مقاطع من «الأرض البراح»
ت.س. اليوت (1888/1965)
لَهُوَ أقسى الشهور نيسان/ من ميّت الأرض يخرجُ حيَّ الليلك/ بالشهوة يشِجُ الذاكرةَ/ وبالوسميّ يهزُّ مسبوت الجذور
أنت أيّتها المدينة الخيال
في ضبابةِ يوم شتويّ داكن
على جسر لندن، حيث كانت تتوافد الحشود
ما كنت أحسب الموت قد توفّى كلّ هؤلاء
وقد ذهبت أنفسهم حسراتٍ خاطفةً متقطّعة
وشخصَ كلّ أمامه
ما بينّ مصعّد ومحدّر إلى شارع الملك وليم
حيث كنيسة القدّيسة ماري ولنوث
تحصي الساعات بصوت مخنوق وتعدّها عدّا
حتّى الدقّة التاسعة الأخيرة
هلمّ إلى ظلّ هذه الحمراء لأطلعنّك على شيء مختلف/ظلّك يتّبعك صباحا/ظلّك يهرع إلى لقياك مساء/لتُملأنّ رعبا من قبضةٍ من رمادِ رفات
لا الشجرة الجرداء تسبغ عليك ظلّها/ولا الجندب يسلّيك/ولا الحجر الملموم يهبك خرير الماء/ليس ثمّة إلاّ الظلّ تحت هذه الشاهدة الحمراء
(تلك الجيفة) هل ستتزيّن بالزهر هذا العام/ أم هل أخذها الجليد بغتة/ وأٌقضّ عليها المضجعُ؟
ستنسن أنت يا من رافقتني في مراكب مايلي! هل بدأت تينع/تلك الجيفة التي واريتها العامَ الغابرَ تراب بستانك؟
حترسْ من الكلب بعيدا/ هو عشير البشر/ سينبشها بمخالبه/
ولسوف يخرجها/»أنت أيّها القارئ المُرائي/يا شبيهي/يا ابن أمّي»
***
روني شار (شاعر فرنسي 1907/ 1988)
هل ثمّة خيرٌ من عظاية عاشقة/يفشي أسرارالأرض؟/أنت أيّتها الخفيفة اللطيفة يا ملكة السماوات/لِمَ لم تبني بيتك في حجارتي
الثعبان لا يعرفك/ الجرادة تبرطمُ/ أمّا الطوبين (الفأر الأعمى) فهو لا يراك
/ والفراشة لا تكره أحدا
جمرةُ السماء الأخيرة، وأوّل أُوارِ وجه النهار/ بنيانٌ مرصوصٌ مطلعَ الفجر، وهي تغنّي الأرض الهائجة المائجة/ مُصلْصِلة (أجراس) سيّدة نَفَسها، طليقة في وَجهتها/ فاتنة، نقتلها فيما نحن ندهشها
لكن ماذا لو كانت الكلمات معازق (معاول)؟ وإذن ما كان الموت في الأسفل، ليلتقط إلاّ صداك
لقد عاش الله بقوّة بيننا. نحن كنّا لا نعرف قطّ، كيف ننهض وننطلق/وقد خوتِ النجوم في عيوننا / تلك التي كانت سنيّة في عينه
من سهاد متجدّد، يقتات الشعر/ في كِنانتنا سهمٌ واحدٌ للموت: صناعة الفنّ قبل أن يحضر
أنت أيّها الليلُ الكامل، حيث لا يرفّ حلم فظّ غليظ، أبدا، أحفظْ لي حيّا ما أحبّ
أمّا الحلم، بالنسبة إلى الليل النابض بالحياة، فهو أحيانا ليس سوى طيف حزَاز صخر (بهَق حجارة)
تائهون نحن بلا حلم. لكن ثمّة دائما شمعة تتراقص في يدنا. وهكذا فإنّ الظلّ الذي ندخل فيه، هو سُباتنا المقبل منقبضًا بلا انقطاع
الليالي الحقّ: بريحٍ أعْتى/ بقنديلٍ أقلّ خفوتًا/ علينا أن نبلغ المحطّة/حيث يقول لنا الليل:»ألا فاعبروا»/ ولَنَعْرِفنَّ إذْ ينطفئ الزجاج/ أنّ تلك هي الحقيقة/ أنتَ أيّها التراب الذي أمسى ناعما/أنتَ أيّها الغصن، حيث ينضج فرحي/ إنّ شَدْق السماء أبيضُ/ والذي يبرُقُ هناك/ هو أنتِ يا محطّتي/ أنتَ يا حبّي/أنتَ يا خرابي
شكاة العظاية العاشقة: أنتَ أيّها الحَسّون/ لا تحلجْ عبّاد الشمس/ قد تعيا أشجار سروك/ استأنفْ طيرانك/ وعُدْ إلى عشّ الصوف عشّك/أنت لست ماسَة من السماء/ أيّها الطائر الريفي، حتّى تعفيك الريح/ وقوس قزح إنّما يتوحّد بزهرة اللؤلؤ
٭٭٭
ألان جوفروا (شاعر فرنسي) 1928/2015
في البدء لم يكنْ ثمّةَ أيّ نظام/ كان كلّ شيء عاديّا مسطّحا في سديم الفوضى/ ما عدا عقارب الألم
كنت أقول: لقد تعلّمت كلّ شيء من الصاعقة/ تبعتني مثل كلب/ وكانت تنزل حتّى في حجراتي
موريس كاريم شاعر بلجيكي (1899/1978): شجرة الكرز
فجأةَ أخذتْ شجرةُ كرز تضحك
دون أن تدريَ لِمَ
وإذا بطيور الدّوري تضحك في الوقت نفسه معا، من سماعها (الشجرة) وهي تضحك
انتشر هذا الضحك حتّى بلغ المنازل
ومن فوق الغابات تفجّر حتّى الأفق
قال الله إذْ فاجأهُ افتجاؤُه:»ما الذي يحدثُ في الدنيا؟»
وأطلّ من نافذة الفردوس المستديرة
وإذْ رأى الكلّ الناس وما على الأرض حول شجرة الكرز يقهقه دون أن يدريَ لِمَ
فإنّ الله نفسه لم يتمالكْ أن حجبَ وجهَهُ بيديْه
حتّى لا يراه الملائكةُ والقدّيسون
وهو يضحك بلا سبب.
السماء رماديّة
السماءُ رماديّةٌ، لكن سيان/ فوراء الشوارع تضحك السماوات/ يكفي أن أطرق/ حتّى يلوح الله على عتبة الباب/ هو لا يقول شيئا. إنّما يتطلّعُ إليّ/ خيوط الشمس مشبوكة في خيوط لحيته البيض الطويلة/ لا أقول شيئا. إنّما أتطلّعُ إليه/ وفي عينيه أرى أسراب النحل والوِرْشَان (حمام بريّ) وهي ترحل.
٭٭٭
ستيفان سودربلوم (شاعر سويدي)1947
ذوبان ثلج منتصف النهار
حشرات في الشتاء/بِيضُ يعاسيب بأجنحة مشدودة إلى الظهر/ تتهجّى سواد أفكارها في خلفيّة من الثلج: هو ذا المنفى
٭٭٭
آن ماري برغليند (شاعرة سويديّة) 1952
تقْدِمة
من هي التي لا تحلم في أن تتمكّن ذات يوم، على ضفاف «السين»، من أن تنحنيَ لعابر مجهول، وتمتصّه حتّى النشوة/
أيّة هديّة بسيطة ترفعينها تَقْدِمةً للنور إذْ لازمك في مطلع هذا النهار الربيعي، والمدينة لا تزال مستغرقة في النوم/
حمْدا لروائع الليل إذْ تركتْ لك أحد مفاتيحها الثمينة، حتّى يمكن لك في هذا اليوم أن تفتحي صندوق العجائب/
حمّدا لهذه الجسور هنا في باريس تفضي بنا دائما من ضفّة إلى أخرى/
حمْدا لهذه الوجوه إذْ تقول لك « أنتِ أيضا لك مُحَيّا طلْق…»/
فما الذي جئت تفعلين هنا في باريس/
إذا لم تستطيعي أن تجثي على ركبتيك في نداوة الفجر، وأن تفتحي فمك لوجع اللذّة لذّة عابر مجهول/ ولماذا إذن تفغرين فمك؟/
أنت التي لم تهبي رضابك ولا نَفَسَك لأيّ إنسان أيّا يكنْ/
من التي تبكي عندما يخلد الجميع إلى النوم؟ ألديك شيء خطير تبوحين به؟
أنت التي رفضت أن تنالي خبز فمه، وقبلاته/
أنّى لك أن تغنّي بعد ذلك؟
وأنا على رصيف النهر، أمشي حافية القدمين، في شُفُوف الفجر/
أتمنّى لو أنّ أحدا ما يطلب منّي الشيء الوحيد الذي أستطيع أن أمنحه إيّاه، في هذه اللحظة بالذات/
لَيكونَنَ تَقْدِمَةً معطاةً للساني/
مناسبةَ لشفتيّ/
لتهمسا بصلاة لم تُتْلَ قطّ حتّى الآن.
***
أوجين دو أندراد (شاعر برتغالي) 1923/2005
أنا أعرف أين يُنوّر القمحُ الفمَ/ لكنّي أتذرّع بهذا السبب/ لأتدثّر بالرداء الرثيثِ رداءِ الهواء
لأرحلنَّ ذات صباح من جوان/ ولتكونَنّ آخر مرّة/ لأرحلنَّ دون أن أدري إلى أين تؤدّي الطريق. ولا الظمأ
المطرُ يهطلُ/ هي ذي الصحراء/ والنار تنطفئ/ ماذا نفعل بهاتين اليدين شريكتيْ الشمس؟
سبتمبر: يا له من ميقات للنوم ــ أو أحسن فوق هذه الأوراق المؤتلقة وهي تغطّي أرض الشفق/ كيف لنا أن نرحل، ونترك البيت المتنقّل قفرًا، هذا الضيّق على النظر؟ وهو كلّ ما تبقّى لنا.
الحائط أبيض/ وبغتة يهبط الليل على بياض الحائط/ثمّة فرس شبيه بالصمت/ حجر بارد على الفم، حجر غشّى عينيه النوم/ ممكنٌ أن أحبّك، لو تقبلين الآن/ لو تنحنين بوجهك على وجهي الصافي حقّا/ الضائع حقّا/ أنت، أيّتها الحياة
أنظري، أنا لم أعد أعرف حتى أصابعي/ تلك التي تنخرها الشهوة/ كنت أمسّ خفيفا قميصك/ أفكّ زرّا/ أحزر أنّ لنهديك لونَ القمح، والحمام البريّ/ هكذا كنت أقول، والصيف يوشك/ الريح وسْط الصنوبر، والنوء على المنحدرات تكاد/ الليل، لن يتأخّر الليل/ كنت أحبّ الحبّ هذه الآكَلَة
الآن مرتجفة تشرد الأصابع/ البحر بعيد، والصوت ينكسر ببطء/وقد فات الأوان تقريبا لكي نموت/إيّاك أن ترتاب في هذا: فقد كنت هذه الشجرة، هذه البهجة المنذورة للطيور الوحيدة
يكفينا نزار قباني وقصدته الرائعة ” ياتونس الخضراء جئتك عاشقا ………وعلى جبينى وردة وكتاب ” في هذه القصيدة شخص الشاعر نفسية الحاكم العربي وتتدرج في ابياتها بذكر محطات كثيرة في تاريخ الحكم العربي بقوله ” ماتت خيول بني امية” وختمها بقوله ” والله جل جلاله التواب “.