شكرا أمريكا!

لقد أصبحت قصة الموت مغرية في هذا الامتداد الجغرافي اللامتناهي، فأنت فينا الرجل الذي خلع عنه بزة الشهيد من أول تاريخ البشرية إلى آخر نبوءة في التوحيد. كانت وما زالت رسالتها إلى التوحيد تحملها طيور الوروار في لبنان كما في المغرب، فكان الوعيد هو سؤالي اليوم هو جمرة تحرق أشجار الغابات في كل أطراف الدنيا.. تخبو أمواج البحر قدام من رحلوا فرادى نحو ملكوت السماوات.. فلسطين تتلو على مسامعنا البيان الختامي لمؤتمر الموت !
لكن، لم نكن قادرين على رفع العلم ساعة هجوم العدو على الأطفال، لم نكن نملك مفردات كافية تسمح لنا بتركيب جملة مفيدة عن رحيلنا الجماعي.. خذ كفنك بيمينك أو شمالك.. لم تعد المواقع والاتجاهات مهمة في ركب جنائزي كبير.. كذا قصص تموت على راحة يدي الشهيد.. في غزة.. في فلسطين.. لن تموت وحيدا، أقسمنا القسم الغليظ بأننا سنموت معك بالمفرد والجمع.. لم يعد يهمنا سؤال ملاك الموت! اسمحوا لنا برسم سؤال الخلود.. قلنا ليلة أمس: هاتوا برهانكم!
لن نسمح لأنفسنا بعد اليوم بالذهاب إلى منتهى سيرة الذين خذلونا. تركنا صوت المؤذن معلقا بالصوامع.. خلف جدار وطن لا يسمح لأبنائه بالتفرس في لون العلم، بترتيل النشيد الوطني !
مدامع غزة تروي حكايتنا الجماعية بقراءة طوالع السور المكية، ابتلت صفحات دفاترنا. رحيلك يا هنية.. أيها السيد الكبير
نداء عاجل للروح قبل الجسد.. خُذْ كتابك بيمينك بعد استئذان الرحمن الرحيم.
نختلف في قراءة الأشياء، لكن نتفق حول حقيقة لا مراء فيها: إنها موتك التراجيدي في بلاد فارس.. نتفق حول اغتيالك.. حول رحيلك إلى بيتك الأخير.. سيكبر حزننا ليصبح شجرة وارفة.. قطوفها ثمرات الإيمان العميق بالمشترك الوجودي بكل تجلياته الرمزية.. أمهلوني قليلا لأقول لكم: هذا موتي أنا.. هذا موتكم أنتم.. ألف سلام على معجمي الذي سقط على الرصيف في مدينة حزينة. هي المراثي الشرقية كثيرة.. فمن منا لا ينتظر شمس تموز/ يوليو الرائعة؟
تأتي متكئة على الجبال المسيرة لتملأ أشعتها البنفسجية عيون الظاعنين عن الديار التي سكنت طفولة فلسطينية. ما من رحلة نحو البر أو البحر، إلا ورائحة الكنعانيين تحضر بقوة، تحضر كخيط دخان في كل المدن والعواصم.. نحن الهاربين من نفوسنا.. لا نرغب في امتحان صباحات يوليو.. تنقل شاشات التلفزيون صورنا العارية فيتفرج عليها رؤساؤنا وملوكنا العظام.. فشكرا لهم على هذا الصنيع الحزين.. ألف شكر لأمريكا وإسرائيل اللتين تعيد قتلنا بالمفرد والجمع للمرة الألف…

كاتب من المغرب

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية