شجون الأدب

حجم الخط
0

ارتبط الأدب المغربي عموما بظهور البورجوازية الصغيرة، ففي بداية الستينيات كان الطموح كبيرا وعلى أشده، عند شلة من الكتاب والشعراء المغاربة على حد سواء، الذين كانوا ينظرون إلى الوطن المستعاد، من سعار الاستعمار، بعين ملؤها «الغد المشرق». فبعد التخلص من براثن المستعمر الفرنسي، الذي أتى ولا يزال على الأخضر واليابس، صدحت أصوات لكتاب وشعراءَ مغاربة من خلال القصة القصيرة والرواية والشعر أيضا. فالحديث عن الشعر المغربي يذهب مباشرة نحو الأنطولوجيا المؤسسة له، من خلال محمد بن العباس القباج، الذي عمد على توضيبها، سنة 1929، في كتابه الفاتح «الأدب العربي في المغرب الأقصى»؛ المؤسس الأول للأدب المغربي.
إن النبش في تاريخ المغرب الثقافي ذو شجون جَمَّة، فهو لا يقتصر فقط على التصنيف، الذي اعتمده القباج في باكورته العلمية، وإنما البتر، كما ثبَّت ذلك الكاتبُ في خاتمة الكتاب، الذي خصَّ به العديد من الترجمات لشعراء المغرب آنذاك. والسبب حسب القباج، دائما، هو الحيز غير الكافي والمخصص لذلك بين دفتي الكتاب الجامع، حيث إنه أُرْغم على اختصار ترجمات البعض دون الآخرين. هنا نتساءل من هم الشعراءُ الذين شملهم الحذف في كتابه «الأدب المغربي في المغرب الأقصى»؟ خصوصا أن المرحلة جد حساسة في تاريخ المغرب، باعتبارها منعطفا خطيرا في بناء الهوية المغربية، التي ما فتئت تتفكك بفعل القبضة الحديدية للسلطات الفرنسية والإسبانية على مجمل التراب المغربي.
في كتاب «الأدب العربي في المغرب الأقصى» الجزء الثاني ذكر محمد بن العباس القباج العديد من الشعراء المغاربة، وفي مقدمتهم محمد علال الفاسي، صاحب قصيدة «سيعرفني قومي» وهي من الطويل :
أبعد مرور الخمس عشرة ألعب
وألهو بلذات الحياة وأطرب
فإلى جانب علال الفاسي، نجد عبد الله كنون، ومحمد القري، ومحمد المختار السوسي، وعبد الله الكتاني، وعبد المالك البلغيتي، صاحب قصيدة «لست تلقى» المعروفة بـ«بلادي الجميلة» التي ذاعت غنائيَّتها في المدارس الابتدائيَّة المغربية نهاية السبعينيات، يقول في بيتها الاستهلالي المصرَّع من الخفيف:
لست تلقى كالمغرب الفذ أرضا
ولو اجتزت الأرض طولا وعرضا
علاوة على ذلك، فالبلغيتي خصص له محمد بن العباس القباج في كتابه السابق ترجمة مهمة، عرض فيها مسار تلقيه للعلوم الشرعية والدينية والأدبية، فبين الرباط ومكناسة الزيتون، تعرف على سادات الأعلام، واقتطف ثمار علومهم، التي تراوحت بين الفقه والسنة والحديث والنحو، فضلا عن اهتمامه المتزايد بشعر العرب، وبالأخص المعلقات والنقائض الفرزدقية والجريرية، وبالإضافة إلى ما خصص من حيز لكل ترجمة، نجد بونا شاسعا على مستوى الإشعاع العلمي والديني والثقافي بين الشعراء، الذين تفضل القباج بكتابة ترجماتهم، والشعراء الذين كتبوا عن مسارهم الحياتي الأدبي والثقافي والعلمي ، ومرد ذلك على ما يبدو، للعلاقات الشخصية التي كانت تربطه معهم، أو نظرا للإشعاع الثقافي والسياسي والحزبي الذي عرفوا به آنذاك، والصلة التي كانت تجمعهم والحركة الوطنية المغربية . فمن بين الشعراء الذين تفضل محمد بن العباس القباج بكتابة ترجماتهم نجد، محمد علال الفاسي، وعبد الرحمن حجي، وعبد الله كنون، ومحمد المختار السوسي. بالموازاة مع ذلك، فالشعراء الذين اكتفى القباج بما كتبوه عن مسار حياتهم العلمي والديني، نجد: محمد المهدي الحجوي، ومحمد القري، ومحمد المكي الناصري، وعبد الكريم سكيرج، وعبد الأحد الكتاني، والحسن الداودي، وعبد الماك البلغيثي.
فمن بين المنتخبات، التي اهتمت بالأدب المغربي، نجد: «ديوان الشعر المغربي التقليدي» الذي أعده ووضبه عبد الجليل ناظم، بمناسبة انتخاب مدينة الرباط عاصمة للثقافة العربية عام 2003. كما أن تقديم هذه الأنطولوجيا كان من نصيب الشاعر محمد بنيس، الذي وصف فيه علائق هؤلاء الشعراء الشبان مع ذواتهم، و مع محيطهم الاجتماعي والسياسي. علاوة على ذلك كانت أنطولوجية القباج السند الرئيس، بل الخلفية المعرفية الأساسية لـ»ديوان الشعر المغربي التقليدي، إلا من بعض الإضافات التي طالت كلا من شاعر الحمراء محمد بن إبراهيم، والشاعر محمد الحلوي. أما على مستوى تصميم الكتاب، فقد سار البلاغي عبد الجليل ناظم على نهج القباج، فكل شاعر يتم التعريف به، بعد ذلك يتم تقديم أهم القصائد، التي ذاع صيتها بين الجمهور.
إن أهم ما يمكن الإشارة إليه، هو أن جمع منتخبات للشعر المغربي، يعتبر ترميما لذاكرة معطوبة، وطالها العطب، بفعل الظروف السياسية، التي مرّ بها المغرب، وما تعرض له من طمس للهوية المغربية على امتداد فترة الحماية الفرنسية. فإعلاء كلمة الشعر هو من صميم إعلاء كلمة التراث، بل من صميم خلق شخصية مغربية قادرة على رفع التحديات. فشعب دون انتماء ثقافي، يعد هسيسا غير قادر على مواجهة الريح العاتية. كما أن المستعمر يعمل جاهدا على التشكيك في الأصول والثوابت، بهدف خلق مواطن ذعَّان لا يستطيع المواجهة والرفض.
لذا كان الاهتمام بالوعي السلفي أمرا مهما للعودة إلى أصول الفعل الثقافي، وبناء الإنسان القادر على رفع التحديات، وينشد الحرية والانعتاق من أصفاد التخلف والتبعية.

كاتب مغربي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية