لقطة من فيلم “الأرض” للمخرج يوسف شاهين
تطوان – “القدس العربي” – سعيدة الكامل
“لن أتحدث عن مرحلة ما بعد 2011 حتى أعود لبيتنا بخير”، هكذا توقفت الباحثة الجامعية والروائية المصرية منى الشيمي، عن الحديث عن الرقابة على السينما المصرية حتى حدود بداية ثورة 25 يناير 2011 دون الخوض في المرحلة التي تلتها، وذلك في ندوة بعنوان “السينما والحريات”، في إطار أنشطة مهرجان “تطوان للسينما” الذي نُظم في تطوان شمال المغرب.
أرادت الشيمي التطرق لموضوع “السينما والحريات” للبحث عن الحرية داخل الفعل السينمائي، وفي مواجهة مع الحريات التي يبيحها ويحضرها المجتمع والسلطة طيلة أزيد من قرن من الإنتاج السينمائي في مصر، فاستعرضت متتالية الرقابة على السينما التي ابتدأت في سنة 1907 وكان يتم ممارستها مباشرة من طرف مأمور البوليس، ليتم إسنادها رسميا فيما بعد لوزارة الداخلية سنة 1914.
وفِي مسلسل الرقابة الطويل، كشفت الشيمي عن أن الرقابة كانت تتستر تارة بمبررات أخلاقية ودينية، وتارةً سياسية.
وتوقفت، عند مجموعة من لحظات الحظر التي عرفتها السينما المصرية، أهمها في عهد الملك فاروق حيث تم منع فيلم “ناشين” سنة 1939 الذي يحاكي حياة الملك فاروق ويظهره غير مهتم بأمور الحكم ومشغول بالنساء. الفيلم حجب ولَم تفرج عنه الرقابة إلا بعد تغيير النهاية لتؤكد أن “الملك لا يهزم لأن الملوك لا يهزمون”.
وفي سنة 1949 تم استصدار قرار يقضي بالابتعاد تماماً عن كل ما يتحدث عن الملك والشخصيات التاريخية الكبرى والحفاظ على الذوق العام. هذه الفترة، حسب منى، تميزت بحجب مجموعة من الأفلام لم يتم الإفراج عنها إلا بعد ثورة “الضباط الأحرار كفيلم “مسمار جحا”.
كل عهد يمارس الرقابة على العهد السابق إما بحظر منجزاته أو إطلاق النار عليه. والرقابة كانت دائما في خدمة النظام واتخذت من مبرر حفظه ذريعة.
وتمت ممارسة الرقابة في عهد جمال عبد الناصر، إذ تم إلغاء كل المقاطع التي تتحدث عن أحمد نجيب في أحد الأفلام. ورغم غزارة الإنتاج في عهد عبد الناصر، وهو الأمر الذي قد يظهر وكأنه نوع من الحرية، إلا أن الإنتاجات كانت تصب في نفس المضمون الذي آتت به التجربة الناصرية، وفق الشيمي.
بعد هزيمة 1967 أصبح رائجا ما يعرف بأفلام الهزيمة، وقد أصبحت تتجرأ على بعض المواضيع ليتم بعدها الدخول في سينما الإلهاء عن الهزيمة، ولَم يكسر هذه الموجة سوى فيلم يوسف شاهين “الأرض” الذي كان مضمونه ان السلطة فرطت في الأرض والشعب المصري متشبت بها.
زمن أنور السادات أعطى الانطلاقة لانتقاد النظام السابق في السينما، التي تميزت في عهده بتمجيد حرب أكتوبر وما حققه الجيش المصري، وحين مل الشعب من هذه الأفلام عاد لانتقاد النظام السابق. هذه الفترة تميزت كذلك بمغازلة التيار الإسلامي للحد من المد الشيوعي خاصة في الجامعات وهي الفترة التي انتهت بفيلم “إحنا بتوع الأتوبيس” .
عصر مبارك الذي امتد ثلاثين عاماً، لم يفعل شيئاً، بمعنى أنه لم ينقلب على سابقيه، فلم تعرف السينما توجها نحو انتقاد العهود السابقة بسبب غياب أي إنجاز كبير ينبغي إظهاره. ومن مظاهر الرقابة، في هذه الفترة، تغيير نهاية فيلم “الغول” التي تحاكي قتل السادات على المنصة. عهد مبارك عرف نقصاً في عدد دور العرض إذ وصلت إلى 300 دار. كما تم حل المؤسسة العامة للسينما، وفي سنة 1997 حدث تحول، إذ ظهر نوع من سينما المعارضة، لكنها تبقى في حقل النظام .
صمت الباحثة عن ما تلى فترة مبارك، وخاصة بعد صعود السيسي للحكم، كشف عن أجوبة كبيرة دون كلام، وهو صمت مبرر فهي محط تحقيقات متتالية منذ أن تلقت دعوة لتلقي جائزة “كاتارا ” للرواية العربية عن روايتها “وطن الجيب الخلفي” ضمن فئة الروايات غير المنشورة لعام 2017. تصاعد الأصوات التي طالبها برفض الجائزة بسبب قطع النظام المصري العلاقة مع قطر، لم يثنها عن تسلمها معتبرة أن الثقافة لا علاقة لها بـ “مهاترات السياسيين”.
يبدو أن زمن مبارك كان الأكثر حرية في السينما المصريةوأحسن مثال مسرحية الزعيم التي استقرأت المستقبل من خلال احتواء بعض مشاهدها على مقاطع (سيسية ) بامتياز.