شبه الهلال العراقي

حجم الخط
1

بقوة اقول هكذا، في غضون بضعة اشهر سنجد أنفسنا امام ‘شبه هلال عراقي’: الفوضى الفتاكة السائدة منذ عقد في العراق وسنتين في سورية ستنتقل الى لبنان، والثمن، وكيف لا، ستدفعه اسرائيل ايضا. منذ اجتاحت الولايات المتحدة العراق في 2003 قتل هناك في احداث العنف مئات الالاف من الاشخاص، وتتراوح التقديرات بين 200 الف واكثر من مليون(!) قتيل، اغلبيتهم الساحقة مدنيون، والوضع لم يهدأ حقا، شهر ايار/مايو الماضي كان فتاكا على نحو خاص، فقد أحصت مصادر في الامم المتحدة ما لا يقل عن 1045 قتيلا في شهر واحد.
الوضع الذي يتشكل منه المعمعان العراقي هو حكم مركزي ضعيف، موضع خلاف وغير ناجع؛ اغلبية شيعية تمسك بالحكم بصعوبة؛ اقلية سنية مهمة تشعر بانهم سرقوا منها الحكم؛ اقلية كردية تتطلع الى توسيع استقلالها على حساب الحكم المركزي؛ محافل جهادية عالمية، ‘القاعدة’ ومنظمات شقيقة من الناحية الايديولوجية تتدفق الى العراق من دون توقف؛ خلف الكواليس، وعميقا في المعمعان ـ الجار والعدو القديم ايران؛ متدخلون أجانب آخرون ـ قوة عظمى واحدة، الولايات المتحدة، وجهات عربية وغربية، كل العناصر تخلق رد فعل لا يتوقف في كل مرة يضعف فيها لهيبه قليلا، تحرص واحدة من الجهات على أن تصب مزيدا من الزيت على الشعلة، كي ترفع مستوى اللهب من جديد.
كل هذه العناصر موجودة اليوم في سورية، 120 ألف قتيل حقا، هناك ايضا الحكم المركزي الشيعي (نوع منه) فقد السيطرة الناجعة على الدولة، والان يكافح في سبيل حياته، الى جانب النظام، على الملأ، صحيح حتى يوم امس، يقاتل رجال حزب الله، وميل واحد من الخلف في قناة رجال الحرس الثوري الايراني ممن يغذون الشعلة بمساعدة المقاتلين، بالسلاح والمال، ومقابلهم تقاتل محافل المعارضة السنية المحلية، ولكن هؤلاء اغرار صغار مقارنة بمحافل الجهاد العالمي السنة، من خريجي ساحات المعارك في العراق، اليمن، افغانستان وغيرها ممن يتدفقون الى داخل سورية ويشكلون لباب القوة العسكرية للثوار، والاكراد، الذين يحاولون هنا ايضا قضم سيادة النظام في مناطقه.
والشعلة تغذى ايضا من الخارج، مثلما في العراق، قوة عظمى واحدة، روسيا، وجهات عربية وغربية تدفع للثوار السلاح والمال الحيوي جدا، وحسب قرار الاتحاد الاوروبي سيزيدون اكثر فأكثر هذه المساعدة في الزمن القريب القادم، ما أن اضرمت الشعلة حتى باتت كل هذه المحافل موجودة وتقاتل، فانه من الصعب التوقع متى سيتوقف رد الفعل.
في لبنان توجد منذ الان تقريبا ذات العناصر، اغلبية سنية تسيطر سيطرة غير ناجعة، اقلية شيعية تملك قوة عسكرية لدولة متوسطة وتفرض نفسها على الباقي، تدخل ايراني حتى الرقبة، تاريخ من الحروب الاهلية الدامية لعشرات السنين وتدخل من خلف الكواليس لجهات عربية وغربية.
قرار نصرالله الاستراتيجي لان يشارك علانية الى جانب نظام الاسد سيضيف العناصر الناقصة وسيؤدي الى اضرام الشعلة (من جديد) في لبنان ايضا، فطالما كان يقاتل نصرالله الى جانب الاسد ليس بشكل علني ومعلن، استوعبت المحافل السنية تدخله ولم توجه النار اليه، ولكن في الايام الاخيرة تم اجتياز هذا الخط، ففي معارك القصير بدا وكأن حزب الله يقود المعركة، ونظام الاسد يقدم له الوسائل فقط، ان قرار نصرالله، الذي اسند بتصريحات علنية، جلبت عليه منذ الان نار الرد نحو معاقل حزب الله في البقاع، وفي الضاحية الجنوبية في بيروت، وبالتوازي اعلن الشيخ القرضاوي المفتي السني الابرز، فريضة القتال ضد حزب الله.
ولكن هذه مجرد البداية، فليس هناك بين سورية ولبنان حدود عملية، وعبور المقاتلين بين الدولتين لا يمكن منعه، ما أن اصبحت منظمة حزب الله لاعبا علنيا وكاملا في مواجهة المعارضة السورية ومحافل الجهاد التي تساندها، فانهم سيطاردونه في قواعده، في لبنان، وهكذا تضرم مرة اخرى الشعلة اللبنانية، واللهيب المستتر على مدى السنين تحت السطح سينفجر لهبا حارقا، وفي غضون اسابيع حتى اشهر هناك ايضا سنجد انفسنا امام حرب الجميع ضد الجميع، مع كل العناصر المعروفة من الساحات الاخرى، والمشكلة كبيرة، وهكذا سينشأ ‘شبه هلال عراقي’ من جبهة واحدة طويلة بين تلك القوى ذاتها، ومع التدفق الحر للقوات والوسائل بين الساحات، واسرائيل؟ لا بد سيأتي اليوم الذي تشتاق فيه الى الوضع الذي كان فيه في لبنان عنوان، حتى وان كان هذا العنوان هو حزب الله.

شوكي فريدمان
معاريف 5/6/2013

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سارة عبد علي:

    اقل ما يقال عن هذا التحليل انه واقعي جداً , لكنه في ذات الوقت ناقص جداً , لقد كان من المفروض ان يبين الكاتب دور امريكا واسرائيل في دفع الاحداث الى الحد الذي وصلت اليه , لقد حسمت دول الغرب الموقف في العراق وليبيا وتونس ومصر , فلماذا تركت الموقف في سوريا ليصل الى هذا الحد ؟ هل حقاً ان موقف بشار الداخلي هو افضل مما كان عليه صدام حسين او حسني مبارك او القذافي او حتى بن علي ؟ النقطة الثانية هي ان العنوان سوف لن يكون حزب الله بل شيعة ولي الفقيه .

إشترك في قائمتنا البريدية