شذرات

في الوجود والعدم:

هجَّ نجاةً من صقيع العدم
العدم الماثل أمام عينيه
العدم الذي يمشي في الطرقات
القاعد وجهاً لوجه مع شاشته الغبية
العدم الذي يقول ولا يعرف الكلام
والذي يرتدى الصمت وصوته نباح.
ركبتُ أجنحة أقلامي وغبتُ
أيها القلم النبيل،
ولا أحد سواك يهندس الوجود
وبيت الوجود استباحته الحوت
لا تنكسر حتى لو أدماك الحزن
على الأرواح والكلم
فحبرك أمطار القلب ونداه
أيها المسكون بالوليد أبداً
الغيوم السوداء التي تلبد سمائي
لم تغادرها الشمس
للسحب أحوال وأحوال
الليل ينبلج ويتنفس
يحمل أنواره ويقرع أبواب
الساهرين مع الهموم .
أيتها النجوم التي أغوت كانط بالفرح
أيتها القتيلة والمرمية خلف ظلام الأثرياء
وبؤس الفقراء
وحجب الأغبياء
وأنوار النداءات العاهرة
وحدي أتلصص عليك لأرى عريك الفتان
وأنرجس الوجود
وأكتب كي أُبقي على روحه الحية
سارية في الأشياء
أنا الصانع لما يغري عيوني
وأسمع النداء من أعالي القمم:
دع الآلام في صدرك صامتة تتأمل ذاتها
وتمضي إلى مستقرها الأخير في أعماقك
كي تزهر على بساتين الورق
وكي لا تقع الشبهة بكبريائك
متسولاً عند باب الشفقة
دع النفس تعج بضجيج متع التأفف
رافعة رأسها
وتملأ بيت الذاكرة بما يليق بسيرة النهر .
أيها الكون والفلك والمدار والقمر والنجم
أيتها الشمس والشجرة والزهرة والنسمة
أيها النبع والجدول والمطر والندى والبحر والنهر
أيتها القمة والغيمة والصاعقة والعاصفة
أيها الحب
يا باخوس أيها الخائن النبيل
جرار الخمر فارغة
والكروم يأكلها الجفاف
يا كل هذا
يا الغياب الأليم
يا كل هذا أتسمعون صرختي
من رحمك أيها الوجود ولد العدم
وراحت صحبةً سرمديةً
تقهقهان معاً في لحظة الولادة والسلب
كلما فاض الوجود عن فرح
استل العدم سيف الحزن ليجز
رقاب الراقصين فرحاً بالحياة
زمان النهايات يبدأ في لحظة زمان البدايات
فلا تسألوا عن المعنى الذي وراء
لا شيء في السر
روح الأشياء عارية
ووحدة لا تنفصم:
وجود عدم
حياة موت
بداية نهاية
والعبيد لا يفكرون
تأفف الفيلسوف من اللاحكمة
لا يصنع الحكمة
حتى لو رأى ما لا يُرى
ويكتب الشاعر آلامه وأوهامه المشتهاة
وجود يمنحنا حب البقاء
والفناء يعربش على أجسادنا
والنبع والمصب يصعران خدهما للخلق
ويصنعان على هذه الأرض تلالاً من رماد
أيتها الأرض
يا وليدة الشمس
لمَ لم تمنحي بنيك روح النار الأبدية
لماذا انطفأ جمرك الوقاد
وشئت الحياة في الرطوبة
ما الذي أغراك بالموت يا أم المقابر !
أأنت رحم أم بيت عزاء؟
عمياء أنت
لا تسألين ولا تُسألين
تدوسين على الأرواح متى تشائين
يا صاحبيّ سوس الفناء لا يرى
يَحتجب خلف الفرح بالمولود
وبكاء المولود
ومتعة الأم
وزغاريد النساء
ما الذي يبكيك يا أعين الحزانى
والثكالى
والأرامل و اليتامى
والصحبة والعاشقين؟
أهو الموت قبل الأوان
أم الموت بعد الأوان
أم الموت عند الأوان
والحياة نبع الفجائع
والأرض رحم الولادة والفناء
يا آلهة السخرية الساكنة عقل المعري
جوبي على الكائنات وقولي لهم
ما قلته للأعمى علهم يبصرون.

٭ أكاديمي وشاعر فلسطيني

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية