شرق المتوسط.. خطوات مصرية عقلانية وموازين جديدة محتملة

حجم الخط
0

إسطنبول: طرحت مصر، في فبراير/ شباط الماضي، مزايدة للتنقيب عن النفط والغاز في منطقة شرق البحر المتوسط، مع الأخذ بعين الاعتبار الحدود المشروعة للجرف القاري التركي.
وهي خطوة ستكون لها نتائج مهمة في إطار الجغرافيا السياسية لشرق المتوسط عامة، وخاصة من جهة تركيا ومصر.
وتشهد منطقة شرق المتوسط تطورات باتت تؤثر بشكل واضح في تغيير جدول الأعمال والسياسة في المنطقة.
وفي هذا السياق، طرحت مصر إحدى الدول المشاطئة في شرق المتوسط مؤخرا، مزايدة للتنقيب عن النفط والغاز شرقي المنطقة المعروفة باسم “ماردين 28″، وبعبارة أخرى، جنوب المنطقة التي أبلغت تركيا الأمم المتحدة عام 2019، بأنها تشكل الحدود الجنوبية للجرف القاري التركي.
وفي المقابل، اعتبرت تركيا أن هذه الخطوة المصرية عقلانية وتعبر عن احترام القاهرة لحدود الجرف القاري التركي.
وفاتحا الباب أمام اتفاق محتم مع القاهرة، قال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو: “بصفتنا البلدين اللذين يملكان أطول سواحل شرق البحر المتوسط، يمكننا التفاوض مع مصر في المستقبل بشأن مسألة تعيين الحدود البحرية، وتوقيع اتفاقية مع القاهرة بهذا الشأن”.
هذا التطور الأخير في شرق المتوسط اكتسب زخما مستمرا في جدول الأعمال بعد اكتشاف موارد مهمة للطاقة في المنطقة، التي تتزايد أهميتها الجيوسياسية بسرعة.
ويمكن لذلك التطور أن يفرز نتائج مهمة على المنطقة بشكل عام، وعلى صعيد العلاقات التركية المصرية خاصة.
وليس من المبالغة القول إن هذا التطور مهم لإثبات دقة الأطروحات التركية في منطقة شرق المتوسط، وتأكيد استحالة تطبيق أي من الأجندات في المنطقة من دون تفهم المصالح والحقوق التركية.
وبمعنى آخر، عندما يتم التدقيق في المنطقة التي حددتها القاهرة لإعلان مزايدة التنقيب عن النفط والغاز، نرى أن هذا القرار يأخذ بعين الاعتبار مصالح تركيا، التي تمتلك أطول خط ساحلي في شرق المتوسط.
كما تمتلك تركيا أرضية سياسة مشروعة منبثقة عن القانون الدولي تخولها لتكون أبرز اللاعبين في المنطقة، رغم الحملات السياسية غير الواقعية ومحاولات اليونان تنفيذ سياسة توسعية تنتهك القانون الدولي، وتنظيم منتدى غاز شرق المتوسط، الذي سعى إلى تقاسم المصالح في المنطقة، بعيدا عن أنقرة.

مصالح مصر وتركيا
بالإضافة إلى ما سبق، يمكن اعتبار هذه الخطوة المصرية وغيرها من الخطوات الإيجابية بمثابة فرصة مهمة نحو تطبيع العلاقات التركية مع دول أخرى في المنطقة.
وعندما نضع أولويات تركيا في شرق المتوسط بعين الاعتبار، يمكننا القول إن عقد اتفاقية لتعيين الحدود البحرية بين تركيا ومصر يمكن أن يساهم بشكل فعال في تقليل التوترات بالمنطقة.
كما يمكن أن يحد من تصرفات اليونان والإدارة القبرصية الجنوبية، التي تنتهك القانون الدولي بشكل سافر، بالإضافة إلى وضع الأساس لاتفاقية مماثلة مع إسرائيل، التي تمتلك موقعا حساسا على الخارطة الجيوسياسية للمنطقة.
هذا الوضع سينعكس بصورة إيجابية أيضا على خلق ظروف مواتية تخدم مصالح تركيا ومصر، حيث سيكون بالإمكان توقيع اتفاقيات بين البلدين وإسرائيل لنقل مصادر الطاقة الحالية والتي سيتم اكتشافها في المستقبل إلى أوروبا، عبر تركيا، التي تعتبر أقصر الطرق وأكثرها أمانا.
بالنظر إلى الوضع من ناحية مصر، يمكننا القول إن مثل هذا النهج سيخلق جوا من الثقة بين تركيا ومصر، وفرصة لتطبيع العلاقات بين البلدين اللذين يمتلكان أطول ساحلين في شرق المتوسط.
فيما رأت الصحافة اليونانية أن الخطوة المصرية لا تعتبر عنصرا حاسما في إصلاح العلاقات المصرية التركية، إلا أنها خطوة واعية وعقلانية، لاسيما وأنها تركت الأبواب مفتوحة لمفاوضات مستقبلية مع الجانب التركي، مع وجود احتمالات وإمكانية لتطبيع العلاقات بين البلدين.
إن الخطوة المصرية المتعلقة بمزايدة التنقيب عن النفط والغاز مع مراعاة حدود الجرف القاري التركي، تظهر وجود رغبة لدى القاهرة بالتفاوض مع أنقرة على اتفاق لتعيين الحدود البحرية.
وهو ما يخدم المصالح الإقليمية المصرية، ويساهم في خلق أجواء الثقة بين البلدين وتحقيق مصالحهما، ليس فقط شرق المتوسط فحسب، حيث يفتح الطريق أمام العديد من اتفاقيات التعاون التي تعود بالفائدة على البلدين.
ولكن الأهم من ذلك هو أن أي اتفاقية محتملة بين أنقرة والقاهرة من شأنها أن تسمح لمصر باستعادة المناطق التي خسرتها في اتفاقية ترسيم الحدود مع اليونان والإدارة القبرصية الجنوبية، وعقد اتفاقية حقيقية لترسيم الحدود البحرية مع تركيا تكون نابعة من القانون الدولي وتستند إلى أسس شرعية وواقعية.

خيبة أمل يونانية
عارضت مصر محاولة اليونان رسم حدودها البحرية اعتبارا من جزيرة ميس (على بعد كيلومترين فقط من قضاء قاش جنوبي تركيا)، ما دفع أثينا إلى الشعور بخيبة أملها الأولى والتراجع عن أطروحتها التي روجت لها حول “امتلاك الجزر لجرف قاري”.
واليوم، وبالنظر إلى الصحافة اليونانية، يمكننا القول إن أثينا تعيش حالة من عدم الارتياح وخيبة الأمل جراء قرار القاهرة طرح مزايدة للتنقيب عن النفط والغاز تراعي مناطق الجرف القاري التركي.
وهنا لا بد من الإشارة أيضا إلى أن الاتفاقية التركية الليبية الموقعة في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 بشأن ترسيم الحدود البحرية، وجهت ضربة خطيرة لمزاعم اليونان السياسية ومحاولتها مد نفوذها وحدودها البحرية إلى جزيرة قبرص.
واليوم، فإن الموقف المصري تجاه جزيرة “ميس” وقرار القاهرة المتعلق بمزايدة التنقيب عن النفط والغاز، يدفعان اليونان نحو فقدان المزيد من السيطرة في المنطقة.
وبالنظر إلى النتائج يمكننا القول إن اتفاقية محتملة بين تركيا ومصر لتعيين الحدود البحرية من شأنها إظهار أهمية دور دول المنطقة في رسم آفاق مستقبلها، فضلا عن أن اتفاقية من هذا القبيل قد تساهم في زيادة مناخ الثقة بين البلدين وتفتح الباب أمام المزيد من فرص التعاون.

(الأناضول)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية