليتحول إلى شخص غير مرغوب فيه بعد سنوات من طرف اللاعبين في تجربته الثانية مع تشلسي، ولما أشرف على الريال والمان يونايتد ودخل في صدام مع لاعبيه بسبب غروره واعتقاده بأنه أهم من كل اللاعبين، في وقت تجد كلوب وتوخيل يثمنون كل مرة ما يفعله اللاعبون ويعتبرونهم أبطالا وأصحاب الفضل في كل الانتصارات التي يحققها الفريق.
عشاق المان يعتبرون المواجهة المقبلة في «ويمبلي» أمام توتنهام بمثابة أول اختبار حقيقي لغونار سولشيار، لكن الأكيد أن النرويجي يدرك ذلك وسيستمر في نهج كلوب وتوخيل في التعامل مع اللاعبين ليجعل من النادي أسرة واحدة تتعامل بالحب والاحترام أولا، ثم بالاستراتيجيات والخطط التكتيكية التي يطبقها اللاعبون بإقبال كبير مهما كانت النقائص، خاصة تلك التي ما زالت في دفاع المان يونايتد مثلا، ليصبح التغيير في التعامل والذهنيات والنفسيات أهم عوامل التغيير في أداء اللاعبين والأندية وخاصة المنتخبات التي لا يحوز فيها المدربون على الوقت الكافي للاستقرار على هوية لعب لذلك يستندون الى المعاملات الإنسانية مع اللاعبين الدوليين.
طبعا كل هذه المعطيات لا تقلل من قيمة مورينيو وفلسفته التي تستند أساسا على معاينة ودراسة خطط الخصوم والمنافسين، لكن اتضح بأن اهتمام المدرب بلاعبيه والاستثمار في قدراتهم الفنية والنفسية والذهنية هي أيضا عوامل مهمة في صناعة الفارق في كرة القدم الحديثة. ما معناه بيدك اليمنى أكتب خططك وبيدك اليسرى حفز من سيطبقها لتنال ما لا يتوقع.
٭ اعلامي جزائري
بالطبع العامل النفسي مهم جدا اخ حفيظ فهو الذي يحفز اللاعبين كثيرا و دائما ما يصنع الفارق ،،،