لندن–”القدس العربي”: قال المعلق بيتر بيرغين بمقال نشرته شبكة “سي إن إن” على موقعها إن الأخطاء الأمريكية الفادحة هي التي أسهمت في الكارثة الأفغانية التي تلوح بالأفق.
وعلق فيه على إخلاء القوات الأمريكية يوم الجمعة القاعدة العسكرية “باغرام” في كابول التي كانت ولعشرين عاما مركزا للعمليات الأمريكية في أفغانستان. وسيتبع ذلك سحب 7.000 من قوات الناتو وكذا 6.000 متعهد أمني على الأقل كان وجودهم مهما للحفاظ على وصيانة المروحيات والطائرات التابعة للقوات الأفغانية. وبعدد لا يزيد عن 650 من الجنود الأمريكيين، مهمتهم الحفاظ على السفارة الأمريكية في كابول، فإن الجيش الأفغاني لن يجد من يدعمه أو يدافع عنه. وسخر من تعليق صحيفة “نيويورك تايمز” يوم السبت “الولايات المتحدة تخرج من قاعدة أفغانية بطريقة فعالة منهية 20 عاما من الحرب”، مشيرا إلى أنه مثال كلاسيكي عن العناوين المضللة وهو أن خروج الأمريكيين سيفتح الطريق أمام السلام.
توقعت المخابرات الأمريكية سقوط الحكومة الأفغانية في 6 أشهر من خروج القوات الأمريكية. وفي عبارات رجل الدولة الفرنسي تشارلس موريس دي تاليران “أسوأ من الجريمة هو الخطأ الفادح”.
وفي الحقيقة ستزيد الحرب الأفغانية، وحذر قائد القوات الأمريكية في أفغانستان الجنرال أوستن “سكوت” ميلر يوم الثلاثاء من إمكانية حرب أهلية مدمرة. وفي الحقيقة فخروج الأمريكيين يعطي طالبان النصر الذي انتظرته طويلا وهي تقوم بالسيطرة على مناطق جديدة. وسيطرت الحركة على ربع الولايات الأفغانية وعددها 421 وتوقعت المخابرات الأمريكية سقوط الحكومة الأفغانية في 6 أشهر بعد خروج القوات الأمريكية. وفي عبارات رجل الدولة الفرنسي تشارلس موريس دي تاليران “أسوأ من الجريمة هو الخطأ الفادح”. ولكن الخطأ واضح منذ وقت طويل، فكل رئيس أمريكي منذ جورج دبليو بوش حاول تحديد الدور الأمريكي في أفغانستان أو الخروج بشكل كامل.
والشيء الوحيد المتناسق بشأن النهج الأمريكي حول أفغانستان هو عدم تناسقه. وهناك كم هائل من المواد المنشورة حول خطط البيت الأبيض للخروج من أفغانستان وعلى مدى العقد الماضي. ثم هناك محادثات السلام العبثية مع أعضاء في حركة طالبان الذين حصلوا على طاولة المفاوضات أكثر مما كسبوه في ساحة المعركة. وعقدت هذه الانتخابات بدون أي دور للحكومة الأفغانية المنتخبة. واليوم وبعد 20 عاما تغادر الولايات المتحدة أفغانستان وتتركه على حافة البداية، تسيطر فيه حركة طالبان على معظم مناطق البلاد.
وبعد هجمات 9/11 أرسلت إدارة بوش مجموعة صغيرة من القوات الخاصة وضباط سي آي إيه إلى داخل أفغانستان لإبادة قادة القاعدة الذين خططوا للهجمات على الولايات المتحدة. وبدعم من الطيران الأمريكي المكثف والحلفاء من الميليشيات المحلية فقد أطاحوا بطالبان في ثلاثة أشهر. وكان انتصارا أمريكيا عظيما في حرب أمريكية غير تقليدية، لكن تأمين السلام كان أصعب من الإطاحة بالنظام، وهو درس ستتعلمه أمريكا مرة أخرى في العراق 2003 (في عهد بوش)، وليبيا عام 2011 (في عهد باراك أوباما). وبعد التخلص من طالبان، أراد وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، الذي توفي يوم الثلاثاء الحفاظ على وجود أمريكي قليل. وكان الحضور الأمريكي الأولي في أفغانستان الأقل منذ الحرب العالمية الثانية في أي عملية خاضتها أمريكا. لكن رامسفيلد كان مهووسا بالعراق، ففي 12 كانون الأول/ديسمبر 2001 وهو اليوم الذي تلقى فيه رامسفيلد أول إيجاز عن العراق، فر زعيم القاعدة أسامة بن لادن من تورا بورا، شرق أفغانستان.
وبحلول 2007 كان من الواضح أن طالبان أعادت تجميع نفسها، وزادت العمليات الانتحارية في الوقت الذي تسلم فيه أوباما البيت الأبيض، فـ “الحرب على الإرهاب” المضادة لحرب العراق المضللة، لم تكن تسير في الطريق الصحيح.
وفي 1 كانون الأول/ديسمبر 2009 سافر أوباما إلى أكاديمية ويست بوينت ليلقي خطابه المهم وأعلن فيه عن زيادة القوات بـ 30.000 جندي، لكن الأخبار ركزت على أن أوباما سيبدأ بسحب القوات بمنتصف 2011. وبالنسبة لطالبان فما فهمته من خطابه ليس الزيادة في القوات ولكن موعد الانسحاب. وبنهاية ولايته الثانية فكر أوباما بسحب القوات الأمريكية من أفغانستان، وبعد كل هذا فقد انتخب على بطاقة سحب القوات الأمريكية من الحروب الخارجية. ولكن التخبط بدا واضحا في العراق عندما سحبت القوات منه عام 2011، وهي عملية أشرف عليها بايدن بصفته نائبا للرئيس، ومن هنا فقد طغى العراق على النقاش المتعلق بأفغانستان. فما حدث هو أن تنظيم “الدولة” ملأ الفراغ الأمريكي ولم يكن أحد راغبا بتكرار هذا. وكان أوباما يريد الانسحاب، بشكل لم يكن يترك لخليفته دونالد ترامب مساحة للمناورة. وفي الأشهر الأخيرة من حكمه أعلن أوباما عن بقاء 8.400 جندي أمريكي في أفغانستان.
وواجه ترامب في السنة الأولى من حكمه مسألة خلافية في السياسة الخارجية وما يجب عمله بأفغانستان. فمن جهة كان هناك معسكر “أمريكا أولا” تزعمه مسؤول الاستراتيجيات ستيفن بانون الذي كان يريد سحب كامل القوات. ومن جانب آخر كان هناك مستشار الأمن القومي الجنرال أتش أر ماكمستر الذي اعتقد أن قوات أمريكية بأعداد كبيرة ستمنع طالبان من السيطرة على الحكم. وكان ترامب مقتنعا أن أفغانستان مغامرة عبثية ولكنه اقتنع بكلام ماكمستر والبنتاغون أن أسوأ شيء غير البقاء هو ترك أفغانستان بشكل كامل. وأعلن عن زيادة القوات الأمريكية حيث وصل عددها في 2017 إلى 14.000 جندي. ولم يكن مرتاحا لهذا القرار وأعلن في نهاية رئاسته عن سحب كامل القوات بحلول عيد الميلاد عام 2020.
وجاء الموعد ومضى وغادر ترامب البيت الأبيض و2.500 جندي أمريكي في أفغانستان. وتوصلت إدارته لاتفاقية مع طالبان بخروج كامل القوات الأمريكية بحلول آذار/مارس 2021. وكان جوزيف بايدن هو الذي اتخذ القرار النهائي.
والسؤال: هل كانت هناك طريقة أخرى؟ ربما، فلو التزمت أمريكا بالحفاظ على وجود قليل وبقاء طويل في البلاد، أي قوات لمكافحة الإرهاب ودعم القوات الأمريكية ومساعدة مالية طويلة الأمد، لكانت قد زادت من معنويات الحكومة والقوات الأفغانية، ولعطل على خطط طالبان أنها تستطيع الانتظار حتى خروج الأمريكيين، وهو ما فعلته. وقد فعل بايدن ما شغل كل رئيس قبله لكن النتيجة المحتملة هو انزلاق أفغانستان إلى حرب أهلية وتحول البلد إلى ملجأ لكل جماعة جهادية في العالم.
*(أمريكا وإسرائيل وروسيا) هم أشرار العالم
بامتياز.
حسبنا الله ونعم الوكيل فيهم.
نفس سيناريو العراق سيتم إعادته مره ثانيه