الشابات والشبان، مخرجات ومخرجو الأفلام التسعة القصيرة، الذين وقفوا أمام الجمهور الريفي بمعظمه بدوا كأنهم يختبرون طعم المذاق الأول لعالم السينما. لم تكن لهم سابق معرفة بهذا الفن. لم يتح لأي منهم أن يحمل كاميرا. ولم تطل فترة تدريبهم على استخدامها. لكن ما كانوا يعرفونه هو منطقتهم، «عكار»، المعروفة بين اللبنانيين بفقرها وطرفيّتها، وغناها الطبيعي مع ذلك. هؤلاء السينمائيون والسينمائيات البادئون، بأفلامهم التي عرضت مساء السبت الفائت، أطلقوا ضوءا على القليل الذي نعرفه عن أحوالهم. أما أبطال أفلامهم فغير بعيدين عنهم. هم جيرانهم، أو رفقاؤهم في الدراسة، أو أخوتهم الصغار، أو أهلهم المعتاشون من صيد السمك، غير الوفير إذ غالبا ما لا تأتي شباكهم بما يكفي لإطعام العائلة. وبين أبطال الأفلام هؤلاء ذلك العجوز (في فيلم «جدّي أبو عبدو») الذي يداوي نفسه، كما يداوي من شاء من سائليه، بالأعشاب التي تنبت في غابات عكار. هناك فيلم أيضا عن «حسنا» الأم الفلاحة التاركة حيّزا من بطولة الفيلم القصير (ست دقائق) لبقرتها «سمرا»، لتشاركها بطولته.
هناك أيضا الطلبة النازلون إلى الجامعة، محتشدين في السيارة التي اتسعت لضعف ما تسعه من الركاب. ثم فيلم آخر عن حوار يجري بين شبان شكّلوا فرقة راب، مما ينوّع المشهد المشكّل لعالم الأفلام الصغيرة تلك ومهن أهلها. لكن معظم شبان الفريق مهاجرون، وإن ما يزالون حاملين للعنة الفقر وضياع الأمل بمستقبل منطقتهم. هم يرون أن صبغة التنوع الطموحة المتمثلة بموسيقى الراب، محبطة من بدايتها، وهم يبدون مترددين بين أن يبدأوا بجولة غناء، أو أن يضعوا آلاتهم الموسيقية جانبا، وهي قليلة على أي حال.
يظهر هؤلاء الموسيقيون في بيئة لن تساعدهم كثيرا على تحقيق أحلامهم. أحدهم احتج على انضمام الشباب العكاريين إلى الجيش كون هؤلاء يرون أنه يؤمّن مستقبلهم ويساعدهم على الزواج السريع. بدا ذلك لجمهور المشاهدين، المصفوفة كراسيهم في الهواء الطلق، مخالفا لما يعهدونه من شرف ذلك الانتساب الوطني الذي يسمعون أصداءه في الأناشيد.
الأفلام التسعة التي عرضت تواليا، فيلما بعد فيلم، ومن دون مهل استراحات فاصلة، مزجت الفتنة بالفقر، والفكاهة مع السواد والرتابة. ثم هناك، في فيلم عنوانه «غنّام»، شاهدنا كيف تمتزج النقائض كلها في سيرة صبيّ يحلم.
نبرة احتجاجية أخرى، مفاجئة، حملها عنوان فيلم آخر لم تتعدّ مدة عرضه الثلاث دقائق: «ما بدّي حدا يجي على عكار». ذاك أن الزوار الآتين، حسب مخرجته صفاء حمود، لن يصدر عنهم إلا تلويث البيئة العكارية التي تظهر المشاهد المصورة فتنتها الرائعة وكيف شوّهت مواضع منها بقايا الأطعمة والنفايات التي تركها المتنزهون. كأنها تقول إن الآتين إلينا، من أبناء وطننا، لا يحملون لنا إلا أوساخهم. معلنة بذلك عن عصبية عكارية كانت مكتفية بالشكوى من أن المنطقة تركت للفقر والإهمال… والشكوى عادة لا تؤلّف عصبية قادرة على الوقوف في عالم تتألف أنحاؤه من عصبيات. إنها تحتاج إلى مثل ما قالته تلك المخرجة الشابة التي، لأول مرة، تقول بالسينما ما تريد أن يسمعه الآخرون.
الأفلام التسعة التي عرضت تواليا، فيلما بعد فيلم، ومن دون مهل استراحات فاصلة، مزجت الفتنة بالفقر، والفكاهة مع السواد والرتابة. ثم هناك، في فيلم عنوانه «غنّام»، شاهدنا كيف تمتزج النقائض كلها في سيرة صبيّ يحلم. كأن حضيض ذاك الصبي هو جنّته، وها هو العكاري الصغير الذي لوحت الشمس وجهه الأشقر، بل أحرقته، يلهو بما ينبغي أن يكون البؤس عينه: كأن نشاهده يسبح في تلك البركة الضيقة التي جعل ماءها يضطرب مثل موج في بحر، وها هو يرضع من ثدي النعجة، أو يحاول ذلك. أما اللون الذي اصطبغت به صور الفيلم المقطّعة من دون وصل شريطي، فيبدو لون الاحتراق نفسه، لكن المبهج الغاوي.
شابات وشبان أنجزوا أفلامهم الأولى منوّعين مقارباتهم للموضوعات المتناولة، وكذلك خياراتهم الأسلوبية. «تلات حروف» يبدأ من صورة طبق طعام (عكاري) يحتوي على سمك مشوي وبطاطا، ليذهب بنا من هناك، من حيث الطبق إلى مصدريْ مكوناته التي عرفناهما أيضا في اثنين من الأفلام التسعة. ثم هناك «عكواريوم»، العنوان الجامع بين كلمتين، والمقيم صلة بينهما، «عكار» و«أكواريوم». الفيلم الذي تتتابع صوره من رسوم للتمساح الباحث عن بيئته بتوليف بطيء وأوّلي من سينما الأنيمايشن. لم تزد مدة عرض الأفلام كثيرا عن ساعة واحدة، لكنها بدت لأولئك الزائرين الأكثر احترافا من صانعي الأفلام التسعة، وبينهم من ساعدوا على إنتاج الأفلام، موسعة لعالم أبقته التعريفات التي أعطيت له مجهولا وبعيدا.
*الأفلام القصيرة التسعة شكلت واحدا من أنشطة مهرجان «ريف» المتعدّدة، وقد أقيم تحت عنوان «أيام بيئية وثقافية» وجرى بين السادس والتاسع من سبتمبر/أيلول في بلدة القبيات اللبنانية. الأفلام التسعة، إضافة إلى أفلام طويلة وقصيرة أخرى، عرضت كلها في الهواء الطلق، معيدة السينما إلى المنطقة «بعد أن هجرتها لقرابة أربعين عاما».
٭ روائي لبناني
سطور بلغة الفن ادا سمح لنا المنبر المتميز الجامع تحت ظل هد ا الموضوع الفني التقافي التحليلي سبق لنا ان قلنا عن الفيلم القصير وعن الفيلم الطويل والفرق الدي بينهما زمنيا بين قوسين ثربة لبنان اسفرت عن كتاب متميزين في كتاباتهم بلغة الشعر وبلغة القصة وبلغة التشكيل وبلغة البحت وبلغة التحليل وبلغة المسرح وبلغة السينما وهي البيت الدي رسمت من اجله هده السطور من الصور السينمائية القصيرة من جرت للكلمة فليس من السهل رسم صورة سينمائية بضع دقائق فقط وتكون المعنى