شخصية البابا شنودة… الرسم الكروكي الذي يتوهمة حسن يوسف

■ اعتقاد الفنان حسن يوسف بأنه الأنسب لتجسيد شخصية البابا شنودة في مسلسل يعرض سيرته الذاتية، وسعيه وراء الدور بإصرار، فتح مجالاً لجدل لن ينتهي، إلا بتخليه عن الفكرة الشائكة، وإعلانه الابتعاد الكامل عن أزمة هو في غنى عنها، والحقيقة أنه لا يوجد مبرر مقنع لتمسك نجم الستينيات بقضية خاسرة على كل المستويات، فلا هو جدير بالتصدي للشخصية، ولا أحد من المخرجين، أو جهات الإنتاج، فوضه إنجاز هذه المهمة، اللهم غير انقياده للرغبة وحُلمه بالدور الكبير.
مشكلة حسن يوسف أنه يخلط بين نجاحه في تجسيد شخصية الشيخ الشعراوي، التي قدمها قبل سنوات، وشخصية البابا شنودة، التي تختلف تمام الاختلاف في مكونها الدرامي، وتفاصيلها الإنسانية، ناهيك من اتساع المسافة بين ثقافته الشخصية وأدائه الكلاسيكي، وطبيعة الشخصية المسيحية الرمزية التي يجهلها، ولا يعرف عنها إلا القشور السطحية المتمثلة في الشكل الخارجي البادي في الزي الخاص، وطريقة الحديث، والشكل العام الذي يتصور أنه بحيل المكياج وبراعة الماكيير، يمكن التغلب عليها ببعض الرتوش التي تقرب الشبه والصورة فيكون لائقاً ومقنعاً.
هذا التقييم المبدئي للدور الفني والتاريخي من جانب الفنان الكبير، لا يزيد عن كونه مجرد رسم كروكي، ومحاكاة للصورة الشكلية فقط لا غير، بينما التجربة في حد ذاتها تحتاج للمزيد من التدقيق والعمق في تحديد مستويات التعامل مع الشخصية، بكل أبعادها الخارجية والداخلية، وهي مُعضلة، حيث لا يمكن الإحاطة بكافة التفاصيل والطقوس والأسرار المُتعلقة بطبيعة البابا شنودة وشخصيته، وعوالمه الذاتية الخاصة جداً، من واقع الحكي والملاحظة والقراءة، فليس بالسيناريو والحوار فقط تكتمل العملية الإبداعية، خاصة في السير الذاتية، التي يحل فيها الممثل محل الشخصية الحقيقية على الشاشة، فيصبح في نظر الجمهور هو المعادل الدرامي والموضوعي للبطل الحقيقي، كما حدث على سبيل المثال، في شخصيات مثل عمر المختار وصلاح الدين الأيوبي وغيرهما.

وهكذا تظل القضية مُعلقة حتى إشعار آخر، إما بانسحاب حسن يوسف وإعفاء نفسه من المقارنة والحرج، أو بالاستقرار النهائي على ماجد الكدواني، أو من يماثله في الموهبة والكفاءة، للفوز بالدور الذي أثار عاصفة من الجدل والخلاف قبل الشروع في التنفيذ الفعلي، أو اكتمال الكتابة.

ونود في هذا المقام أن نشير إلى سنوات الإعداد الطويلة التي استغرقها فيلم عمر المختار، وعدد المراجعين التاريخيين، الذين أمعنوا في البحث والتدقيق، قبل الشروع في تنفيذ المشروع السينمائي الضخم، ومفاد هذه المقارنة هو التأكيد على صعوبة المسألة الإبداعية وضرورة أخذها بجدية أكثر من ذلك، لأن احتمالات الفشل في إقناع الجمهور بقـــدرات حســـن يوسف وملائمته لدور البابا قائمــــة إن لم تكن مؤكدة، وقد بدأت بالفعل نُذر الاحتجاج والرفــــض تلوح في الأفق، بمجــــرد التصريح بوجود مشروع درامي من هذا النوع يحمل اسم «بابا العرب».
وعلى الفور جرت المقارنة بين فتى الشاشة في ستينيات وسبعينيات القرن حسن يوسف وماجد الكدواني باعتباره من النجوم المرشحين لأداء شخصية البابا شنودة أيضاً في فيلم سينمائي آخر، وعليه اتجهت الكتلة الأكبر من المثقفين والنقاد وصُناع الدراما والسينما، إلى تأييد فكرة اختيار الكدواني ليكون هو المعني الأول بتجسيد الشخصية المسيحية الكبرى، سواء في المسلسل أو الفيلم، وهناك من رأي أن يتم دمج المشروعين في مشروع واحد يكفي لتقديم حياة البابا بشكل موسع، وبإمكانيات إنتاجية ضخمة، وسواء كان ذلك المقترح مناسباً أو غير مناسب، فإن غالبية الأصوات باتت تؤيد أحقية ماجد الكدواني بالدور المرتقب، لأسباب عديدة لا تخلو بالقطع من الاعتبار الديني، ليس لأسباب طائفية، وإنما لأسباب موضوعية جوهرية تتصل بثقافته المعرفية، وقدراته التمثيلية، وهو حُكم منطقي لأن أهل مكة أدرى بشعابها كما يقول المثل الشعبي الدراج.
وقد اعتمد عدد من رجال الدين والمثقفين الأقباط، في معرض ردهم على تصريح حسن يوسف باعتزامه تجسيد شخصية البابا في أحد البرامج التلفزيونية، على هذه المنطقية، مع تسليمهم بالقدرات التمثيلية الكبيرة له، لكن المعطيات المتوافرة لدى ماجد الكدواني، بحسب رأيهم، ترجح كفته وتجعله الأنسب للدور بكل تأكيد، بعيداً عن أي مرجعيات أخرى أو ظنون من شأنها تفسير هذا الانحياز بأنه انحياز طائفي أو عنصري، فالمسألة ليست أكثر من تقييم فني وثقافي لا يحتمل التأويل.
وهكذا تظل القضية مُعلقة حتى إشعار آخر، إما بانسحاب حسن يوسف وإعفاء نفسه من المقارنة والحرج، أو بالاستقرار النهائي على ماجد الكدواني، أو من يماثله في الموهبة والكفاءة، للفوز بالدور الذي أثار عاصفة من الجدل والخلاف قبل الشروع في التنفيذ الفعلي، أو اكتمال الكتابة.

٭ كاتب مصري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول رمضان:

    ليس دفاعا عن الفنان حسن يوسف وإنما كشف أن منطق الرفض إنما هو قائم في عقلنا الباطني على مبدأ ديني طائفي لا علاقة له بالفن وبانتاج العمل الجمالي بالرغم من محاولة صاحب المقال أن يظهر بمظهر الموضوعية. لماذا جسد أنطوني كوين شخصيتي حمزة وعمر المختار في عملي مصطفى العقاد الشهيرين على الرغم من كونه مسيحيا؟؟؟

إشترك في قائمتنا البريدية