يستنهض أمجد ناصر في قصيدته لغة شعرية جديدة دون التعويل، دائماً، على طاقة المجاز التي شكلت سلاح القصيدة ومكرها الخالد منذ البدايات الأولى لسحر الكلام. وهو شاعر مهارة موغلة في الحنان. أي أنها مهارة ليست منتزعة من تلاطم مكونات منطقية، أوذهنية لها رنين المعدن الجاف. ولا تقوم على جهد البراعة وحده، أوالاقتدار المعزول عن روافد الوجدان العامرة بالمرارة أوالمسرات، فالرابطة وثيقة جداً بين الذكاء الباني لجماليات النص وبين اكتناز هذه الجماليات بهبات الروح المذعورة أو المتشهية.
شاعر أعاد ترتيب علاقة المخيلة بالمتخيل فصارت القصيدة لديه تبدأ، في الغالب، من واقعة ما، ثم تتلقفها بعد ذلك مطحنة الخيال لتستدرجها من نسبها الواقعي الى نص لا يعتمد على الاستعارة بل يقوم في كله الموحد المترابط مقام الأثر الاستعاري.
تنبثق شعرية امجد ناصر من عناصر جمالية ورؤيوية ليس الجمع بينها مطلباً ميسوراً دائماً. هذا أولاً، أما ثانياً فإن الشاعر كان يخضع هذه العناصر لإعادة نظر دائمة، يعيد وضعها في موقع الفاعلية باستمرار، ليجعلها عوناً حقيقياً في بحثه الشاق والواعي عن قصيدة نثر خاصة به.
من هذا المنطلق يمكن القول إن هذا الشاعر كان ومايزال نموذجاً للشاعر الذي يعي ما يفعل . إن له تصوراً يغتني بالتفاصيل والمراجعة مع كل عمل شعري جديد يصدره. وإذا كانت قصيدة النثر في مراحلها الأولى، قد وجدت في قصيدة الماغوط برهانها الشعري الذي يكرس حيويتها وتأثيرها على مستوى الذائقة والتلقي النقدي، فربما يحق لقصيدة أمجد ناصر أن تكون برهاناً شعرياً ناصعاً على قصيدة نثر معافاة، يقدمها شاعر متميز ممثلاً لمرحلة شعرية مختلفة.
أميرالقادمين من حقل الإيقاع :
لقد أقبل أمجد ناصر الى أرض النثر من حاضنة إيقاعية رصينة، استندت الى وعي بالإيقاع وإدراك لدوره في بنية النص الشعري، وتنمية قدرته على التعبير. وكان قد تعرف بعمق على مفاصل بالغة الحيوية في الشعر العربي الحديث، مشدداً، وكما يفعل الشاعرالواثق،على أكثر تجارب هذا الشعر تميزاً وفرادة، تجربة سعدي يوسف وحسب الشيخ جعفر ويوسف الصائغ تحديداً،
جاء الى هذه الأرض الوعرة بفأسه النضّاحة بأنين الريح وعرق الأشجار، وطوعها بدهاء ساحرٍ نبيلٍ لتبطل مكر الأفاعي المدربة. ويقطع، دفعة واحدة، ماكان يشدّه الى الغابة الاولى من أمراسٍ غليظةٍ محتفظاً منها بأهم ما فيها، أعني بما يسميه صبحي حديدي، محقاً، « تعاقد حيوي مع الذائقة مردّه تلك الآثار العراقية الغائرة عميقاً» في تكوينه.
شيءٌ بالغ الندرة، أوشديد التخفي في قصيدته ربما، لكنه كثير الحدوث، قطعاً، في شعر القادمين من حقول الإيقاع الى مرتفعات النثر الوعرة. أعني أن قصائدهم النثرية لا تبدو خالصة تماماً من شبهة الوزن ، فهو يطل علينا من هنا أوهناك، بوعيٍ من الشاعر أودون وعيٍ منه.
شيءٌ بالغ الندرة، أوشديد التخفي في قصيدته ربما، لكنه كثير الحدوث، قطعاً، في شعر القادمين من حقول الإيقاع الى مرتفعات النثر الوعرة. أعني أن قصائدهم النثرية لا تبدو خالصة تماماً من شبهة الوزن ، فهو يطل علينا من هنا أوهناك، بوعيٍ من الشاعر أودون وعيٍ منه.
الوزن، في هذه الحالة، لا يدبّ في ثنايا النص النثري، كما يفعل الإيقاع، دبيباً خافتاً بضغط الدلالة وتموج الروح أوالمزاج، بل يعلق ببعض الجمل والصياغات، في منأى عن وطأة الداخل غالباً. وهكذا قد تبدو بعض نصوصهم خليطاً غير متجانس من نثرٍ لم يخلُ من انسلالاتٍ وزنيةٍ طارئة، أو وزنٍ ضائعٍ في خضمّ اختراقاتٍ نثريةٍ كثيفة. الوزن واللاوزن، كلاهما، يقتحمان النص ويخلخلان نقاءه، كما يشتهيان، ودون نداء جمالي أو دعوة دلالية.
تكاد أن تكون قصيدة أمجد ناصر مبرأة من هذه الظاهرة، فهو يكتب قصيدة النثر وكأن لغته المحسوبة بدقة ما تشممت يوماً نكهة الإيقاع في قصيدة التفعيلة أوعبرت مضائقه أوفضاءاته بيسر ودراية. بل كأنه قادم أصلاً ، ومنذ البدء، من وديان النثر وانسياحاته المرفهة المديدة، حيث المرونة والشدة والتثنّي والمخاتلة والموازنات والتضادات تعمل جميعا على إنعاش النص، وإثراء تموّجه.
حفاوة بدائية بالجسد:
وثمة نسغٌ حيٌّ في تجربة أمجد ناصر، ينبثق من حفاوة بدائية بالجسد، تتلبّس روحه بتلقائية مدهشة. وهذه البدائية لا تتعلق باللغة، مفرداتٍ أوصياغاتٍ، وإن كانت كذلك أحياناً، لكنها تتصل بروح النص قبل كل شيء. بمزاجه الذي يضيق بتجهّم المدينة في توقٍ محتدم الى حرية البراري ومغامرة الجسد. بصوره الشرسة واحتشاده بالحنين والجسارة وضراوة الحرمان.
وهذه الحفاوة البدائية بالجسد ليست خشونة في المعجم، بل هي رفيف في بطانته الروحية. وليست تصحراً في عروق النصّ بل في الذات التي يطحنها الظمأ واللهفة. وهي، أخيراً، ليست فضولاً مدينياً الى الأنثى، بل ضراوة اليباس، أويقظة التشهّي حين تقتحم ذلك الجسد وترجّ تمنّعه العالي.
٭ شاعر عراقي
الدكتور العلاق تحياتنا لحضرتك..أين موقفك المتمييز من ثورة العراق الجديد؟ وأين قلمك من وطنك العريق ؟
وأمامي بعضا من كتاباتك ، ديوانك : وطن يتهجى المطر !!
كان شاعرا مرحا وانسانا ناعما فلتنم روحة في الدعة والسلام