شرعية التعديلات الأخيرة على الدستور الأردني

حجم الخط
0

الدسـتور هو أبو القوانين ويعكس مستوى حضارة الدولة، ولا يتحقق رقيها إلا بسيادته لتتشكل دولة المؤسسات بتفرع القوانين والأنظمة والتعليمات التي تنسجم شكلاً ومضموناً مع هذا الدستور وهو العهد والأمان بين الدولة ورعاياها، ووفقاً له يحدد نظام الحكم وهوية الدولة وسلطاتها وعلاقتهم ببعضهم البعض وحقوق وواجبات الدولة ورعاياها ومستوى الحريات وغيرها من الأمور الأساسية، بالطبع الحقوقيون هم أعلم به أكثر ولكنه بشكله العام أصبح مفهوماً للعيان.
صياغة أو تعديل دستور دولة يعني الكثير ويشكل منعطفاً تاريخياً وحضارياً لتلك الدولة والتي لن تعود تلك الفرصة قبل مرور فترة زمنية طويلة، وبغض النظر عن طرق صياغته أو تعديله فقبوله أو رفضه يكون من قبل الشعب وحده ولا يوجد أحد وصي على إرادة الشعب فالدستور هو ملكه فقط، وبغض النظر عما حصل من هرج ومرج في صياغة دستور مصر المحروسة والحديث عن محاولات التفرد أو التخريب فهي بمجملها صورة تظاهرة عظيمة تعبر عن أمة تأبى إلا أن تمثل نفسها بنفسها وتعبر عن موافقتها أو رفضها بشتى الوسائل والطرق وبالطبع غير الشرعية منها مرفوضة تماماً.
أما نحن في الأردن فقد تشكلت لجنة ملكية من قلب رجالات محسوبة على السلطة التنفيذية ومن اسمها وتشكيلتها تفقد موضوعيتها وتفقد إنحيازها إلى جانب الشعب الذي أُعطيت للجنة وكالة بالنيابة عن الشعب ورغما عن الموكل وهو الشعب المالك الحقيقي للدستور بل وفوق هذا إنحصرت رؤيتهم وبتوجيهات صارمة للنظر في بضعة مواد في دستورنا الأردني الذي كان مضربا للمثل في حقبة من التاريخ لكنه تم التعديل على مواده مرات ومرات ليتخلى تدريجياً عن رقيه وتقدمه حتى أصبح العديد من الناشطين والمثقفين يطالبون بالعودة إلى دستور 1952، نعم العودة لا التقدم والتطور، وكانت تلك التعديلات بأعتقادي ورأي الكثير من المتابعين بأنها كانت متواضعة جداً لا ترقى لا إلى التراجعات المتتالية التي حصلت للدستور ولا ترقى إلى مستوى مطالب الأردنيين بحيث تلبي الجزء المعقول منها، والغريب بأن هنالك بعض المستفيدين يتغنون بتلك التعديلات لكنهم لا يتجرؤون بأن يواجوا أحد المتخصصين الذين ينتقدونها، الأهم بالموضوع بأنه لا يوجد أحد أو حتى لجنة وإن كانت منتخبة مباشرة من الشعب بأن تكون وصية على إرداة الشعب الأردني العظيم حتى يـُعطي لنفسه الصلاحيات بأن يتصرف بالوكالة عنا ومن ثم يتم عرض تلك التعديلات على مجلس النواب السادس عشر (السابق) والذي تم الطعن في شرعيته ليس فقط من المواطنين الأردنيين بل من المسؤولين عن العملية الإنتخابية ، وبالتالي تكون التعديلات الأخيرة على الدستور الأردني فاقدة للشرعية الشعبية ولا تمثل إرادة الأردنيين.
لذا لا بد من إعادة النظر في الدستور الأردني بالكامل وبطريقة تحترم إرادة الشعب دون وكلاء ليشارك الشعب في الحكم وصياغة دستوره مادة مادة وفقرة فقرة دون أي قيد أو شرط، وفي غير ذلك أعتقد بأن الأردنيون لن يهدأ لهم بال ولن يرضوا لا عن الحكومة ولا عن تصرفاتها وستبقى حلقة الثقة بيننا مفقودة حتى يتم إشراك الأردنيين بشكل حقيقي في الحكم، وباعتقادي بأنه لا بد بأن تتشكل لدى الدولة الأردنية إرداة حقيقية لتتغير من نهجها لإحترام إرادة الأردنيين وحقنا في تقرير مصيرنا سواء الدستوري أو السياسي، فالحكومة هي التي أوصلت المقاطعين إلى حالة من التشبث برأيهم إثر تصرفاتها الإقصائية ولا تتراجع إلا إثر ضغوطات شعبية والتي قد تتطور إلى تصادمات لا سمح الله.
عمر سامي الساكت

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية