سياسة أوباما الايرانية!

حجم الخط
0

‘لم يعد سرا أن واشنطن رعت قناة تحادث مع طهران في شؤون سياسية واستراتيجية قد تؤثر نتائجها في الوضع الجغرافي السياسي في الشرق الاوسط كله، هذا الى نشاطها في الشأن الذري الايراني. كتبت صحيفة ‘نيويورك تايمز’ التي تعبر في احيان كثيرة عن المزاج العام في الادارة الامريكية أن ‘الولايات المتحدة وايران تجدان انفسهما في الجانب نفسه فيما يتعلق بسلسلة مشكلات اقليمية، ولا سيما ما يتعلق بمقاومتهما المشتركة للقاعدة’.
إن الزعيم الاعلى خامنئي لا يُجنب الامريكيين في الحقيقة سوط خطابته، لكن الكلمات في جهة والمصالح في جهة اخرى، وهو يقدر أنه نشأت في بلاده فرصة ذهبية تخدم رغباتها الايديولوجية ومصالحها في الهيمنة، ومصالحها الاستراتيجية.
يعرف متخذو القرارات في طهران احجام واشنطن ولا سيما الرئيس اوباما نفسه، عن مشاركة فاعلة جدا ولا سيما عسكرية في فوضى الشرق الاوسط، وهم يفرضون مثلا أن مبادرتهم الى تقديم مساعدة عسكرية الى حكومة العراق الشيعية في كفاحها للمتمردين السنيين لن تلاقي معارضة امريكية. ويبدو أن حقيقة أن العراق أخذ يتحول سريعا الى تابع سياسي لنظام آيات الله لا تقلق الآن واشنطن بصورة خاصة، كما يزعم اشخاص أن اسرائيل لم تعد تتعرض لخطر من الجبهة الشرقية، ولا يقلقهم واقع أن بغداد أخذت تُجذب أكثر فأكثر الى القبضة الايرانية (وهكذا تُقرب هذه الجبهة من دولة اسرائيل والاردن).
من المبالغ فيه أن نتحدث عن حلف بين الولايات المتحدة وايران، لكن حقيقة أن النظام في طهران يمثل مزجا بين الايديولوجية والبرغماتية ربما لم يوجد له مثيل منذ ايام الاتحاد السوفييتي، وهي تستعمل مع سعيها الى السلاح الذري والى استمرار الاضطهاد الداخلي ومشاركتها الفاعلة في الارهاب الدولي، تستعمل طرق دعاية وطرقا نفسية ناجعة ترمي الى اقناع جهات في الغرب بعامة وفي الادارة الامريكية بخاصة بأنه قد طرأ في الحقيقة تحول معتدل على سياسته وأنه ينشيء وضعا جديدا بيقين.
ونقول بالمناسبة إن العلاقة الغرامية الامريكية التي أخذت تنشأ لا تمنع طهران من تقوية علاقاتها بروسيا ويشمل ذلك الشؤون الذرية (‘لحاجات سلمية’). وتضبط واشنطن نفسها برغم امتعاضها. إن السرعة التي أعلنت بها الادارة الامريكية الغاء بعض العقوبات على طهران قبل أن يجف حبر اتفاق جنيف الاشكالي تشهد هي ايضا على تصميمها على عدم المس بالمصالحة التي أخذت تُصاغ مع طهران.
اذا كان النقد العام والاعلامي في امريكا لادارة اوباما قد انحصر الى الفترة الاخيرة في الشؤون الداخلية كخطة الصحة غير ذات الشعبية ومشكلات البطالة، فقد بدأت أسهم النقد توجه الآن الى السؤون الخارجية والامنية. ولا يشهد على ذلك فقط مبادرة الحزبين في مجلس الشيوخ برغم أنف الادارة، الى تشديد العقوبات على ايران، بل تشهد على ذلك ايضا تصريحات انتقادية من جهات اخرى. فعلى سبيل المثال كتب خبير الجغرافيا السياسية ذو المكانة الجليلة روبرت كابلان في مدونة له يقول: ‘في اللحظة التي يجلى فيها عشرات آلاف الجنود الامريكيين الباقين عن افغانستان في 2014 ستقوي ايران مكانتها في غرب افغانستان ومركزها’. ويتابعه في ذلك المراسل الدبلوماسي الاكبر في صحيفة ‘واشنطن بوست’ ديفيد اغينشيوس فيعرف سياسة الادارة الخارجية بأنها ‘مكسورة’ وليس فيها تقدير استراتيجي وبأنها ‘سياسية بصورة تزيد على المطلوب’.
وهكذا يتهم بزيادة قوة القاعدة في العراق وبجعل هذه تابعة ايرانية عجلة استقرار رأي اوباما على اخراج الجيش الامريكي منه. لكن لا يوجد أي انتقاد خارجي يكون قاتلا مثل الانتقاد الذي يسمع من الداخل وقد قام بهذا العمل روبرت غيتس الذي كان الى وقت قريب وزير الدفاع في ادارة اوباما. فقد زعم أن ‘فريق البيت الابيض ومجلس الامن القومي مشحونين بتعيينات سياسية واكاديمية تتدخل في القرارات التنفيذية من غير أن تكون لهم الخلفية والخبرة المطلوبتان’. وهذا فقط جزء من الملاحظات الأكثر تلطفا في كتابه، لكن السؤال الأهم من وجهة نظرنا هو بأي قدر يعبر الوضع المذكور ايضا عن علاج الادارة الامريكية للشؤون الساخنة الاخرى ومنها موضوع السلام الاسرائيلي الفلسطيني، والعلاقات بايران بالطبع.

اسرائيل اليوم 19/1/2014

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية