قامت لجنة التعويضات في الامم المتحدة، مؤخراً، بدفع 990 مليون دولار من العراق الى دولة الكويت تعويضا لها عن الغزو العراقي في عام 1990. ليصل مجموع ما دفعه العراق، حتى الآن، مايقارب 46 مليار دولار وعليه ان يدفع مايقارب 7 مليارات دولار لاكمال التعويضات حسب قرار مجلس الأمن رقم 678 لعام 1991.
وتثير التعويضات المدفوعة لبلد ما نتيجة غزو او شن حرب تساؤلات قانونية وانسانية واخلاقية عديدة. مايهمني هنا، هو الجانب القانوني المتعلق بتطبيق القانون الدولي، سواسية على الجميع، خاصة اذا كنا من المؤمنين بان تطبيقه بعدالة على جميع الدول، هو الحل الافضل، لمستقبل خال من الاعتداءات والحروب والغزو.
ولننظر الى غزو العراق، بقيادة امريكا، في عام 2003، وهو الغزو الذي يتفق كثير من القانونيين الدوليين، ومعهم الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان مثلا، على انه غير شرعي، اي عدوان على دولة ذات سيادة، عضو في الامم المتحدة ومن المؤسسين لها. فاذا كانت الكويت لا تزال تتلقى المليارات تعويضا لها عن الغزو العراقي لها، ولنفترض صحة الموقف، ماذا عن الغزو الانكلو – امريكي للعراق؟ ماذا عن القتل المباشر للمدنيين وغير المباشر جراء الغزو وآثاره المستمرة؟ ماذا عن تدمير البنية التحتية للبلد وانعكاسات ذلك على الجيل الحالي والاجيال المقبلة؟ ماذا عن انتهاكات القانون الدولي والقواعد القانونية لحقوق الانسان في فترات الحروب، واستخدام الاسلحة المحرمة، من بين العديد من الخروقات التي ارتكبتها قوات الاحتلال، ولاينقصها التوثيق الدولي والمحلي؟
لننظر الى التفاصيل . اولا: ان جوهر المأساة هو عدم وجود حكومة عراقية، تمثل الشعب وتحمي مصالحه، تطالب بالتعويضات. وفي حين هناك من المسؤولين في الحكومة والساسة البارزين في العملية السياسية من يطالب بدفع العراق التعويضات لأيران جراء الحرب العراقية الايرانية، لم نسمع فيه عن اي سياسي او مسؤول ايراني أو حتى «مثقف ليبرالي» يطالب الحكومة والشعب الايراني بدفع التعويضات الى العراق. ولم نسمع بالدعوة الى تجاوز البلدين لتلك الفترة الأليمة والبدء بصفحة جديدة بينهما.
ثانيا: في غياب جهة قانونية تمثل الشعب وطلبات تعويض المتضررين، على كافة المستويات من التعذيب وانتهاك الاعراض الى القتل المباشر، تركت قضية التعويضات لاحسان قيادة جيش الاحتلال الامريكي ضمن خطته العسكرية الجامعة ما بين استراتيجية القتال المضاد للتمرد والقوة الناعمة. وكانت معظم تعويضات المرحلة الاولى (2003 – 2004)، من حساب العراق الذي كان مؤتمنا عليه من قبل الامم المتحدة تحت سياسة النفط مقابل الغذاء. تلتها مرحلة (2004 – 2011 )، اي منذ تسليم السلطة الى حكومة اياد علاوي المؤقتة الى انهاء التواجد العسكري المباشر وتسليم البنتاغون معظم الصلاحيات الى وزارة الخارجية الامريكية ومسؤولي الـ «سي آي أي» العاملين في السفارة المحصنة جوا وبرا في المنطقة الخضراء ببغداد.
اعتبرت قوات الاحتلال، في المرحلتين، دفع مبالغ معينة الى المواطنين العراقيين جراء الجرائم التي ارتكبتها ، مبالغ « تعزية» وليس تعويضا او قبولا بالمسؤولية. وكانت تطبيقا عمليا لاستراتيجية مكافحة التمرد من خلال تهدئة اهالي «البلد المضيف»، و»فعلا رمزيا» لتغطية اضرار الحرب وليس اعترافا بالمسؤولية لتفادي الوقوع في شراك المسؤولية القانونية. وليتم دفع مبالغ التعزية، تم تعيين معلم مدرسة متوسطة أمريكي متطوع في قوات البحرية وكانت لديه الصلاحية بدفع مبلغ 500 دولار لحالة فقدان ذراع او ساق، ودفع مبلغ 1500 دولار، كحد اقصى، لمقتل شخص. وكانت المبالغ المتوفرة له بشكل نقدي، وهي ملك للمؤسسات والبنوك العراقية، قد اطلق عليها توصيف «ارصدة العدو». وتوجب على المواطن العراقي اذا ما اراد المطالبة بتعويض عن جريمة قتل او تعذيب او غيرها مما ارتكبه جندي الاحتلال اثبات ان الجندي قام بارتكاب الجريمة في وقت فراغه وليس اثناء ادائه واجبه العسكري. مما يعني، في الواقع، ان من المستحيل على اي عراقي نيل اي تعويض كان لصعوبة اثبات المطلوب.
قارنوا ذلك بالتعويضات التي يستمر العراقيون بدفعها للكويت، حيث وفرت الامم المتحدة استمارات تقديم طلب التعويضات باسلوب سهل ومريح. وأصبح بأمكان الشخص ليس فقط تحصيل تعويض عن بناء أو سيارة بل عن طعام تلف وصورة كسرت، وخوف أصابه أثناء الحرب بمصاريف طبية خيالية.
الادهى من ذلك قارنوها بالاتفاقية التي وقعها «العراق الجديد»، مع الولايات المتحدة، 2 أيلول/ سبتمبر 2010، حول تعويض ضحايا الحرب العراقية الامريكية. كلا . لاتفرحوا.
انه ليس تعويض الضحايا العراقيين بل انها اتفاقية تنص على «موافقة الحكومة العراقية على دفع 400 مليون دولار تعويضا لضحايا صدام حسين من رهائن او جرحى امريكيين». مما يثبت مستوى الانحدار الانساني والاخلاقي في الاستهانة بحياة العراقيين والمتبدي حتى في قيمة التعويضات .
فحياة العراقي تساوي 1500 دولار بينما تعرض الامريكي للضغط النفسي يساوي الملايين.
مايجدر التنويه اليه في هذه الترتيبات المأساوية، مذكور بوضوح في تقرير وزارة الخارجية حول تسوية التعويضات لصالح الامريكيين. جاء فيه «إن حل هذه المطالبات … يمثل خطوة هامة في جهود العراق لتسوية المطالبات المعلقة الناشئة عن تصرفات النظام السابق». هذه المطالبات، اذن، باعتراف الادارة الامريكية، نتيجة سياسة النظام السابق. واذا ما قرأنا مئات التقارير الصادرة عن الادارة الامريكية، منذ تسعينيات القرن الماضي، عن حاجة الشعب العراقي الى «التحرير» من نظام دكتاتوري، قمعي، ولتأسيس نظام ديمقراطي، فلماذا يقومون بتحميل المواطنين مسؤولية افعال نظام لم يتم انتخابه ديمقراطيا ؟ كيف تحول الشعب، فجأة، من شعب ضحية، مسلوب الارادة (قبل تحريره امريكيا) الى شعب تتوجب معاقبته؟
يقودنا تتبع قضية التعويضات ومسؤولية الشعوب عن حكامها، حتى ان لم يكونوا منتخبين «ديمقراطيا» الى تساؤل آخر يبدو أكثر واقعية. الا يتوجب على الشعب الامريكي، اذن، دفع التعويضات جراء الحرب التي ارتكبت باسمه، على مدى عقود، ضد العراقيين؟ أقول عقودا لأن جرائمهم تشمل 13 عاما من الحصار بالاضافة الى الغزو والاحتلال، وحين لا يمكن وصف حكام امريكا بالاستبداد، كما هو حال الحكام العرب مثلا، لأن الشعب الامريكي ينتخب رئيسه مرة كل اربع سنوات، كما ينتخب ممثليه في الكونغرس مرة كل عامين. فلم لا يقوم بتسوية «المطالبات الناشئة عن تصرفات» رؤسائه؟ ام انها، كما يقول المفكر البريطاني برتراند راسل: «من طبيعة الإمبريالية أن يكون مواطنيها، دائما، آخر من يعلم أو يهتم، بظروف الناس في المستعمرات»!
٭ كاتبة من العراق
هيفاء زنكنة