لا شك في أن مسألة ارتباط الرواية بالسينما، والسينما بالرواية، من الموضيع الأثيرة لدى المحاورين، في الزمن الحاضر، ودائما ثمة أسئلة في الحوارات الصحافية والاستطلاعات العامة التي تجري بين حين وآخر، عن هذا الموضوع، وتوجد في الأذهان روابط كثيرة، عمقتها موجة من الأفلام الجيدة، التقطت حكايتها من روايات منشورة، وذاع صيت الرواية والفيلم في الوقت نفسه.
وفي حوار أخير هادئ لقناة تلفزيونية، تحدثنا عن هذا الموضوع باستفاضة، وكان لديّ رأيي الذي أردده دائما، من أن القصة السينمائية التي تؤخذ من نص سردي، لن تكون أبدا هي النص السردي، والذي سيحدث حين نرى الفيلم هو مشاهدة نسخة أخرى من القصة، نسخة قد تكون أجود من التي كتبت، وقد تكون أسوأ، وقد تكون مجرد قصة طافت بجو الرواية المكتوبة وقدمتها للمشاهدين.
وحين نريد قراءة آراء من قرأوا نصا في كتاب، وشاهدوه في السينما أو التلفزيون بعد ذلك، سنجد آراء متباينة، خاصة من عشاق القراءة المدمنين على الكتب، وهؤلاء هم من سيغضب، ومن سيرى أن الرواية التي قرأوها قد شوهت بإضافة تفاصيل لم تكن مكتوبة، وحذف تفاصيل كانت موجودة وتزين النص. آخرون لن يحسوا بشيء إن كانوا قرأوا الرواية بعد أن شاهدوا الفيلم، أي أن الفيلم هو من روج للرواية وليس العكس، وهؤلاء هم الغالبية الموجودة الآن، وتدعم القول إن القراءة في انحدار، ولا تقترب كثيرا من الفنون البصرية، وأهمها السينما طبعا، المهم أنهم شاهدوا الفيلم واقتنوا الرواية وقرأوا بلا مقارنة، لمجرد معرفة لماذا اختير النص ليقدم دراميا.
الذي يجب ملاحظته أن كاتب السيناريو، وبمجرد حصوله على موافقة المؤلف لتحويل نصه الروائي إلى فيلم سينمائي أو مسلسل تلفزيوني، يأتي برؤيته الخاصة، وسيعمل على إعادة تفصيل قصة الفيلم، وتفاصيله وأجوائه، ويحاول بقدر الإمكان أن لا يبتعد كثيرأ عن الأصل، خاصة إن كان الكاتب قريبا من نصه، ويزعج كاتب السيناريو بين حين وآخر بالسؤال عما يحدث، وحين يفرغ ويقدم رؤيته المكتوبة، لا بد من حصول انفعال ما، سيردد الكاتب، أنها ليست قصته، ويعلم تماما أنها قصته فقط أضيفت لها رؤية أخرى، ومؤكد متعة جديدة، حين تمت قراءتها ببصر السينما المختلف تماما عن بصر القراءة العادية.
هناك مشاهد سينمائية كثيرة داخل النص، هناك صور تتحرك أمام القارئ بتشويق عجيب، أيضا لا نجد تلك الغرائبية المعروفة عند ماركيز كثيرا، لأنه كما قلت، كان يكتب رواية سيناريو، بوعي تام.
كثير من التفاصيل لم تكن موجودة، ووجدت لأن السينما تريدها، كثير من التضاريس الموجودة في النص، أزيحت لأنها قد تزعج رؤية السيناريست، وتؤخر من نضج الفيلم، الذي سيعرض بعد ذلك، ويقول فيه الجمهور كلمته. ولأن الروايات التي تصلح للسينما باتت كثيرة، ومن الصعب الحصول على نص وسط هذا الكم من الكتابة، نلاحظ أن السينما لم تعد في السنوات الأخيرة تعتمد على الروايات المنجزة أصلا، وأصبح كتاب السيناريو، ينجزون قصصهم بأنفسهم من دون اللجوء إلى كاتب روائي.
أيضا تحول عدد من الكتاب الروائيين إلى السيناريو هاجرين الرواية، لأن السيناريو يمكن أن يكون مهنة ذات عائد مادي، يساعد على الحياة، بعكس الكتابة التي تأكل العمر بلا عائد جيد، وأصلا لا يمكن الاعتماد عليها في الحياة الرغدة، أو حتى غير الرغدة، ولو صادف وحصل كاتب على حقوق جيدة في أحد الأعوام وفرح بها، فالأمر في الغالب فرحة مؤقتة، ما تلبث أن تموت في الأعوام التالية، حين تأتي الحقوق كسيحة وذابلة، وكسيرة الطرف.
تطرق حوارنا إلى أعمال عديدة تحولت إلى أفلام سينمائية ونجحت، وكان الأمر حقيقيا، إما لأن الرواية كانت عملا مهما مشهورا، وذهب الجمهور إلى الفيلم بناء على ذلك، أو لأن الفيلم كان جيدا وشجع الجمهور، الذي لا يقرأ كثيرا أن يبحث عن الرواية ويقرأها، ونجد من نوعية هذه الأعمال روايات مهمة مثل «الحب في زمن الكوليرا»، و«أحداث موت معلن» لماركيز، و«عداء الطائرة الورقية» للأفغاني خالد حسيني، وكلها روايات مليئة بتفاصيل كثيرة تم اختصارها عند كتابة السيناريو، لكن الأعمال في النهاية، كانت مؤثرة في رأيي، أعني الروايات والأفلام التي أنجزت منها، بالنسبة ماركيز، صاحب الخيال الكبير، لن نقول بأن أحدا اعتدى على خياله، وقدم نصه بلا بهارات للسينما، ولكن نقول إن خيالا موازيا نشأ في تلك الصنعة الأخرى، وامتلك زمام الأمور، ولأن ماركيز اهتم بكتابة السيناريو، بجانب كتابته للرواية، كان يعرف ما ستؤول إليه الأمور، حين يؤخذ فيلم من قصته، وتبدو لي رواية «أحداث موت معلن»، مكتوبة بحيث تصبح فيلما في يوم ما، هناك مشاهد سينمائية كثيرة داخل النص، هناك صور تتحرك أمام القارئ بتشويق عجيب، أيضا لا نجد تلك الغرائبية المعروفة عند ماركيز كثيرا، لأنه كما قلت، كان يكتب رواية سيناريو، بوعي تام. شيء مهم تحدثنا عنه، وهو مواصفات النص الذي سيتحول إلى سيناريو، وهل توجد فعلا مواصفات؟ الإجابة في رأيي توجد روايات تسهل عمل السيناريست، وروايات تصعب عمله، وتملي عليه كثير من الاجتهاد، فالتي كتبت بطريقة واضحة، وصور واضحة، هي التي تسهل، بينما المعقدة جدا، تبدو مهام عسيرة، لكن بالمقابل هناك كتاب سيناريو موهوبون، ويستطيعون تحويل قصة قصيرة، وقصيدة شعرية، إلى فيلم سينمائي.
٭ كاتب سوداني
قام مؤلف رواية فيلم “العراب” ماريو بوزو بكتابة سيناريو الفيلم أيضا، و كانت تلك تجربته الأولى في مجال السيناريو. و على الرغم من نجاح الفيلم الفائق فإن ماريو لم يعتبر نفسه كاتبا جيدا للسيناريو. و لذلك أراد أن يحسن نفسه في ذلك المجال، فقام بشراء كتاب عن كيفية كتابة السيناريو. و لكنه ما ان فتح الكتاب حتى قرأ في الصفحة الأولى أن افضل مثال على السيناريو الممتاز كان سيناريو فيلم العراب”، فرمى ماريو الكتاب في سلة المهملات على الفور.