تونس – «القدس العربي»: «عام الصراعات السياسية والأزمات الاقتصادية والاجتماعية» هكذا يصف عدد من السياسيين والخبراء التونسيين عام 2018، إلا أن بعضهم يشيد ببعض النقاط المضيئة في العام المنصرم كتنظيم انتخابات ديمقراطية محلية وإتمام عمل هيئة الحقيقة والكرامة المشرفة على مسار العدالة الانتقالية، وتوصياتها التي ستساهم في إلغاء الإفلات من العقاب والوقاية من كلّ أشكال الانتهاكات والتجاوزات مستقبلاً.
ويمكن القول إن العام الماضي كان سياسياً بامتياز، فمن إعلان الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي «نهاية التوافق» مع النهضة، إلى دعمه ضمنياً رواية هيئة الدفاع عن شكري بلعيد ومحمد البراهمي (ومن ورائها الجبهة الشعبية) حول «الجهاز السري» المزعوم لحركة النهضة، مروراً بمصادقة مجلس وزاري برئاسة قائد السبسي على مشروع قانون المساواة في الميراث، وليس انتهاء بزيارة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ورجل الأعمال المصري نجيب ساويرس. والاحتجاجات الشعبية الأخيرة المطالبة بالعدالة الاجتماعية مع تزايد ظاهرة «الانتحار حرقاً».
عام الأزمات السياسية والاقتصادية
ويرى د. عبد اللطيف الحنّاشي، المؤرخ والباحث السياسي، أن سنة 2018 كانت سنة عصيبة على البلاد التونسية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وخاصة تدهور سعر صرف الدينار وغلاء المعيشة وارتفاع أسعار النفط وانعكاسه على البلاد، وتراجع الاستثمار مقارنة بسنة 2017 والعجز الكبير في الميزان التجاري المرتبط بعوامل داخلية وخارجية، منها رتفاع سعر النفط واستمرار الأزمة الليبية، حيث تُعتبر ليبيا سوقاً كبيرة للشركات التونسية، فضلًا عن بعض العمليات الإرهابية، وخاصة الهجوم الانتحاري وسط العاصمة، وانعكاسها على الوضع الأمني في البلاد.
ويضيف في تصريح خاص لـ«القدس العربي»: «على الصعيد الاجتماعي كانت هناك احتجاجات في مناطق عدة من البلاد ضد ارتفاع أسعار المواد الأساسية ونسبة البطالة، وبلغت هذه الاحتجاجات ذروتها خلال الأيام، وخاصة في المناطق الحدودية كمدينة القصرين وغيرها. فضلاً عن الأزمة بين الحكومة واتحاد الشغل، وهي أزمة اجتماعية سياسية، باعتبارالمطالب التي رفعها الاتحاد في الوظيفة العمومية أو في القطاع العام، رغم أن العلاقة بين الطرفيت شهدت تطوراً إيجابياً بالنسبة للقطاع العام، استجابت الحكومة لمطالب الاتحاد في رفع أجور القطاع العام».
ويمكن اعتبار العام الحالي «عام الأزمات السياسية» بامتياز، حيث تقلبات عدة في مواقف عدد من الأطراف السياسية، وخاصة بعد إعلان الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي «نهاية التوافق» مع حركة النهضة، وتواصل الانقسامات داخل حزب نداء تونس، واندماج الأخير مع حزب الاتحاد الوطني الحر، فضلاً عن فشل أغلب التحالفات التي أقامتها بعض الأحزاب الساسية، واتخاذ بعضها مواقف سياسية متقلّبة (مع وضد الحكومة).
ويقول الحنّاشي: «على المستوى السياسي، هناك أزمة مركّبة تتمثل في الأزمة العميقة على مستوى الأحزاب السياسية، خاصة حزب نداء تونس الذي اتسعت الخلافات داخله وأدت إلى بروز أربعة أحزاب جديدة، وقد أثر ذلك على أدائه في البرلمان، حيث برزت كتلة جديدة (الائتلاف الوطني) مساندة لرئيس الحكومة يوسف الشاهد، جزء كبير منها كان ينتمي لنداء تونس. ولكن تداعيات هذه الأزمة الحزبية أثرت على الحكومة أيضاً، وأدت إلى وجود أزمة عميقة بين قصري قرطاج والقصبة، وبلغ التوتر مداه في بداية شهر كانون الأول/ديسمبر. ولكن يبدو أن رئاسة الجمهورية كانت فطنة إلى ما يمكن أن يتولد عن هذه الأزمة من أزمات أخرى تمس الدولة التونسية بحد ذاتها، لذلك اجتمع مؤخراً رئيس الدولة مع رئيس الحكومة والأحزاب المكونة للحكومة، إضافة إلى اتحادي الشغل والتجارة والصناعة، في محاولة لتجاوز الأزمة التي تعيشها البلد».
لكنه يسجل في المقابل نقاطاً إيجابية عدة خلال سنة 2018، أبرزها إنجاز «أول انتخابات ديمقراطية شفافة في تونس على المستوى البلدي، وهذا مكسب كبير جداً في الانتقال الديمقراطي، وهذه الانتخابات أبرزت ظاهرة جديدة هي فاعلية المستقلين في الحياة السياسية، وهذا يشير إلى نقطة مهمة.. أن التونسيين عموماً تراجعت ثقتهم في الأحزاب، ولذلك اتجهوا إلى المستقلين، ورغم هذه النتيجة تضررت منها جميع الأحزاب والمفروض أن تفكر تفكيراً جديداً وتراجع طرق عملها وسلوكها وخطابها السياسي، لكننا للأسف كانت ردود فعلها طارئة ودون المستوى. كما يمكن أن نسجل نقطة إيجابية تتعلق بنمو القطع السياحي بفضل تدفق السياح الجزائريين والأوروبيين».
ويضيف: «نتمنى خلال عام 2019 أن تتشكل المحكمة الدستورية لإنها جزء لا يتجزأ من الانتقال الديمقراطي، إذ لا يمكن الحديث عن انتهاء الانتقال الديمقراطية بدون تركيز هذه المؤسسة الدستورية. كما نرجو أن يتم انتخاب رئيس جديد لهيئة الانتخابات (مع استكمال بقية الأعضاء) حتى نتمكن من العبور إلى الانتخابات لأن سنة 2019 هي سنة فارقة ستنهي فيها البلاد المرحلة الأخيرة من الانتقال الديمقراطي، وندخل إلى انتخابات تشريعية ورئاسية. كما نتمنى أن تتراجع الأزمة الاقتصادية على مستوى تونس والعالم».
سنة التقلبات السياسية
ويصف زبير الشهودي، القيادي وعضو مجلس شورى حركة النهضة، سنة 2018 بـ«سنة التقلبات السياسية»، حيث يؤيد أن السنة الماضية «كانت سياسية بامتياز، وهي ضمن المسار الانتقال الديمقراطي، عشنا خلالها نفس صراعات نتائج صعود منظومة 2014.
الأحداث في السنة الماضية كثيرة ومتنوعة، لكن الأهم فيها هو الانتخابات البلدية، ويعتبر صعود سعاد عبد الرحيم شيخة الحاضرة (رئيسة بلدية تونس)، العلامة المضيئة في المسار الديمقراطى في تونس. وأعتبر أن عودة البلاد إلى دستور 2014 في إدارة السلطة هي خطوة في الاتجاه الصحيح».
ويضيف لـ «القدس العربي»: «بالطبع هناك صعوبات اقتصادية، والمواطن لم يشعر بعائد القوى عليه، وهذا الرهان الأكبر للحكومة، ونأمل أن تنجح البلاد في هذا الرهان. ونأمل في السنة الحالية أن يتم تكريس الإصلاحات الكبرى ويكون الطيف السياسي أكثر تركيزاً على الحلول العملية وأقل إرهاصاً على انتكاسة المسار. ثمة تحديات كبرى بانتظارنا، من بينها إخراج المواطن من غلاء المعيشة والذهاب إلى الانتخابات التشريعية والرئاسية بهدوء، ووجود فرص متكافئة للجميع في المجال الديمقراطي».
عام العدالة الانتقالية
ودوّن الباحث سامي براهم على صفحته في موقع «فيسبوك»: «نودّع عام 2018 بحدث نوعيّ في تاريخ البلد هو تتويج مسار العدالة الانتقاليّة بتقديم الإحالات المتبقّية على الدّوائر المتخصّصة وتسليم تقرير هيئة الحقيقة والكرامة للرّئاسات الثّلاث. هذا المسار مهما كانت مواطن الخلل والضّعف والإخفاقات التي اعترته فيُشهَد له أنّه كان يقاوم تيّار الارتداد إلى الخلف في مناخ معاد قلّ فيه النّصير، حيث عاد فيه أنصار المنظومة القديمة بنفس صلفهم وفحشهم وتزيفهم للتّاريخ ومارسوا كلّ أشكال الضّغط لقطع الطّريق على مواصلة أعمال الهيئة وترذيل الضّحايا والمناضلين ووصمهم بكلّ التّهم والافتراءات. واجهت الهيئة بطاقمها المتبقّي كلّ محاولات كسرها من الدّاخل والخارج ولم تنجح كلّ محاولات ترهيبها و إجهاضها وتدميرها من الدّاخل».
وأضاف: «سيقول التّاريخ ما لهذه الهيئة وما عليها وسيخضع أداؤها وأداء أعضائها للنّقد والتّقييم، ولكن سيسجّل التّاريخ لهذه الهيئة وأعضائها الباقين شرف المقاومة والصّمود في وجه كلّ المؤامرات وعمليات التّخريب، وسيشهد التّاريخ أنّها واصلت أعمالها رغم الدّاء والأعداء ورغم تغيّر موازين القوى، وأحالت المئات من مرتكبي الانتهاكات طيلة العهدين السّابقين رغم محاولاتهم الاحتماء والتحصّن بمنظومة التّوافق القائمة، ورغم حملات الشّحن والتحريض الإعلامي التي مارستها بقايا لوبيات الإعلام الفاسد المأجور. وأصدرت تقريرها لكشف منظومة الاستبداد والفساد والتعذيب والقتل والاغتصاب والتّهجير والحصار ومنع الرّزق».
وتابع: «نودّع عاماً حاسماً في تاريخ البلد هو عام العدالة الانتقاليّة بامتياز باعتبارها ركناً من أركان مسار التّأسيس الدّيمقراطي المضني والمتعثّر. نجاح الهيئة في ما عهد إليها مهما كان التّفاوت في تقييم نجاحه، ومهما كانت نواقصه وثغراته هو كسب يجب تثمينه واستثماره وترسيخه وإسناده والبناء عليه ليكون إحدى رافعات تحقيق أهداف الثّورة التي يراد تسفيهها وتسفيه مطلقي شرارتها لتيئيس النّاس منها. كلّ عام وأنصار العدالة الانتقاليّة راسخو الإيمان بالمستقبل الأفضل لهذا البلد، ثابتون على العزم والأمل والتّضحيات».
وكانت هيئة الحقيقة والكرامة أعلنت في مؤتمر صحافي عقدته الإثنين في العاصمة التونسية، نهاية مهامها رسمياً، حيث أكدت رئيستها سهام بن سدرين أنها قدمت تقريرها النهائي للرئيس الباجي قائد السبسي، ومن أبرز نتائجه «تقديم 72 لائحة اتهام وأكثر من 80 قرار إحالة إلى القضاء، وتوفيرها مبلغاً يفوق 745 مليون دينار لخزينة الدولة في إطار آلية التحكيم والمصالحة».