رام الله -«القدس العربي»: ما إن تبدأ الحرب إلا ويطل السؤال الجوهري برأسه ومفاده ما هي السيناريوهات المتوقعة؟، فكيف ونحن إزاء عملية عسكرية، لا سابق لها في التاريخ الفلسطيني المعاصر، وقادتها المقاومة في غزة وأطلق عليها “طوفان الأقصى”.
وحسب المحلل السياسي هاني المصري، عملية “طوفان الأقصى” شيء أغرب من الخيال، وخارج التوقعات والحسابات، إنها عملية “صدمت وأذهلت حكومة الاحتلال. ما بعد 7 أكتوبر سيختلف عما قبله، أي أن قواعد الصراع ستختلف، هذا لا شك فيه، ولكن الاجتهاد إلى أي مدى ستختلف”.
ويقدم المصري، تقديرا أوليا للسيناريوهات المتوقعة، وهي أولا أن “تحاول قوات الاحتلال أن تجبي ثمنا كبيرا من الفلسطينيين وفصائل المقاومة، وخصوصا حركة حماس، وستحاول أن تغتال رؤوس كبيرة سياسية وعسكرية، وقد تصل الأمور إلى حد محاولة احتلال قطاع غزة، أي تغيير قواعد اللعبة كليا”.
أما السيناريو الثاني حسب قوله، فيقوم على أن تنجح الجهود العربية والدولية بالحد من معدلات التصعيد ومن حدة الردود الإسرائيلية، وبهذا السيناريو سيكون هناك رد اسرائيلي قوي ولكن محسوب، ولكن بدون انقلاب كامل على قواعد اللعبة السابقة.
أما السيناريو الثالث فهو يدمج السيناريوهين الأول والثاني، بمعنى أقل من تغيير كامل لقواعد اللعبة وأكثر من مجرد رد قوي، أي ستحاول إسرائيل أن تستعيد قوة الردع المنهارة بدون أن تدفع الامور إلى نقطة اللاعودة.
ويرى المصري أن هناك عوامل عدة مثل وجود عشرات الأسرى وجثث الجنود في أيدي المقاومة، وهو ما سيحد من السيناريو الأول، كما سيحد من الاندفاع لتغيير قواعد الصراع كليا.
وهو يرى أن تصعيدا كبيرا قد يدفع إلى فتح جبهات جديدة، والجبهة الشمالية مع لبنان مرشحة للاشتراك، هذا من جهة. ومن جهة أخرى يدفع الوضع الاقتصادي المأساوي في قطاع غزة واستمرار وتصاعد العدوان الاسرائيلي في الضفة وضد الاسرى والمقدسات، وفي الداخل الفلسطيني، وتزايد احتمالات التطبيع السعودي الاسرائيلي تدفع الأمور نحو التفاقم.
كما أن الأزمة الداخلية العميقة في اسرائيل، حسب المصري تدفع أيضا نحو التصعيد، “فهي تشجع الحكومة إلى محاولة تصديرها إلى الخارج”.
ويضيف في تحليل السيناريوهات أن هناك عوامل عدة تدفع لعدم التصعيد مثل” عدم الاستعداد لفتح جبهة كبيرة غير مضمونة النتائج بينما الحرب الاوكرانية مستمرة، وخصوصا في ظل مساعي ادارة بايدن للتوصل الى تطبيع سعودي اسرائيلي يقوي جبهة حلفاء امريكا ويبعد السعودية عن الصين وروسيا وإيران.
ويختم أنه “من المبكر الحسم أين تسير الأمور، وأي سيناريو هو المرجح فالحرب في بدايتها”.
أما الباحث والمحاضر في جامعة بيرزيت عبود حمايل، فيرى في ضباب الحرب بالأمر الذي يحتم على الجميع التفكير بشكل متشعب، “فهذه لحظة ينفتح فيها الباب للعديد من الإمكانيات، وتُعاد فيها صياغة قواعد الاشتباك بشكل مختلف”.
ويضيف: “يبدو أن دولة الاحتلال لن تستطيع تلقي الضربة دون أن يكون ردها غير محسوب، وهذه حالة قد تؤدي أيضاً إلى الكثير من الأخطاء في حساباتهم. كل مقاومة، في أساسها النفسي، تُعالج عقدة التفوق لدى الذين يعتقدون أنهم لا يُمسون. يبدو أن الأصوات العقلانية والمرنة تنحصر في دولة الاحتلال، وأصوات أخرى تتصاعد وهي التي تريد الدم”.
ويتابع في قراءة المشهد: “يتم الحديث أيضاً عن حملة برية قد تغير وجه المنطقة أو وجه غزة، أو حتى ضربات استباقية على مستوى الإقليم، مع أنها تبدو مستبعدة. هذا التسارع في الرد قد يشير إلى هشاشة في القيادة السياسية والعسكرية التي كانت تعتبر الأمن من أبرز إنجازاتها التاريخية”.
ويشدد أن دولة الاحتلال تبدو في حالة غضب، وتبحث عن وسيلة لقلب المعركة لصالحها. واليوم، المقاومة تسحبها نحو حرب برية لا يمكن توقع نهايتها، خاصة مع جيش كان يعتقد أن الحروب البرية مؤجلة.
ويؤكد على مسألة مهمة مفادها أن “الدخول في الحرب شيء، وكيفية انتهائها هو شيء آخر تماماً”.
ويرى أنه لم يعد خفياً أن سيناريو الرعب الذي كان يخيم على قوات الاحتلال في السنوات السابقة هو خوض المعركة على أرضهم. “كانت الجهود موجهة نحو منع حدوث هذا السيناريو والتحضير له في حالة وقوعه. حيث عملت آلة الحرب الإسرائيلية على تحفيز ما حصل بالأمس من خلال الرفض المتكرر لخوض المعارك البرية داخل غزة ورفض التفاوض حول تحرير الأسرى، معتمدة على المعارك الجوية وقدرات النارية البعيد المدى مبنية على إمكانية إخراج المعركة من الحرب”.
ويتابع: “كان الاحتلال يؤكد أنه لن يدخل في معركة إلا بأقل قدر من المخاطر، معتمدًا على القوات الجوية والاستخبارات وأحدث أجهزة الرقابة الحديثة والتقنيات الدفاعية-قبة حديدية وجدران حديدية وغيرها”.
وزاد: كنت قد قرأت كتاباً يتناول الطرق التي تم بها احتواء المقاومة بما فيه “حركة حماس” في غزة قبل أشهر. كانت قناعة الكاتب أن الحركة بدخولها العملية السياسية تمسكها بالحكم قد تم احتواء مشروعها العسكري المقاوم. وأثناء قراءتي كنت أضحك.
وينتقد الباحث حمايل مجموعة كبيرة من التحليلات الأكاديمية والسياسية التي لم تكن تأخذ في الاعتبار البنية العسكرية الفلسطينية بجدية بسبب جهلها بمكوناتها ولغتها، وأيضًا بسبب التحيز نحو التجارب السابقة التي انتهت بالهزائم. اليوم لأول مرة منذ العام 1967 المعركة تحصل داخل الاراضي التي احتلت في العام 1948.
ويشدد على أن أصعب المهام في أي عملية عسكرية هجومية هو الحفاظ على خطوط الإمداد وتعزيز القوات بالسلاح والعتاد في ظل تفوق جوي شبه كامل لدى دولة الاحتلال.
بمعنى آخر، “الأصعب هو اللوجستيات المتعلقة بالبقاء وتحصين القوات والقدرة على المناورة وتوفير غطاء ناري”.
ويختم قائلا: “على الرغم من أن العملية في غزة ليست عملية إمداد تقليدية، وليست مناورة تقليدية أيضًا، فإن استمراريتها حتى الآن بأشكال مختلفة (لأكثر من 30 ساعة) تظهر إمكانيات كبيرة في الدخول والحفاظ والإمداد والتحصن. وتشير إلا أن إحدى تكتيكات المعركة الحالية هو محاولة إطالة أمد الاشتباك في المستوطنات وبأشكال مختلفة”.