«سلطانة القاهرة» لديما دروبي..شجرة الدر تظهر ثانية

حجم الخط
0

مع رواية ديما دروبي بات، يمكن لشجر الدر، أو شجرة الدر، بحسب تسمية أخرى، أن تحضر من دون الأساطير التي انتُسجت حولها. لقد اكتفت روائيّتنا من ذلك بوصف الجمال النادر لتلك المرأة التي كانت مرّة «سلطانة القاهرة».
صفحات كثيرة أطنبت في ذلك الوصف، وفي استعادته مرات بعد مرات. أما ما تعلّق بحياة تلك المرأة فاكتفت الدروبي بتفصيل عناوينها الكبرى التي منها زواجها، هي الجارية المجلوبة طفلة من السهوب القوقازية، من الملك الصالح الذي خلفته بعد وفاته لثمانين يوما أنهتها السلطة الدينية حيث لا يجوز أن تحكم امرأةٌ المسلمين. وهي لذلك اتخذت من القائد العسكري المملوكي أيبك زوجا تحكم في ظله، ليحاول بعد ذلك إبعادها، والزواج من سواها، وهذا ما دفعها لقتله انتقاما ليبدأ، في الرواية، انهيارُها بعد تكتل القوى المؤثرة ضدها.
ذلك التاريخ، الخاص بتلك المرحلة التي اتسمت بمواجهة الحملات الصليبية، وتنازع الأمراء والقواد على تنازع السلطة، وصراعات النساء العنيفة التي تمثلت بذلك التنازع الضاري بين شجرة الدر و«أم علي» زوجة أيبك الأولى، وكذلك انتقال الملك من الأيوبيين إلى المماليك… ذلك التاريخ إذن المعقدة أحداثه والمتداخلة، سعت الكاتبة إلى ترتيبه عبر تقسيمه إلى عناوين تسهّل مجرى السرد، مع أنها عمدت إلى التنقل في الزمن، فبدأت من وقت لاحق ثم رجعت إلى ما قبله لتعود إليه مرّة، بل مرات، أخرى. وإذ بدا أن حدثا مهما لم يندرج في ذلك التسلسل، مثل نزاعها مع توران شاه الذي تولى العرش مخلفا أبيه، عوّضت عن إغفاله بفتح صفحة خاصة له مستقلة ومنقطعة عن السياق العام للرواية.

حاولت ديما دروبي إذن أن تكتب سيرة متسقة ومفهومة لتلك المرأة الاستثنائية في التاريخ الإسلامي. ولم تأت بجديد في ما خصّ استعادة ذلك التاريخ، بل أكثر ما قامت به هو إعادة التذكير بشجرة الدر وزمنها.

حاولت ديما دروبي إذن أن تكتب سيرة متسقة ومفهومة لتلك المرأة الاستثنائية في التاريخ الإسلامي. ولم تأت بجديد في ما خصّ استعادة ذلك التاريخ، بل أكثر ما قامت به هو إعادة التذكير بشجرة الدر وزمنها. وهذا ما تكرّرت العودة إليه من قبل مع كتّاب وفنانين ومعدي مسلسلات تلفزيونية وسينمائيين (في 1935 أدت آسيا داغر دور البطولة في الفيلم الذي حمل عنوان «شجرة الدر»، كما أدت تحية كاريوكا ذلك الدور في فيلم «وا إسلاماه» الذي أنتج في 1962).
ولنضف إلى ذلك، وهو الأهم، حضور السلطانة شجرة الدر في الوعي الشعبي والأسطوري العربي. في الزمن الذي كانت فيه كتب السير الشعبية هي المتداولة، قراءة وشفاهة، كانت هذه المرأة حاضرة في تلك الثقافة الشائعة حضور هارون الرشيد مثلا. وفي سيرة الظاهر بيبرس التي تمثّل مع سيرة عنترة، سواء بسواء، المرجع السردي والفانتازي للمخيلة العربية ولعمل الحكواتية، جرت إعادة تخيل شخصية شجرة الدر، بما يناسب معتقدات سامعي السير ورغباتهم. ففي سيرة الملك الظاهر»بيبرس»، وهو كان في الأصل أحد قوادها المخلصين، تُخرَج من كونها جارية لتصير ابنة ملك. أما اسمها (شجرة الدر) فلم يطلقه عليها زوجها الملك الصالح الذي رأى في جمالها دررا متجمعة، كما في الرواية، بل أطلقه، بحسب السيرة الشعبية، والدها الذي رآها متزينة كلها بالدرر فبدت مثل شجرة مضيئة.
إذن، لقد أُرجعت تلك المرأة الخالدة إلى سياق سردي مدرسي. توقفت الرواية عند المفاصل الحاسمة من حياتها، وكان دأبها في أثناء ذلك وصف مشاعر السلطانة، والإسهاب بها، إزاء المحطات الأخيرة من حياتها على وجه التخصيص. هذه المشاعر المضافة تبدو أقرب إلى إنشاء سابق متكرّر، تماما مثل ذلك الوصف للجَمال الذي قرأناه في الأجزاء الأولى من الرواية. وعلى أي حال، ينجّي هذا الإنشاء من البحث عن لغة للمشاعر المعقدة التي تعيشها امرأة مثل شجرة الدر في انهيارها المتصل الذي بدأ مع قتلها لزوجها أيبك، وتدرّجَ بها حتى موتها منتحرة في سجنها.
يتساءل قارئ الرواية إن كان لامرأة مكتملة الأوصاف، بلا شائبة، أن تكون بطلةً لرواية، إن حافظت بطلتنا هذه على رشدها وكرامتها وبطولتها طيلة الفترة التي انتهت بانتحارها، ماذا ستفعل الرواية غير الوصف المحتفِل بموضوعه. لا يحسن بنا أن نتدخل بين الكاتبة وموضوعها، لكن ألم يكن أدعى إلى إعمال التخيل والبحث عن المعنى، وهذا ما قام فن الرواية من أجله، عبر تكوين رؤية خاصة عن حياة تلك المرأة؟
ربما كانت شخصية توران شاه، الوارد ذكره أعلاه، أجدى لبطولة روائية. ليس لأنه مات الميتات الثلاثة كلها، إذ قتل بالنشاب وأغرق وأحرق على يد المماليك البحرية، بل لأنه كان نزقا مجدّفا وغارقا في طيشه ولهوه وكان ملكا أو وريث ملك رغم ذلك، أي أنه، هو آخر حاكم في سلالة المماليك، يصح أن يكون بطلا لصعوبة إدراجه في أي وصف مفهوم.
*»سلطانة القاهرة» رواية ديما دروبي صدرت عن دار نوفل بعد أن نقلها إلى العربية أدونيس سالفي 332 صفحة- 2017.

٭ روائي لبناني

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية