منذ بداية الوعي بالخدمات الهائلة التي تقدمها التكنولوجيا إلى الإنسان، تم التركيز ـ على الأقل في تجربة الاهتمام العربي- على الحرية، باعتبارها أهم خدمة تمنحها التكنولوجيا إلى الفرد العربي. إذ، تسمح له بالتعبير متى شاء، وكيف رغب، وعن أي شيء.
أسهم مفهوم دمقرطة المعلومة تكنولوجيا في توفير شرط انتشارها، بل تيسير الوصول إليها، وجعلها مُتاحة بكل الوسائط، وأمام كل الفئات والأعمار، ولأن التكنولوجيا كريمة إلى حد بعيد في ضخ المعلومة، وتمكين الأفراد منها، فقد أنشأت حالة من الثقة في النفس، أو استعادة الثقة التي دمرتها الرقابة في السياسات العربية. تسهيل مهمة استرجاع الثقة، والانخراط في زمن المعلومة، والانتقال من موقع المُستقبِل إلى موقع المُنتج، مفاهيم رافقت منطق اشتغال التكنولوجيا، مثل: اقتسام المعلومة، والشراكة في توزيعها، وسمحت التطبيقات التكنولوجية بتطبيق هذين المفهومين، بدون المرور من التكوين أو التعلم والتدرب. يكفي أن تتعرف على تطبيقٍ وتستعمله حتى تجد نفسك مُطبقا ومشاركا ومُقتسما ما تتوصل به. إلى هنا، تبدو العلاقة مع الخدمات التكنولوجية مُدهشة، بل علاقة ممكنة، ولا تحتاج إلى جهد أو تكوين، على الأقل، في مستوى العلاقة مع التطبيقات والمواقع الاجتماعية، لكن العلاقة عندما تُفرغ الخدمات التكنولوجية من الهدف الإنساني، وتُحول الحرية إلى فوضى، والإنسان إلى موضوعٍ لمعلومات مُفبركة، واقتسام المعلومة إلى لعبة خبيثة، تتقاذفها التطبيقات خارج الوعي بصحتها، فإن العلاقة تتحول إلى سؤالٍ جوهري حول المحتوى الذي يتم تناقله، وتبادله واقتسامه. ولهذا، يحق لنا طرح الأسئلة التالية: ما هي طبيعة المحتوى التكنولوجي في الاستعمال العربي؟ هل يمتلك المُستعمِل التكنولوجي وعيا بمفهوم المحتوى؟ ما هي علاقته بالمعلومة التي تصله عبر التطبيقات والمواقع الاجتماعية؟ كيف يتدبر استقبالها؟ كيف يُمكن قياس تحول وعي الأفراد من خلال علاقتهم بالخدمات التكنولوجية؟ هل تُرافق عملية الاستعمال التكنولوجي حصانة ثقافية واجتماعية ونفسية؟ هل يمكن الحديث عن تطور وعي الأفراد في المجتمعات العربية؟ كيف يمكن قراءة هذا الوعي؟ هل انتقل الوعي إلى مرحلة ناضجة؟ أم هناك انتكاسة؟ وإلى أي حد يمكن الحديث عن تحول اجتماعي ينقل المجتمعات العربية إلى حالة تاريخية أكثر إنتاجا، واستثمارا للتطور التكنولوجي؟
إلى أي حد يمكن الحديث عن تحول اجتماعي ينقل المجتمعات العربية إلى حالة تاريخية أكثر إنتاجا، واستثمارا للتطور التكنولوجي؟
تُشكل هذه الأسئلة مداخل لتحليل العلاقة بالخدمات التكنولوجية، وكيفية تدبيرها في التجارب العربية، ومحور أبحاث علمية وسوسيولوجية ونفسية وثقافية، على الفكر والإبداع العربيين أن يشتغل عليها. للاقتراب من بعض هذه الأسئلة، يكفي تأمل مشهد الممارسة التكنولوجية في التطبيقات والمواقع الاجتماعية والإعلام الإلكتروني، لنُسجل هيمنة مظاهر عديدة، تعكس ظواهر خطيرة، بشأن ضرب القيم، وإفراغ الشيء من قيمته، وتجريد الإنسان من إنسانيته، والرفع من الابتذال، وجعله مطلوبا، ومن التفاهة وتحويلها نجمة. ومنح الصوت لفاقده، وفبركة نجوم، وبمقابل هذا النوع من الهيمنة، يخفت صوت العقل والموهبة والحكمة، بل يُصبح العقلُ عارا على حاملِه، والموهبة عبئا في غياب الصورة، والحكمة ضبابٌ قاتلٌ.
نختار من هذه المظاهر العديدة مظهرين، لكونهما يُؤشران إلى انزياحٍ خطيرٍ عن مكتسبات نضال الشعوب في تأمين كرامتها الإنسانية. يتعلق الأمر من جهة بهيمنة خطاب العنف اللغوي الذي بات صلة الوصل بين ناس التطبيقات والمواقع الاجتماعية، وخطاب تحرير الإعلام الإلكتروني، بل لم تنج من هذا الخطاب حتى المؤسسات الثقافية والتعليمية والتربوية والسياسية، من خلال البحث عن أقصى درجات العري في اللغة، لجعلها ناسفة لكل تواصل إنساني يعتمد احترام الآخر، وحماية ضعفه، ورأيه بقبول الاختلاف واللجوء إلى الإعلاء من خطاب الشتم والسب والتحريض، وتوريط اللغة في حالة هستيرية، من مفردات وتراكيب وتعبيرات تخدش ألقها التاريخي، وتجعلها ماكرة، ولعنة ومُدمرة لدفء العلاقة الإنسانية، بل مُحرضة على اللاتواصل، وعوض حث اللغة على بناء حوار فاعلٍ بين المتكلمين، بموجب منطق الخدمات التكنولوجية المُحفزة على التفاعل والتواصل، باقتسام المعلومة وتبادل الخبرة، من أجل حياة أفضل للمجتمعات الإنسانية، يتم تجريد اللغة من قيمها ورونقها، والزج بها في التعبير العنيف. اللغة مدخلٌ جوهري لبناء التواصل السليم، متى تم توريطها في لعبة العنف، فإنها تُدمر جوهر الإنسان، عندما تجعله باردا وقاسيا وعنيفا. ومن جهة أخرى، بتنا نلاحظ – خاصة مع بعض منابر الإعلام الإلكتروني- ظاهرة تبخيس إنسانية الإنسان، واللهاث وراء تحقيق البوز، وإن كان الثمن ضرب ذاكرة، أو قيمة. ولعل ما حدث مع البطل المغربي العالمي سعيد عويطة مؤخرا، بتحويل وضعية اجتماعية أسرية خاصة، إلى وضعية إعلامية مُبتذلة، حولته من بطلٍ قهر المسافات بخطواته التي حطمت الأرقام، في ألعاب القوى العالمية، ومثلٍ للنجاح المُستحق، ونموذجٍ للتحدي والوصول، إلى متهمٍ بدون تهمة، ومُدافعٍ عن قضية ليست قضية، والزج به في حالة إعلامية إلكترونية، تخلت عن البطولة في المسافات، وأجبرته على الخضوع إلى لعبة البطولة الجديدة التي تقتات من ثقافة البوز، وتلهث وراء جمع اللايكات، بخدش اللغة، والبطولة والذاكرة، وجوهر المعنى، عوض إحياء سعيد عويطة في المساحات التكنولوجية، وتقديمه نموذجا يُحتذى به، من قبل الشباب، في معنى البطولة الحقيقية التي جعلت عويطة يُحطم عام 1984، رقما قياسيا لمسافة 5 آلاف متر في ألعاب القوى العالمية، وهو رقم صمد أكثر من عقدين من الزمن، وبطلا عالميا عام 1987، وسُمي أول قطار سريع في المغرب باسمه، وعندما اعتزل عام 1991، أكمل مساره العلمي، وتابع دراسته في جامعة فينيكس في ولاية أريزونا في الولايات المتحدة الأمريكية، وحصل على البكالوريوس والماجستير في إدارة الأعمال.. وربط الأجيال الحالية بذاكرة الانتصار، ومعنى التحدي، وقوة الأمل الذي بات يُغادر الشباب، ويتركهم فريسة للفراغ المفتوح على كل الاحتمالات، والتذكير بعويطة العداء المغربي، الذي كسر الهيمنة البريطانية على مسافات 1500 و2000 و3000 و5000 متر والميل المزدوج.
جاءت الثورة الصناعية بإمكانيات هائلة لدعم الفرد، وجعله يعمل وينتج، وغيرت حياته وتفكيره، ووضعت أمامه المصنع لكي يعمل، ويثبت ذاته كائنا قادرا على الإنتاج.
إنه واقعٌ يدعو إلى يقظة ثقافية وفلسفية، مثلما أنجزها شارلي شابلن في أزمنته الحديثة. فقد استطاع شارلي شابلن أن يُلخص أزمة الإنسان مع الآلة في المجتمع الصناعي في عمله الإبداعي التاريخي «الأزمة الحديثة» سنة 1936. كان شابلن مُبدع الرؤية كتابة وإخراجا وإنتاجا. واستطاعت «الأزمنة الحديثة» أن تكون صرخة في وجه النظام الصناعي الذي حوَل الإنسان إلى آلة، وأنتج مفهوما جرَد الإنسان من إنسانيته وهو «مكننة الإنسان»، وهو المفهوم الذي عبَرت عنه الرواية أيضا بـ«البطل الإشكالي».
جاءت الثورة الصناعية بإمكانيات هائلة لدعم الفرد، وجعله يعمل وينتج، وغيرت حياته وتفكيره، ووضعت أمامه المصنع لكي يعمل، ويثبت ذاته كائنا قادرا على الإنتاج، ومنحته بطولة زمنه ضميرا كائنا بذاته ولذاته، بعدما كان مُغيبا في العصور الوسطى، خاضعا لهيمنة الكنيسة، وكان عقله خاضعا للوصاية، هذه الثورة التي جعلت الفرد بطل عصره، ورطت بطولته في إشكالية، عندما حولت الإنسان إلى شيء وآلة، وجعلته بطلا إشكاليا، بطلا وفي الوقت ذاته إشكالية. ولعل شارلي شابلن أبدع في أزمنته الحديثة في تشخيص البطولة الإشكالية، بطريقة ساخرة لمنطق الآلة التي من المفروض أن تخدم الإنسان، وتعمل على جودة حياته، تُحوله إلى عبدٍ لها، وتُجرد جوهر إنسانيته. إننا نعيش المأساة نفسها، في ما يخص علاقة تدبير التكنولوجيا. فهل يمكن الحديث عن مفهوم «الذاكرة اللاتواصلية» مع الثورة التكنولوجية، كما هو الشأن مع البطولة الإشكالية والثورة الصناعية؟ ألا نحتاج إلى فلسفة تُرافق هذه العلاقة، وإلى إبداعات تُعبر عن هذه الازدواجية القاتلة بين توفر الإنسان على وسائط التواصل، والعمل على تدمير الآخر والذاكرة؟ ألا نحتاج إلى عبقرية شارلي شابلن في الأزمنة التكنولوجية؟
٭ روائية وناقدة مغربية
مقال واع بمسألة الازمنة التكنولوجية في بيئة تتسيد فيها الامية
–
صحيح سيدة زهور ان التكنولوجيا كريمة إلى حد بعيد في ضخ المعلومة،
–
وتمكيننا منها فلولاها مثلا لما علمت ان شارلي شابلن ذلك العبقري
–
السنمائي صاحب روائع ك Modern Times قد ابدع في المجال الموسيقي ايصا
–
كتابتا و لحنا و انجز اغنية من اروع ما ابدع ادتها المطربة Petula Clark بعنوان
–
This Is My Song شالري شابلن اذا يبقى سيد الازمنة الابداعية بلا منازع
–
تحياتي
من وجهة نظري طريقة صياغة مقال د زهور كرام عنوان (شارلي شابلن والأزمنة التكنولوجية) وما تم كتابته تحته، يوضح حقيقة درجة ومستوى تغريب ثقافة المثقف والأكاديمي في دولة الحداثة، في أجواء العولمة والإقتصاد الإلكتروني.
ومن وجهة نظري أجمل ما في لغة الإسلام، لمعنى ودور الإنسان في الحياة، هو مسؤولية السعي فقط، لإجابة سؤال اليوم.
وتبين لي أن الإشكالية تبدأ، عندما يظن أن له يد في النتائج، فتقلب حياته وسعادته وأسرته وشركته رأسا على عقب.
ولذلك كان عنوان د سعيد يقطين بالأمس رائع (الوحدة العربية الرقمية)، لماذا؟
لأن تدوين لغة التقنية، فرضت الوحدة اللغوية، رغم وجود حدود سايكس وبيكو على أرض الواقع،
فلسان المجتمع شيء، ولغة المهنة شيء آخر، ومفهوم التدوين في أجواء العولمة والإقتصاد الإلكتروني ثبت أنه شيء ثالث،
وهذا ما لاحظت يجهله كل دارسي اللغات والترجمة، وفق مناهج التعليم الأوربية لدولة الحداثة.
ولذلك في أجواء العولمة والإقتصاد الإلكتروني، لو أرادت أي دولة الإنتقال من الإقتصاد الورقي/التقليدي إلى الإقتصاد الإليكتروني،
عليها توفير خمسة أشياء حسب مقترحات صندوق النقد والبنك الدولي ومعهد الحوكمة الكندي، لو أرادت حوكمة الحكومة الإليكترونية بطريقة صحيحة حسب مقررات المؤتمر الدولي الذي أقيم يومي 24 و 25 من الشهر الأول عام 2018 في بغداد وهي:
الشفافية،
واللامركزية،
والحاضنة التقنية للموظف المبادر بأتمتة الوظيفة،
والحوكمة الرشيدة،
وحق تعليم لغات الأقليات نفس حقوق تعليم اللغة الأم في الدولة.
نحن بأم الشركات (مشروع صالح التايواني) نعرض نموذج عملي للتطبيق، لمن يرغب في طرد شبح الإفلاس الإقتصادي عن دولته،
وفق ثلاث شرائح لتقسيم الأسهم، 40٪ للقطاع العام (كسوق)، 40٪ للقطاع الخاص (كمستثمر)، 20٪ لثلاثة أطراف (الموظف المبادر، صاحب التقنية المطوعة، المسوّق المحلي المسؤول عن الصيانة وجودة الخدمة).
يؤكد ‘هايدغر’ أننا عندما نعتبر “التقنية بمثابة شيء حيادي نكون عندئذ قد استسلمنا لها وبأسوأ الأشكال” لأن هذا التصور -الأداتي- الذي حظي اليوم باهتمام خاص يجعلنا متناسيين تماما لماهية التقنية وبأنها ليست شيئا محايدا بالمطلق بل نوع من الانكشاف أو ‘التحريض’ Provocation ، بحيث تصبح الاختراعات التي تصورها المقاربة الأداتية على أنها تمظهرات للابتكار أو التغيير التكنولوجي، لدى أنصار المقاربة الماهوية أو الجوهرانية ضرب من الاسترسال والتمادي للمسار الأساس الذي اتخذه المجتمع التكنولوجي راهنا، ومثال ذلك أن تسللت تكنولوجيا المعلومات والبرمجة الحاسوبية إلى قلب المجتمع الإنساني، الأمر الذي مكنها من إعادة تشكيل أنساقه ونظمه الاجتماعية، بحيث أصبحت الناطق باسم أفكاره وإيديولوجياته، وتحول الإنسان من داخل تطبيقاتها التكنولوجية هوية وبرنامجا رقميا، مجسدا كينونته وتصوراته افتراضيا عبر بتات رقمي الصفر والواحد.