بيروت – دمشق – «القدس العربي» : يشهد شمال شرقي سوريا الجمعة اشتباكات عنيفة بين القوات الكردية ومقاتلين من تنظيم الدولة تسببت بمقتل أكثر من أربعين جهادياً و23 مقاتلاً كردياً وخمسة مدنيين، بعد هجوم نفذه التنظيم على سجن وأدى إلى فرار عدد من تنظيم «الدولة» المعتقلين فيه.
وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن الجهاديين هاجموا ليل الخميس إلى الجمعة سجن غويران الكبير في مدينة الحسكة الذي يوجد فيه الآلاف من عناصر التنظيم حسب وكالة «فرانس برس». وهو الهجوم الأكبر الذي يشنه تنظيم الدولة منذ دحره في سوريا في آذار/مارس 2019. وتضاربت الأنباء حول السيطرة على السجن، فقد قال مصدر عسكري تابع لقوات «قسد» في اتصال مع «القدس العربي» إن الفارين من سجن الصناعة، من عناصر تنظيم الدولة، فرضوا سيطرتهم على غرفة تسليح حرس سجن الصناعة، وأصبح السجن تحت سيطرة التنظيم بعدما فقدت «قسد» سيطرتها عليه. وأضاف المصدر الذي فضّل حجب هويته أن «المنطقة المطوقة بالكامل من قبل «قسد»، شهدت حالات هروب لعناصر التنظيم، بينما قتل نحو 10 مقاتلين من قسد خلال المواجهات، وعنصران من تنظيم الدولة الفارين من سجن الصناعة».
سقوط أكثر من 65 قتيلاً وأنباء عن فرار عدد من معتقليه… والتحالف الدولي يدعم القوات الكردية
وأصدرت وكالة أعماق التابعة لتنظيم «الدولة» مساء الجمعة بياناً تبنت فيه العملية، وذكر البيان «مقاتلو الدولة الإسلامية يشنون منذ مساء أمس هجوماً واسعاً على سجن غويران بهدف تحرير الأسرى المحتجزين بداخله». وأكد البيان أن الاشتباكات مستمرة في محيط السجن وأحياء أخرى.
عشرات القتلى
وتصدّت قوات سوريا الديمقراطية وعمادها مقاتلون أكراد، للعملية. ودارت اشتباكات بين الطرفين لا تزال مستمرة، وأوقعت، وفق المرصد، 39 قتيلاً من تنظيم الدولة و23 من القوات الأمنية الكردية وخمسة مدنيين. وتتواصل الاشتباكات داخل السجن وفي محيطه، حسب المرصد الذي يستقي معلوماته من شبكة واسعة من المصادر في سوريا. وأشار المرصد إلى أن عدداً من السجناء لم يحدد عددهم تمكنوا من الفرار ولا يزال «العشرات» منهم «طليقين»، فيما ألقي القبض «على نحو مئة». وتسببت عملية التنظيم بحال من الفوضى في الحسكة، وبانقطاع التيار الكهربائي، ما اضطر مئات الأشخاص إلى مغادرة المنطقة.
وقال مصدر عسكري في قوات سوريا الديمقراطية لوكالة رويترز إن القوات التي يقودها الأكراد قتلت 23 من مقاتلي تنظيم الدولة، بينهم أجانب، في اشتباكات بعدما شنت الجماعة المتشددة هجومًا على سجن في مدينة الحسكة شمال شرقس سوريا الخميس. وأضاف المصدر العسكري اليوم إن سبعة عناصر من قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد وقوة أمنية متحالفة معها تسمى الأسايش، قُتلوا في الهجوم، أثناء محاولة من تنظيم الدولة الإسلامية لإطلاق سراح سجناء.
دروع بشرية
وقالت أم ابراهيم (38 عاماً) لوكالة «فرانس برس» وهي تغادر منزلها في حي الغويران «المنطقة تشهد منذ أمس إطلاق نار وتحليق طيران واشتباكات وقتل شباب». وأضافت «الوضع سيئ جداً. لقد غادرنا بيتنا بسبب الاشتباكات. خفنا على أطفالنا». وأشارت إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية «قتل أربعة شبان» من جيرانها «بينهم شقيقان».
وتحصّن مقاتلو التنظيم في منازل المدنيين في حيّ الزهور القريب من السجن، واتخذوها «خنادق» لهم، حسب بيان لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مستخدمين «المدنيين (…) كدروع بشرية»، فيما كانت القوات الكردية تطارد السجناء الفارين وتسعى إلى استعادة السيطرة الكاملة على الحيّ. وأعلنت قوات سوريا الديمقراطية أنها «أحبطت محاولة فرار جماعية أخرى» الجمعة، موضحة أنها «ألقت القبض على 89 مرتزقاً في محيط السجن» بعدما «طوقتهم». ولاحظت في بيانها أن «خلايا التنظيم» في حيّ الزهور «تطلق النار بشكل مكثف في محاولة لتوجيه رسائل أمل إلى المعتقلين داخل السجن». ويضم سجن غويران نحو 3500 سجين من عناصر وقيادات تنظيم الدولة، استناداً إلى المرصد.
التحالف: «خطر وجودي»
وأكد التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة الجهاديين وقوع الاشتباك، مشيرة إلى وقوع خسائر في صفوف القوات الكردية. واعتبر التحالف في بيان أن تنظيم الدولة «لا يزال يشكل خطراً وجودياً ولا يمكن السماح له بأن يجدد نفسه». وتفرض حالياً «قسد» سيطرتها على محيط السجن، ومنطقة غويران التي تتصل بجنوب الحسكة، حيث ينتشر عناصر تنظيم الدولة، الذين تسربوا أيضاً إلى الأحياء القريبة من السجن. وقال المصدر العسكري لـ«القدس العربي»: «تغلغل عناصر تنظيم الدولة في الأحياء المدنية، في محاولة منهم للخروج مع المدنيين، وانتشروا في الأحياء القريبة من منطقة الصناعة» مشيراً إلى أن عددهم يناهز الـ 3000 عنصر.
وعلى ضوء ما تقدم، استقدمت قوات سوريا الديمقراطية «قسد» تعزيزات عسكرية ضخمة إلى حي غويران جنوب المدينة وفرضت طوقاً أمنياً مشدداً حول سور السجن الخارجي لمنع فرار المزيد من السجناء، كما أعلنت «قسد»، الجمعة، القبض على نحو 110 من معتقلي تنظيم الدولة، «كانوا قد تمكنوا من الفرار من سجن الصناعة»، حيث أعادت العناصر الفارين إلى أحد سجونها في المنطقة، وذلك بعد فرضها طوقاً أمنياً في محيط سجن الصناعة، على خلفية مهاجمة خلايا تنظيم الدولة السجن.
وتسببت الاشتباكات المتواصلة بين «قسد» وخلايا «تنظيم الدولة»، بنزوح جماعي لسكان أحياء غويران، النشوة، فيلات حوش البعر، فيلات الحمر، إلى الأحياء الوسطى والشمالية من الحسكة.
تزامناً، فرضت القيادة العامة لقوى الأمن الداخلي لشمال وشرق سوريا (الأسايش)، الجمعة، حظراً كلياً للتجول في مدينة الحسكة مع إغلاق الدخول والخروج للمدينة على خلفية التطورات الأمنية في سجن الصناعة الذي يضم عناصر لتنظيم الدولة «داعش».
وذكر البيان أن الإغلاق سيستمر حتى إشعار آخر، نتيجة الأحداث الأخيرة في مدينة الحسكة. وأضاف أن ذلك ترافق مع «تهديد لأمن وأمان كافة أحياء المدينة بمحاولة الخلايا الاختباء ضمن المدنيين». ودعت قوى الأمن الداخلي التابعة لقسد «السكان للالتزام بالتعليمات ليكونوا عوناً في الحفاظ على أمان المدينة، والإبلاغ عن أي حركة مشبوهة ضمن المدينة». وقال المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية إن «موجة من التصفيات الداخلية اندلعت بين عناصر تنظيم الدولة في سجن غويران في الحسكة».
وشهدت الليلة الفائتة، محاولة مجموعة من خلايا تنظيم الدولة، اقتحام سجن الصناعة، المخصص لاحتجاز عناصر داعش، وذلك عبر تفجير سيارة مفخخة في محيط السجن وتسلل عناصر التنظيم، بين الأحياء القريبة منه، والهجوم على قسد الأمنية المسؤولة عن حماية السجن، في محاولة من التنظيم، للوصول إلى البوابة الغربية للسجن بعد تفجيرات سبقت الهجوم، وذلك بهدف تسهيل فرار السجناء.
وبدأ هجوم وفقاً لمصادر إعلامية تابعة لقسد، بتفجير سيارة ودراجة مفخخة بالقرب من الباب الرئيسي للسجن، أعقبه اندلاع مواجهات عنيفة بالأسلحة الخفيفة الفردية، بين القوات الأمنية المسؤولة عن حراسة السجن، وخلايا تنظيم الدولة، بعد أن تسللوا إلى محيط السجن من حي الزهور جنوبي المدينة. وأكد المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية في أول تعليق على الهجوم «تسلل خلايا داعش من الأحياء المجاورة للسجن، لتأمين فرار المرتزقة المحتجزين داخل السجن».
وأدت الاشتباكات، إلى إحباط محاولة وصول خلايا تنظيم الدولة إلى مدخل السجن، وتراجع الخلايا بعد استهدافها لخزانات الوقود ، و3 صهاريج للوقود في مؤسسة «سادكوب» القريبة من السجن، في محاولة للاستفادة من دخانها المتصاعد لمنع الطيران من تتبعها. وعقب الهجوم وإحباط محاولة الفرار، شهدت الشوارع الرئيسية، ومداخل مدينة الحسكة، انتشاراً كثيفاً لحواجز قوى الأمن الداخلي، إلى جانب تحركات مكثفة لدوريات مسيرة.
«تهديد خطير»
وترى المحللة في مجموعة الأزمات الدولية International Crisis Group دارين خليفة أن «عمليات الفرار من السجون وأعمال الشغب داخلها شكلت عنصراً أساسياً في معاودة تنظيم الدولة الإسلامية الظهور في العراق وتشكل اليوم تهديداً خطيراً في سوريا». وتشير الى أن عدداً من السجون في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد السوريون والتي يُحتجز قسم كبير من عناصر التنظيم، هي في الأصل مدارس تُستخدم سجوناً وغير مناسبة تالياً لاحتجاز معتقلين مدة طويلة. وتضم السجون الواقعة في المناطق الواسعة التي يسيطر عليها الأكراد في شمال سوريا نحو 12 ألف جهادي من نحو 50 جنسية، وفق السلطات الكردية.
واندلعت الحرب في سوريا في آذار/مارس 2011 إثر قمع تظاهرات مؤيدة للديمقراطية، وباتت اكثر تشعباً على مر السنوات وشاركت فيها قوى إقليمية ودولية وشهدت تصاعداً لنفوذ الجهاديين. وفي آذار/مارس 2019، أعلن كلّ من قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي إسقاط «دولة الخلافة» التي أقامها تنظيم الدولة على مساحات واسعة في العراق وسوريا، وذلك بعد أن دحر آخر مقاتلي التنظيم الجهادي من آخر معقل له في بلدة الباغوز في شرق سوريا. ومنذ ذلك الحين، انكفأ مقاتلو التنظيم بشكل رئيسي في خلايا متعددة إلى البادية السورية الممتدة بين محافظتي حمص (وسط) ودير الزور (شرق) عند الحدود مع العراق.