ينتمي فيلم «اثنا عشر رجلا غاضبا» إلى تلك الفئة من الأفلام التي لا تموت، رغم مرور السنوات، وتغير تقنيات التصوير السينمائي، إلا أنّها لا تفقد تأثيرها الأول، بل يمكن مشاهدة الفيلم عدة مرات، للاستمتاع بالحوار العميق الذي يدور في غرفة واحدة بين اثني عشر رجلا، من هيئة محلّفين يتناقشون في قضية شاب في مقتبل العمر اتُّهِم بقتل والده.
دراما نفسية ذكية مليئة بالتشويق القائم على عنصر الشك، وما يمكنه أن يفعل لإخراج الحقيقة من ثوب الإجماع العاطفي الأعمى. الفيلم أخرجه سيدني لوميت منذ خمس وستين سنة، وقام ببطولته هنري فوندا بطلا رئيسيا محوريا في تطور الأحداث. تدور أحداث الفيلم في الولايات المتحدة في خمسينيات القرن الماضي، حيث بإمكان هيئة المحلفين النظر في قضية فرض فيها حكم الإعدام، يتم اختيارهم وفق معطيات دقيقة، وهي أشبه بطريقة ذكية لتفادي خطأ قد يقع فيه المدعي العام مثلا، الذي كان مرهقا جدا في الفيلم، ومحامي الدفاع الذي لم يكن كفؤا بما يكفي كونه لم يكن مقتنعا ببراءة المتهم. يمكن تقديم قراءات عديدة للفيلم، لكن الفكرة الغالبة عليه هي قدرة شخص واحد على تغيير آراء الآخرين، من خلال حوار يعتمد قاعدة إثارة الشك، كما وظّف فكرة محاكمة الذات قبل محاكمة الآخرين.
اختلاف أعضاء هيئة المحلفين، رغم اعتبارهم رجالا محترمين وموضوعيين، يطفو على سطح تلك المناقشة الحامية شيئا فشيئا، فنكتشف مدى أنانية البعض لتفضيل مصالحهم الصغيرة، مقابل مناقشة مصير حياة شاب في الثامنة عشرة من عمره، أمّا بطل الشكوك المعقولة، فيبقى على رأيه، واضعا أمام عينيه مصير المتهم إلى آخر لحظة في الفيلم، منذ نطق بجملته السحرية: «هل يمكن اتخاذ قرار عادل حقا، أي خارج الاعتبارات الشخصية تماما؟» لتكون بداية درس حقيقي في السينما قدّمه لنا لوميت كوجبة للعقل، لم تكن بحاجة سوى لغرفة مغلقة، ورجال يفكرون بصوت عال. وإن كان لا بد من التذكير بكمّ إشادة النقاد به عند صدوره أول مرة، يمكننا اختصار ذلك بما كتبه صحافي «نيويورك تايمز» آنذاك، واصفا الفيلم بالقادر على إبقاء المشاهد مفتونا طيلة عرضه.
بيّن الفيلم أيضا مدى تأثير الظروف الخارجية مثل، ارتفاع حرارة الطقس، وتعطل المروحة في اتخاذ قرار مصيري يغير مجرى حياة إنسان، كان أعضاء الهيئة يتعرّقون ويشتكون، ويريدون مغادرة المكان بسرعة للتخلّص من المكان الذي وضعوا فيه. كان التركيز على المروحة المعطّلة أحيانا، تذكيرا مؤلما بأنّ الرجل يمكن أن يموت لمجرّد أنه في تاريخ محاكمته كان الجو حارّا جدا، وهذا ما كان يزيد من توترهم، خاصّة كلما غيّر أحدهم رأيه، وطال مكوثهم في المكان. كانت رفاهية المكان ربّما لتقلّل من توترهم وغضبهم ورغبتهم في إنهاء الموضوع، ولو على حساب الشاب المتهم.
المدافعون عن عقوبة الإعدام والمطالبون بها، وهم كثر في هذا العالم، عليهم مراجعة أنفسهم ولو عن طريق متابعة هذا الفيلم، إذ لا يزال لوحة متكاملة للعناصر التي قد توصل بريئا إلى كرسي الإعدام. وقد حدث ذلك كثيرا في محاكمات كان بعضها ظلما، والبعض الآخر لأسباب عديدة يضيق المقام على ذكرها.
في فبراير/شباط 1998 على سبيل المثال لا الحصر، ألغت محكمة الاستئناف في المملكة المتحدة إدانة الصومالي محمود حسين متان، لكن بعد خمس وأربعين سنة من إعدامه الذي تم في سبتمبر/أيلول 1952 بسبب محاكمة شابتها العنصرية، بدءا بالنيابة التي أخفت أدلة مهمة، إلى شهود قدموا شهادات غير واضحة تماما. هذه القضية أظهرت، على حدّ تعبير القاضي نفسه، أنه «من غير المعقول أن يكون نظام العدالة الجنائية الذي هو بشري، وبالتالي غير معصوم طريقا لإقرار عقوبة الإعدام؟
نشهد انهيار الكتلة المؤيّدة للذنب، المرتبكة في بداية القصة، وهي تكشف عن شخصياتها الخاصّة، مخرِجة المشترك الإنساني بينها إلى العلن، ذاك الملوّث بذنوب صغيرة، وخطايا دفينة، ومشاعر متناقضة تحتل فيها الكراهية والعنصرية مساحة كبيرة، دون انتباه حقيقي لذلك.
في تحقيق لـ»ناشيونال جيوغرافي» أنجز منذ سنوات تم إعدام 1500 شخص من بين 8700 حكم عليهم بالإعدام، وللأسف 182 من المحكوم عليهم كانوا أبرياء. يدور الفيلم في هذا الفلك، بمضمون يضعنا في مواجهة أنفسنا. لا يهم إن كان هذا الفيلم قديما بالأبيض والأسود، خاليا من المظاهر الخلابة والبنايات الشاهقة، وجريمة واضحة نعرف فيها القاتل الذي يخادع الجميع، فقد بني فيه التشويق على حوار يديره ناضجون، غاضبون متهكّمون، قلقون ومستعجلون، وضعوا في مواجهة مسؤولية القرار القضائي، وانتهى بهم المطاف بعد نقاش طويل وعصيب إلى المطالبة بالعدالة على أساس اليقين. في شكل عام يؤكّد الفيلم أيضا على ظاهرة قوة المجموعة، وتنوّع الرأي ووزن التحيزات، وكأنه يقرّب لنا أكثر صورة الديمقراطية كظاهرة حوارية انبثقت من مظالم السلطة المحتكرة للرأي.
انتمى هذا الفيلم إلى قائمة روائع الفن السابع، التي تحتمل عدة مستويات من القراءة، التي تسمح بتحقيق اكتشافات متتالية، إذ بالإضافة إلى ما ورد ذكره، يقدِّم صورة توضيحية مقرّبة عن سيكولوجية اثني عشر شخصا، مدفوعين بدوافعهم الخاصة لمحاكمة الآخر. والسؤال الذي أمكن طرحه أمام هذا المعطى النفسي، هو إلى أي مدى يمكن للشخص أن يغير رأيه من النقيض إلى النقيض، بعملية تأثير تقوم فقط على اللغة؟ ويأتي الجواب صادما عند نهاية القصّة، حيث غيّر أحد عشر رجلا آراءهم من النّقيض إلى النقيض، رغم أن البداية كانت لا تنبئ بذلك، فقد كان فوندا مجرّد رافض لإدانة المتهم، لأنه لم يكن متأكدا مِمّا قُدّم من أدلّة، لكنّه أيضا لم يكن متأكّدا من براءته. الحرب على «المختلف» بدأت حين تلفّظ فوندا بكلمة «غير مذنب» لقد تغيّر كل شيء بكلمة، إذ بعدها لم يعد كل شيء كما كان. طالت التغيّرات ذلك الدّاخل المحصّن بوهم اليقين. تمّ تأجيل الأعمال التي كانت تنتظر في الخارج، وأعيد بناء حياة كاملة لمتهم لم نر منه غير ملامح مختلفة عن الرّجال البيض، الذين كانوا يقررون مصيره. لا نساء ولا سود البشرة في هيئة المحلّفين، فقط رجال بيض ببدلات وربطات عنق، متطلّبات الدخول للمحكمة. لا أسلحة، ولا ألفاظ عنيفة، ولا إهانات. حافظ الحوار على مادته اللغوية بنبرات صوتية مختلفة، وظلّ يمضي نحو الضفة المقابلة عبر تبادل الآراء، دون تفادي الجدال بصوت عالٍ أحيانا، إلى أن انتصرت نظرية بطل الشك وأصبح الجميع في ضفته. وإن لم يعتبر ذلك انتصارا شخصيا بقدر ما اعتبره انتصارا للعدالة، التي يجب أن لا تظلم أحدا في بلد يرفع راية القضاء فوق كل الرايات.
نشهد انهيار الكتلة المؤيّدة للذنب، المرتبكة في بداية القصة، وهي تكشف عن شخصياتها الخاصّة، مخرِجة المشترك الإنساني بينها إلى العلن، ذاك الملوّث بذنوب صغيرة، وخطايا دفينة، ومشاعر متناقضة تحتل فيها الكراهية والعنصرية مساحة كبيرة، دون انتباه حقيقي لذلك..
لكن دعوني اعترف لكم في الأخير بأني لم أكتشف هذا الفيلم، لو لم أقرأ قصة المغربي عمر الرّداد، الذي اتهم بقتل ثرية فرنسية في قبو بيتها الفاخر في منطقة سياحية راقية في فرنسا. قادني الرّداد بنظرته الهادئة وتمسكه ببراءته إلى تتبع تفاصيل حكايته، ومن خبر إلى خبر، إلى إعادة فتح القضية والمطالبة بإدخال أدلة جديدة مرتبطة بتحليل «DNA» إلى قصص المحكومين بالمؤبد والإعدام ظلما، إلى هذا الفيلم الرائع، الذي لا شكّ خدم المظلومين أكثر من آلاف المرافعات، وغيّر من بنود القوانين، التي حتى إن كانت جائزة في المفهوم الجمعي، قد تكون جائرة في موضع ما تجاه أفراد أبرياء. ولعلي توقفت مدهوشة أمام قتامة قدر الرداد، ومن شابهه في قدره، لكنني أدركت أن الفن كما جاء في «اثني عشر رجلا غاضبا» سيظل المساند الأول والأبدي للقضايا العادلة، وأن الصوت الذي يقول «لا» حين يقول الجميع «نعم» لا شك أنه سيكون محور تغيير، إن لم يكن محور إنقاذ حقيقي.
شاعرة وإعلامية من البحرين
قصة الفيلم مقتبسة من مسرحية بنفس الاسم للكاتب الامريكي رجيلند رموز الذي ذكر ان فكرة المسرحية-الفيلم مقتبسة اصلا من تجربته الشخصية حيث كان عضوا في هيئة المحلفين في احدى المحاكمات التي جرت في مدينة نيويورك الامريكية، و قد كان ذلك عامل هاما في اثارة المشاهدين بالفيلم، اذ جعلهم يؤمنون بواقعية الفيلم. و لكن احد المؤرخين تحقق من صحة الادعاء و اثبت ان المؤلف لم يشترك في اية هيئة محلفين، و لم تكن له أية علاقة بأية محاكمة. اي ان الدعاء لم يكن سوى حيلة ذكية لاثارة الجمهور. و شمل الفيلم بعض التفاصيل البعيدة عن الواقع، فمثلا من المستحيل ان يسمح لاحد المحلفين بإدخال سكين الى غرفة المداولات. و قد تم اقتباس القصة في العديد من الأفلام و المسلسلات التلفزيونية.
لقد ورد التالي (وكأنه يقرّب لنا أكثر صورة الديمقراطية كظاهرة حوارية انبثقت من مظالم السلطة المحتكرة للرأي.) تحت عنوان (شرعية الشّك)، لتبرير مفاهيم الديمقراطية، في إدارة وحوكمة أي دولة، بواسطة كاتبة بحرينية (بروين حبيب) أي من دول مجلس التعاون في الخليج، في جريدة القدس العربي، البريطانية، هل سيسمح لي حامل مقص الرقيب نشر أي رأي ضد (الديمقراطية)، والأهم هو لماذا، وما دليلي على ذلك؟!
من وجهة نظري حقارة الثنائي (أوباما-بايدن)، ظهرت بشكل واضح عام 2015، عند تمرير إصدار قانون (جاستا)،
والآن يبدأ تطبيقه على أموال (أفغانستان)، بعد هروب زوج اللبنانية، الرئيس الأفغاني، بلا حياء أو خجل، كما نقلتها وسائل الإعلام الروسية
https://youtu.be/DKShCJnkWl4
بحجة تعويض عوائل المتضررين من تقصير الحكومة الأمريكية، في حماية الشعب يوم 11/9/2001،
والتي بسببها تم إحتلال (العراق وأفغانستان) فالسؤال، من سيعوض من تضرّر في العراق وأفغانستان، إذن؟!
ومن جانب آخر، طريقة تعامل الإعلام الروسي في عام 2022
https://youtu.be/nZKZgiNDOy8
مع فضيحة، طريقة إتلاف الأرشيف، في إدارة وحوكمة الدولة، في أميركا، في عهد دلوعة أمه (دونالد ترامب)؟!
ولكن
https://youtube.com/shorts/PsSpwemCADk?feature=share
لو كل واحد، قام بما قام به هذا السائق،
عند بداية أي مشكلة، لن تكون هناك مشاكل كبيرة، في أي مجال، والله أعلم، أليس كذلك، أم لا؟!
فكر الأتمتة، عندما يصل إلى الملابس، فالنتيجة فستان (فرعوني) من آلاء
https://www.bbc.com/arabic/media-60340192
كما ذكر موقع البي بي سي، كمشروع تخرّج لطالبة في مناهج تعليم الفنون التطبيقية، في عام 2022، سبحان الله.??
??????