لم نكذب بالضبط
ترتفع ‘شجرة رئيس الوزراء’ الآن الى ارتفاع ثلاثة طوابق أو اربعة، وقد بني بالقرب منها منتدى عوفره الذي يدرس فيه نحو من ألف بنت من المنطقة كلها. إن قمة الشجرة تلقي بظلها على مدرسة داخلية كبيرة وبني الى الجنوب منها غرفة طعام ضخمة تستعمل قاعة أفراح ايضا. ويحرص مدير صيانة المدرسة الداخلية هيلل تييري على تقليم اغصانها والعناية بها كما تستحق هدية خلفتها شخصية رفيعة المستوى.
والمستوطنة التي غرست فيها الشجرة مدينة بميلادها لشمعون بيرس، كالشجرة ايضا. فقد أعطى وزير الدفاع آنذاك رخصة نادرة لانشاء عوفره وأطلق بيديه كما يرى كثيرون طلقة البدء لعملية استيطان استمرت الى اليوم. ويقول عتصيون: ‘إن بيرس هو أبو عوفره من جوانب كثيرة؛ بافعاله وباخفاقاته الايجابية. إن عوفره كلها قامت على البحث عن نافذة أو فقاعة في نضال الاستيطان. وكان الواقع أنه لم توجد مستوطنات في ظهر الجبل وما أُنشيء أزيل فورا فأعطى بيرس الموافقة الاولى’.
إن عتصيون وهو في الثانية والستين من عمره يسكن في أهم شارع في عوفره، وهو التاسع من أيار المسمى باسم تاريخ انشائها. في ذلك اليوم في 20 نيسان 1975 نزلت مجموعة نشطاء من قاعدة الجيش الاسرائيلي في جبل باعل حتسور نحو القدس. وكانت ‘قوة يهودا عتصيون’ عددها 15 شخصا والتقت بـ 15 عضوا من ‘قوة بنحاس فالرشتاين’ عند أبواب المعسكر الاردني المهجور ‘معسكر عين يبرود’. وفي مقابل ذلك دخل قاعدة الكرياه حنان بورات الذي كان آنذاك فاعلا ميدانيا نشيطا وطلب أن يرى وزير الدفاع فورا، وقال له الآن بالضبط يدخل رفاق الى قاعدة عسكرية خالية بالقرب من باعل حتسور، فيحسن في هذه المرة ألا يبعدوهم وإلا فان طنجرة الضغط هذه ستنفجر.
جاء بورات مع تكتيك واضح، فقد قال لبيرس إنه لا حاجة الى أن يسمى ما حدث انشاء مستوطنة. وبين له أن هذا معسكر عمال فيه عمال فدعهم ينامون.
‘كان الامر كله يقوم على أن ينجح حنان في ‘طبخ’ بيرس والحصول على موافقة منه’، يتذكر عتصيون. ‘كان يفترض أن يجعل بيرس يعاملنا في هذه المرة بخلاف معاملته لبذور اخرى كنسها الجيش من الارض. وكان لحنان بطاقة مفتوحة في كل مكتب، فأنا لا أتذكر مرة أراد فيها أن يلقى بيرس ولم ينجح في ذلك. لكن بيرس حتى ذلك الحين كان يقول له دائما لا، وبين له قائلا: عندنا خطط استيطان منظمة فلا تشوشوا علينا’.
وفي ذلك اليوم تردد بيرس لأنه يبدو أنه أدرك أن الموافقة على المبيت قد تطول عشرات السنين كما حدث في الحقيقة. لكنه أعطى الموافقة لسبب ما ربما بسبب السحر الشخصي لبورات وربما لرغبته في أن يخز شيئا ما خصمه السياسي اسحق رابين. ويروي شيوخ عوفره أن الحاكم العسكري موشيه فلدمان تلقى أمرا يقول: ‘لا تساعد ولا تعيق’، ولم يكن المستوطنون محتاجين الى أكثر من ذلك. وهكذا ولدت في واقع الامر المستوطنات في ظهر الجبل. ‘ومنذ ذلك الوقت فما بعد اعتدنا أن نقول إن بيرس معنا’، يقول عتصيون في فخر. ‘لا يعني ذلك بالضبط أننا كذبنا عليه فقد تركنا في الحقيقة مدة سنوات على الباب لافتة ‘معسكر عمال عوفره’ ‘، يقول ويغمز في سعادة وكأن ذلك حدث أمس.
ويقول بنحاس فالرشتاين الذي أصبح بعد ذلك واحدا من قادة المستوطنين إنه لم يتضح له الى الآن ما الذي جعل بيرس يرد على الغمزة بغمزة. ‘لا أعلم الى الآن هل وافق على عوفره لأنه أحب المستوطنة أو ليضرب رابين’، يكشف. ‘لكن كانت لنا قناة اتصال واضحة به وأردت الوصول الى رابين بعد شهر من مجيئنا الى الارض. قال لي رئيس ديوان رئيس الوزراء ايلي مزراحي: ‘إسمع، أنتم طفل بيرس. فاذا كنتم تعتقدون أنه فعل ذلك لاجلكم فأنتم مخطئون. إنه فعل ذلك كي يضر برابين ولا تدخل هذا المبنى بعد الآن’.
نعم في بروكلن ولا في السامرة
إن قصة الحب بين بيرس والمستوطنين استمرت ايضا حينما تأسست عوفره. بعد وقت قصير من انشاء المستوطنة جاء الى هناك عضو كنيست شاب اسمه يوسي سريد مصحوبا بثلة من المصورين وطلب اخلاءها فورا. ورد عليه بيرس بنقاش خاص في الكنيست: ‘لن أحجم لحظة واحدة حينما توجد الوسائل لذلك أو حينما ينشأ امكان إتيان الحكومة في وضح النهار وبلا نفاق باقتراح لانشاء نقطة ثابتة هناك’.
ولم ينس وزير الدفاع أن يخز رئيس الوزراء من فوق منصة الكنيست وبين أنه شاور ‘من اعتقدت أن علي مشاورته’ وحصل على موافقة ‘من يجب الحصول عليها منه’. وليس واضحا الى اليوم من الذي قصده، ولم يكشف للمقربين منه في هذا الاسبوع ايضا من الذي وافق على ذلك إن وجد أصلا. ونقول بالمناسبة انه في ذلك النقاش في الكنيست احتج عضو الكنيست اهود اولمرت على أنه لم يُرتب حتى ذلك الحين تزويد سكان عوفره بالكهرباء والماء وحظي بتأييد صديقه ايتان لفني، والد مجرية التفاوض مع الفلسطينيين اليوم.
وواصل بيرس العلاقة الغرامية حينما سمى أناس ‘غوش ايمونيم’ ‘فخر الاستيطان الاسرائيلي’، وتساءل في نقاش حكومي في بداية 1976: ‘لماذا يجوز لليهود أن يسكنوا في بروكلن وتورنتو ولا يجوز لهم أن يسكنوا في السامرة؟’. وعلى إثر تصريحاته واعماله عرفه امنون روبنشتاين بعد ذلك بأنه ‘عراب ومرضعة ‘غوش ايمونيم’، وهو أحد ممثلي الدعم العلماني لهذا الجسم’.
منذ ذلك الحين تزحزحت مواقف بيرس وهناك من يزعمون أن الشجرة تزحزحت ايضا. في نهاية 2012 اجاء ليقابل الرئيس السير ديفيد فروست وهو أديب ورجل اعلام بريطاني، وطلب فريق تصويره زيارة عوفره لتصوير شجرة السرو. وفي الاستعداد للزيارة أجرت مديرة ارشيف المستوطنة، حمدات شني، تحقيقا عميقا كشف عن تفصيل محرج شيئا ما وهو أن الشجرة التي غرسها بيرس يبدو أنها أُخرجت من التراب بعد سنوات معدودات حينما قررت المدرسة الداخلية المجاورة أن تبني مدارس داخلية جديدة. ‘اقتلعت منذ زمن، ويبدو أن ذلك كان حينما لم أكن هنا’، زعم عتصيون هذا الاسبوع مشيرا الى فترة سجنه. وهذا ما زعمته ايضا معلمة الطبيعة القديمة ميخال كهانا التي التقينا معها هذا الاسبوع في ظل ‘شجرة رئيس الوزراء’.
لكن توجد رواية اخرى ايضا: فالباحث المحلي زئيف جابو ايرلخ الذي يسكن بالقرب من شجرة السرو أصر هذا الاسبوع بحماسة على أن الشجرة هي شجرة بيرس. وقال في شهادته: ‘في السنة الـ 18 لعوفره فحصت عن ذلك الموضوع فتبين أنها هي الشجرة بحسب الصور وبحسب المنطقة حولها. إسمع، يوجد بالقرب من الشجرة الاصلية درج كان يصعد الى مبنى كان هناك في منطقة بيت التسور بن نون. ونجحت بحسب الدرج في أن أحسب المكان وأنصب اللافتة’.
ومهما يكن الامر فانهم في الاحتفال على مرور 10 سنوات على نشوء عوفره دعا أهالي المستوطنة بيرس الذي كان رئيس الوزراء واهتموا بأن يغرس شجرة زيتون في مكان آمن في داخل المدرسة. وقد أصبح من الصعب اليوم تخيل هذا الوضع، فمنذ كان الغرس جرى ماء كثير بين بيرس والمستوطنين أو تسونامي ايديولوجي في الحقيقة، وتحول هذا السياسي الداهية من صقر الى حمامة سياسية. ‘أخذ يضعف رويدا رويدا’، يقول يهودا عتصيون ‘أمسكنا به قبل ذلك وهو على حدود الضعف. إن الانكسار الذي سببته حرب يوم الغفران اصاب رجال المعراخ بالتدريج وكان ما زال من الممكن أن تستخرج منهم اشياء مثل عوفره واتفاق سبسطيا. بمصالحة هنا أو هناك، وإن توجه بيرس الى اعطائنا مخرجا أنتج بعد ذلك مشروع الاستيطان وكان يوجد بيننا مدة سنين تقدير واعتراف بالجميل إن لم يكن حباً’.
ويبين المقربون من الرئيس أن اعتبارات انشاء عوفره كانت امنية. ‘قال وما زال يقول إنه كان الحديث عن خطوة مهمة للحفاظ على قاعدة باعل حتسور العسكرية المجاورة في صورة بؤر للشباب الطلائعيين وباجراء نبع من الرغبة في اسكان يهود حول القدس’، يقولون حوله. ‘اعتقد بيرس أنه لا توجد أية مشكلة في اسكان سكان قليلين يبلغون بضعة آلاف في يهودا والسامرة على هذه الصورة. إن القفزة الكبيرة الى انشاء المستوطنات حدثت تحت حكم الليكود ولم يساعد فيها’.
لا يفسر العاملون مع الرئيس التغيير في مواقفه بالتنبه المتأخر الذي أحدثته الحرب في 1973 فقط بل باتفاق السلام مع مصر ايضا الذي أثار شهوته لاتفاقات سياسية. ‘إن عظمة الزعيم هي في قراءة الواقع’، يقول مقرب منه. ‘برغم الاشجار التي غرسها والعناق الذي بذله واجلاله للسكان في يهودا والسامرة فان آراء بيرس معروفة واضحة. إن الرئيس يُجل ويقدر جمهور المستوطنين لكنه مع ذلك لا يخفي مواقفه في الشأن السياسي’.
يديعوت أحرونوت 21/2/2014