يعد “الغرافيتي” أو ما يطلق عليه فن الجداريات، واحدا من أهم الفنون التشكيلية في قطاع غزة وأكثرها شيوعاً، وبات أحد وسائل الفنانين في التعبير عما يجول في خواطرهم، ويستخدمونها بحرفية لمحاكاة الواقع وإيصال الرسائل التي يرغبون في نقلها إلى الناس، ولاقى هذا الأسلوب الفني انتشارا ورواجا بين جيل الشباب، وتميز بقدرته على تحويل المظاهر السلبية إلى لوحات بديعة وخلابة، فلم يعد يخلو شارع أو حي أو مخيم خاصة الأماكن العامة من ذلك الفن الذي يجسد الحالة الوطنية تارة من خلال الترويج للمناسبات الوطنية، وأخرى يحارب ظواهر مجتمعية مرفوضة يعاني منها الشباب الذين رأوا من خلال وقوفهم أمام الجدران الصامتة والتعبير بالريشة والألوان الزاهية عن مأساتهم، مخرجا وحيدا يمكن من خلاله أن يعكس للمارة وخاصة من هم أصحاب القرار، هموم الشباب وما يعانيه من أزمات طال أمدها بفعل الحصار الجائر.
ميناء غزة البحري أكثر الأماكن ازدحاماً بالزوار، ويتخذ الغزيون من هذا المكان الساحلي المتنفس الوحيد لقضاء أوقات فراغهم وتفريغ همومهم، وأثناء التجوال فيه ترافقك اللوحات الفنية التي يرسمها الشباب على جدران غرف الصيادين، وأخرى على القوالب الأسمنتية الكاسرة للموج حيث تختلف كل صورة عن غيرها، وكل لوحة يخاطب من خلالها الرسام المارة وعابري الطريق.
بجهد ومثابرة يقف الفنان التشكيلي صالح الهندي 28 عاماً أمام أحد الجدران الصامتة داخل ميناء غزة، يقتص بريشته مساحة يستعد لطلائها باللون الأبيض للبدء بنقش جداريته الخاصة وهي السابعة له، وقد عبر في الجداريات السابقة عن بعض من مشاكله الحياتية، بالإضافة إلى القضايا السياسية ومنها الانقسام.
يقول لـ”القدس العربي”: “إن فن الغرافيتي متمرد وخارج على القانون، ويمنح الفنان مساحة حرة للتعبير والإبداع، فالجدران لا تحصره في أمتار محددة ما يعني أنه يرسم بأبعاد حرة حسب المشهد المراد رسمه، كما أن له الحرية في اختيار الجدران المناسبة للعمل حسب موقعها من الجمهور المستهدف.
ويرى أن الغرافيتي هو أكثر الوسائل الفنية قربا إلى الجمهور، لكونه يستهدف جميع شرائح المجتمع، ويساعد على نشر الثقافة في أوساطه علاوة على رفع الذائقة الفنية لأبناء المجتمع، فهو يجعل الجميع يشاهد رسالة الفنان بشكل مباشر، لا يحتاج إلى وسيط أو تكاليف باهظة لاعتماده على أدوات بسيطة.
وحول طبيعة القضايا التي تناولتها لوحات الفنان، أشار إلى أن رسالته تركزت على إبراز واقع الشباب المأساوي، والذي يتخرج من دراسته الجامعية دون إيجاد فرصة عمل تؤمن له مستقبلا أمنا، بالإضافة إلى أن بعض اللوحات تطرقت إلى هجرة الشباب وركوب قوارب الموت نحو أوروبا.
أما الفنانة التشكيلية عفاف درويش، فتصف الجداريات بالوجه الحضاري الجميل للمدينة، فكثير من الجدران تكاد تنطق وتشكو مما أصابها من إهمال وقلة اهتمام، وحين يصلها الفنانون يعيدون لها الحياة والرونق.
وتقول لـ”القدس العربي”: “إن هذا النوع من الفن شق طريقه بقوة في غزة” ومن وجهة نظرها يعود ذلك إلى عدة عوامل أهمها أزمة الكهرباء التي حالت دون وجود لوحات إعلانية مضيئة، إضافة إلى أن الجدران تشكل مساحات كبيرة ومهمة وفي مناطق مزدحمة، فكان التفكير الجدي باستثمارها كخطوة لتجميل الطرقات.
وأشارت إلى أن الانتقاء الجيد للألوان من أهم عوامل لفت الانتباه للجدارية لذلك يجب على الفنان الحرص على رسم الجدارية بصورة مبدئية على ورقة ويجري توزيع الألوان والعناصر الثقيلة بناء على مكانها وحركة المارة، مع مراعاة عوامل تطرأ خلال العمل كي تخرج اللوحة بجمالها المؤثر.
إلا أن ثمة معيقات تواجه الفنانين ومنها السخرية وسماع الألفاظ النابية، ما ينعكس سلباً على الفنان الذي يحتاج إلى التركيز والبعد عن الضوضاء، والإحساس بأهمية لوحته الفنية.