عُرفت العراقية نضال القاضي كقاصة من خلال مجموعتيها.. «مكان مألوف لديّ» و»عصفورة أدوم»، وشاعرة بإصدار ديوانها «ودائع المعوّل عليه». أما سيرة الظل فهي روايتها الأولى ــ صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت عام 2009 ـ ورغم ما يشوب التجربة الأولى في الغالب، إلا أنها رواية جديرة بأخذ مكانها في السردية العربية، وأن روائية جديدة قدمت أوراق اعتمادها لقبيلة الروائيات العربيات.
خدعة التأريخ
رواية «سيرة ظل» للروائية العراقية المغتربة في البرازيل، شاءت لها كاتبتها أن تنهل من الواقع المعيش، وأن تأخذ من التأريخ العراقي القريب، أواخر أيام الدولة العثمانية، وأضافت لها قسما أخيرا ليؤرخ لسنوات ما بعد عام 2003، إذ يرد ذكر القائد العسكري العثماني عاكف، وما عرف بالتاريخ بـ(دكة عاكف) الذي كان يتولى الدفاع عن مناطق الفرات الأوسط، لاسيما الحلة، ومقاتلة الإنكليز في محاولتهم السيطرة على العراق، وباءت محاولته بالفشل، فالعثمانيون انكسروا قبل هذا التاريخ وغادروا بغداد في 11 مارس/آذار، 1917 وانتهت الحرب خريف عام 1918، فالرواية إذ تأخذ من التأريخ القريب، ما كانت تتكئ عليه اتكاء مباشرا، بل يأتي لربط الأحداث، فالقاصة ما كانت تكتب تأريخا روائيا، أو رواية تاريخية، لذا لجأت إلى الابتعاد عن دقائق الأحداث، وعدم النقل الفوتوغرافي التأريخي لها، فهي تتحدث عن ملكة في العراق، والعراق ما حكمته ملكة بل ملك، إذ تقول وهي تسرد وقائع الحرب التي خاضتها الجيوش العربية ضد قيام الدولة الصهيونية في 15 مايو/أيار 1948 «وكانت قوافل الفلسطينيين قد وصلت إلى بغداد للتو، وبدأوا ينزلون في النوادي والمدارس ودور الأوقاف، وكان رأي الملكة في حينها، أن ترفع وكالة الغوث يدها، فالمملكة أولى بهم، غير أن الوقت لم يمهلها فقد سقط العرش، وتركوا على هامش الحياة منسيين تحت ذريعة ألا ينسوا وطنهم».
كما أن سلاح الجو البريطاني ما كان يقصف الناس في شارع الرشيد، الروائية تتلاعب بالأحداث الواقعية، لأنها – كما قلت لا تكتب تأريخا بل رواية ـ فتأخذ من أحداث ثورة العشرين، لتردفها بأحداث وثبة يناير/كانون الثاني عام 1948، في نصها هذا: «ولا شك في أن تلك الطيور التي تحلق وطيئا، عرفت ذلك الزقاق من قبل تحديدا، حين أطل شمران وعهدي مرة من إحدى الشرفات، ليصورا لقطات نادرة وأثيرة لتلك الجموع المتظاهرة، وهي تجتاز جامع الحيدرخانة ومقهى الزهاوي، باتجاه ساحة الملك فيصل الثاني، فيما سلاح الجو البريطاني يغير عليهم؛ فيتساقط العشرات تحت زخات الرصاص، وقد تجاوزت الطيور الجثامين المحمولة على الأكتاف، وقد دوى صوت الجواهري مكلوما في الحضرة الكيلانية وهو ينشد: أخي جعفر وبكى جعفر الخليلي في محل الساعاتي ناجي جواد، المقابل آنذاك لساحة تلك الوثبة الباسلة».
تنهل من الواقع المعيش والسيري الذاتي، وبغية التخلص من هذا الاقتراب الذي قد يجلب أذى للساردة، كون بعضه فضحا لحيوات أسر معروفة، مازال بعض أفرادها على قيد الحياة، فإنها لجأت إلى الواقعية السحرية والفانتازيا لترميم سردها
«سيرة ظل» تقترب في مواضع عدة من الواقع الحياتي المعيش، حتى أنها تستدعي حيوات أشخاص معروفين، فهي إذ ذكرت الجواهري الكبير وقصيدته المدوية في رثاء أخيه جعفر، كذلك الأديب الصحافي الراحل جعفر الخليلي صاحب جريدة «الهاتف»، فضلا عن الوجيه المثقف والأديب ناجي جواد الساعاتي، فإنها لا تنسى ذكر الشاعر سلمان داود محمد، أحد أعمدة قصيدة النثر في العراق، وصاحب مكتب غيوم للإعلان عند رأس شارع الرشيد من جهة الباب الشرقي، مكتب غيوم للإعلان، الذي ما أعلن شيئا، وكان مثابة للأدباء والشعراء والمثقفين من بغداد، ومدن العراق الأخرى، ومحطة استراحة لهم، ومذاكرة وتبادل كتب. مكتب للإعلان هذا ديدن صاحبه وهواه وعشقه، من أين له أن يعلن شيئا.
الواقعية السحرية
الرواية كذلك تنهل من الواقع المعيش والسيري الذاتي، وبغية التخلص من هذا الاقتراب الذي قد يجلب أذى للساردة، كون بعضه فضحا لحيوات أسر معروفة، مازال بعض أفرادها على قيد الحياة، فإنها لجأت إلى الواقعية السحرية والفانتازيا لترميم سردها، تقول: «ثم دوى المكان ثانية وثالثة، وامتلأ بشظايا تساقطت بشرا، التفت بهم ريح الليلة الباردة وانتثر الرجل، كومة الغضاريف تلك، دقيقا ناعما في الهواء لا مرئيا بعنف ومنسيا بعنف، والناس يلمون ذلك الدقيق الناعم والغبار معا في أكياس الطحين ويخبزونه، وتنقضم كسرة الخبز والعيون بالعيون والوجوه ذاهلة، الأيدي على الكسرة، والرؤوس لا تعرف الجهات، وبلغ الموت أرذل العمر، وهو يطوف ويلكز بعكازه الصغار والكبار، حتى غدا علامة فارقة للعشرة الأخيرة من القرن، وشخصية مألوفة تزور وتتزاور؛ إذ لم يعد الموت يرهب كالسابق، بل أقسم بعضهم أغلظ الأيمان أنه رآه يقوده من يده مربتا عليها ويتحدث إليه مواسيا قبل وفاة طفله».
التقنيات
كما استخدمت القاضي، تقنية تيار الوعي وانثيال الأفكار لربط أحداث روايتها، التي تتحدث عن واقع معيش، لا تلبث أن تغادره مستدعية أحداث التأريخ القريب والمعاصر. واستفادت الرواية كذلك من تقنية المخطوطة والمدونة، التي فيها تأريخ الأسرة، الذي تسرده الروائية على قرائها، تقول: «هذا ما توقعته منذ اللحظة الأولى التي تصفحت فيها المخطوطة؛ فالقسم الأعظم منها امتدادات في الماضي لا تثير كثير جدل، لكن ما أربكني هو النبش نفسه في الماضي، نبش مدسوس ينجز مدونته إلى جوار المدونة الأم، وسط ما وجدتني أسجله بعجالة في حاشية طويلة». وهذا اللون من ألوان الكتابة السردية التي تتكئ على مخطوطة أو مدونة كتب من خلاله العديد من الروائيين، على مستوى العالم والوطن العربي، فمن استخدم المخطوطة في سرده كالروائي الألباني إسماعيل كادريه في رائعته «الجسر»، كذلك استخدمها غارسيا ماركيز في روايته «مئة عام من العزلة»، إذ استخدم في سرده ما عثر عليه في (رقاق ملكيادس). في حين استخدم العراقي الأكاديمي محسن جاسم الموسوي في نصه الروائي «أوتار القصب» الأوراق التي كتبها الشيخ غالب، والتي أودعها صندوقه العتيق المكسو بجلد قاتم مطلي بسواد يلمع من تحت الغبار، مرصع بمسامير صدئة، والموجود في إحدى حجرات قصر جده في المدينة، كذلك استوحى عبد الخالق الركابي نصه الروائي «الراووق» من ما سجله (السيد نور) في مخطوطته.
اللغة
الروائية نضال القاضي لكونها شاعرة، فقد كتبت نصها الروائي بلغة تقترب من لغة الشعر، فتقول «انحنى سطيفان يلتقط ورقة نباتية وجعل ينظر إليها من خلال عدسة مكبرة، متخيلا درجة الذكريات فيها. أجوبة هي أسئلة أخرى تتعلق بالتأريخ الطبيعي، وبمراحل تطور المجتمعات من همجية إلى بربرية (كذا) لتنتهي بالحضارة، كحقيقة لا تعدم بدورها تلك الهمجية، من أجل الحفاظ على قيافة حديثة! فإذا كان للورقة كل هذه الهسهسة، صوتها الذي يصلنا بريئا تحمله الريح إلينا ونحن مشغولون بحياتنا الخاصة، أين حنجرتها إذن؟ وإذا بلغت الشجرة المبلغ الهائل من التكيف للبيئة، أين عقلها الذي كابد بواسطته الإنسان ما كابد في صراعه مع الطبيعة حتى تكللت مكابداته بانتصار العقل حَدَّ الجنون؟».
٭ كاتب عراقي
من خلال قراءة المقال لم أر ما يميز هذه الروايةإبداعيا، فهي كما يبدو نتفا من التاريخي القديم والحديث للعراق، وبتقنيات سردية متنوعة….
بداية شكرا جزيلا لاهتمامك استاذ شكيب لكن اسمح لي بما يلي لطفا:
اولا_ الملكة التي تحدثت عنها ملكة نحل !! نحلة !! وكان الطفل سطيفان يركض وراءها في بستان هبوب ! ص 129.
ثانيا_ ورد ذكر الملكة عالية في سطر واحد فقط في الرواية كلها ص 119حين وصلت قوافل الفلسطينيين الى بغداد. وابلغت الملكة وقتها وكالة الغوث (الانروا )ان المملكة ستتحمل مسؤوليتهم كاملة لكن سقط العرش وضاعت على اللاجئين فرصة الرعاية من لدن الملكة شخصيا .الم يكن العراق مملكة استاذ شكيب؟ الم تكن عالية بنت الملك علي بن حسين زوجة الملك غازي ملكة وملكة أم ؟ هل توجد مملكة في التاريخ ليس فيها ملكة؟!
ثالثا _كيف دمجت حرب ال 1948بأحداث ثورة العشرين بوثبة كانون الثاني وان سلاح الجو البريطاني كان يقصف الناس في شارع الرشيد،!! ؟ اين في اي صفحة؟؟ لقد قلت :كانت جموع المتظاهرين تسير باتجاه ساحة الملك فيصل الثاني (الوثبة فيما بعد) فيما سلاح الجو البريطاني يغير عليهم؛ فتساقط العشرات تحت زخات الرصاص،وهذا موثق في التاريخ وفي سيرة الاستاذ المرحوم ناجي جواد بوصفه شاهد عيان والا كيف بكى جعفر الخليلي ساعتذاك.