دمشق – «القدس العربي» : بأجساد منهكة أثخنتها ويلات الحرب والتهجير، أمضى المهجرون في مخيمات إدلب شمال غربي سوريا، ليلة طويلة بسبب عاصفة مطرية ضربت المنطقة، وأسفرت عن فيضان مياه السيول على الخيام، وذلك وسط ضعف الاستجابة الإنسانية على الصعيد الدولي والمحلي، وتعاظم الأوضاع الكارثية التي يعيشها المهجرون في المخيمات منذ نحو 10 سنوات، لا سيما مع تفشي وباء الكوليرا وفقدان مصادر المياه النظيفة للشرب.
وسب مصادر محلية، فإن أكثر من 9 مخيمات في منطقة سهل الروج ضربتها مياه السيول والفيضانات مائية، ما أدى إلى تضرر الخيام ونزوح أهلها، فضلاً عن انقطاع الطرق داخل المخيمات وصعوبة تصريف المياه نتيجة غياب الصرف المطري في مجمل المخيمات.
مدير منظمة «منسقو استجابة سوريا» الدكتور محمد حلاج قال في تصريح لـ«القدس العربي» إن العاصفة المطرية التي ضربت مناطق شمال غربي سوريا أثرت على مخيمات النازحين في المنطقة حيث تضرر أكثر من ثلاثة آلاف نسمة، بينما أصبح أكثر من 400 منهم بدون مأوى بعد دمار الخيام.
إهمال 1.5 مليون مدني
واتهم حلاج المنظمات العاملة في المنطقة، بعدم الواقعية لجهة تنفيذ مشاريع في المخيمات، مع تسجيل تلك الأضرار، وأضاف «أما الحديث عن تنفيذ مشاريع التعافي المبكر في المخيمات فهو أمر غير منطقي وهو يمثل مساواة غير عادلة بين مشاريع التعافي المبكر لدى النظام السوري وبين مناطق شمال غرب سوريا».
ويعيش أكثر من 1.5 مليون مدني هجرتهم قوات النظامين السوري والروسي من بيوتهم، في مخيمات على الشريط الحدودي التركي، في ريفي إدلب وحلب، وتفتقد هذه المخيمات للبنية التحتية الأساسية من طرقات ومياه وشبكات صرف صحي، وهو ما يضع ساكنيها عرضة لتكرار المأساة كل شتاء.
أكثر من 400 منهم أصبحوا في العراء وسط ظروف مناخية عاصفة
الدفاع المدني السوري، قال في بيان رسمي، إن مأساة المهجرين في المخيمات تتكرر كل شتاء دون وجود أمل قريب بعودتهم إلى منازلهم التي هجرهم منها نظام الأسد وروسيا، بينما تزداد أوضاعهم المعيشية بالتردي، بسبب فقدانهم مقومات الحياة الأساسية وسط تفشي مرض الكوليرا.
وتركّزت العاصفة المطرية على مدينة إدلب وريفها، وكان النصيب الأكبر لمنطقة سهل الروج في ريف إدلب الغربي، حيث استجابت فرق الدفاع المدني السوري منذ مساء الخميس حتى صباح الجمعة لـ 7 مخيمات (المحطة والبرسة وتلمنس والبالعة والسكة في سهل الروج وتركمان الزاوية في ريف جسر الشغور و (مخيم وادي حج خالد) غربي مدينة إدلب التي تضررت بشكل كبير بفعل السيول والأمطار، وبلغ عدد الخيام التي تضررت فيها أكثر من 130 خيمة (دخلتها المياه)، ويقدر عدد العائلات التي تضررت بشكل كبير بأكثر من 100، كما تضررت مخيمات أخرى في ريف إدلب لكن الأضرار كانت جزئية.
ولم تقتصر أضرار العاصفة المطرية على المخيمات، حسب البيان، بل امتدت إلى المدن والبلدات وأدت لانقطاع في عدد من الطرقات في مدينة إدلب وفي طرقات واصلة إليها، إضافة لقرى وبلدات في ريف إدلب الغربي، وأدت هذه السيول لأضرار مادية كبيرة منها انجراف سيارة بقرية سيجر بسبب السيول وتهدم جزء من منزل في قرية عري غربي إدلب.
وخلال استجابة فرق الخوذ البيضاء للمخيمات، فتح المتطوعون «قنوات لتصريف المياه، إضافة لتنظيف مجاري القنوات الموجودة، وضخ المياه من طرقات وعبّارات تجمعت فيها المياه وجرفت الوحل والحجارة من المناطق التي ضربتها السيول، وساعدت في إجلاء عدد من المدنيين إلى منازل قريبة، إضافة لإخراج آليات وسيارات انحرفت عن الطرقات بسبب السيول أو علقت في الوحل».
شهادات نازحين
ورغم أعمال الاستجابة الإسعافية، وتجهيز أرضيات صلبة في المخيمات وفرشها بالحصى، وفتح طرقات وإقامة قنوات تصريف ورفع سواتر ترابية في محيط عدد من المخيمات لاسيما التي تقع في الأودية أو ضمن مجاري السيول لمنع المياه من الوصول للمخيمات، إلا أن كل هذه الأعمال ليست حلاً دائماً أو مضموناً يجنب المهجرين خطر السيول.
وقال النازح خالد أحمد، لمراسل الأناضول، إن مياه الأمطار داهمت خيام 60 عائلة في مخيم «الحاج خالد»، مشيراً أن كافة المقتنيات غمرتها المياه.
وأضاف أحمد أن مستوى مياه الأمطار بلغ نحو متر، ما اضطرهم لحفر قناة بالمخيم لتصريفها، مشيراً أنهم طلبوا المساعدة من طواقم الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء).
وأشار الى أن العائلات التي غرقت خيامها اضطرت للبقاء في خيام الجيران طوال الليل، حيث ضمت كل خيمة 8 عائلات، لافتاً أن عدد كبير من الأطفال تم نقلهم للمشفى جراء تعرضهم للمياه والبرد.
وأوضحت النازحة مريم حمود، للأناضول أن كثير من الأطفال تضرروا من المياه والطين، مشيرةً أنها وعائلتها قضوا الليل في خيمة الجيران. وأضافت حمود: «لم نعش في حياتنا ليلة كهذه، لدي طفلان معاقان لا يمكنهما المشي، كل أشيائنا وطعامنا غرقت في المياه والطين». بدوره قال أحمد حسين، أحد سكان المخيم، إن المياه داهمت خيمته فتأذى أخوة له صغار وغرق كل شيء في الخيمة.
وتعرضت المخيمات شمال غربي سوريا، خلال الشتاء الماضي لعواصف مطرية وثلجية أدت لأضرار في مئات المخيمات وشردت عشرات آلاف العائلات، وتعكس آثار المنخفضات الجوية الأخيرة استمرار الواقع المأساوي في المخيمات في ظل غياب حلول فعالة لواقع المهجرين.
واعتبر البيان، أن ضعف أعمال الاستجابة الإنسانية على الصعيد الدولي والمحلي على حد سواء يزيد من الأوضاع الكارثية التي يعيشها المهجرون في المخيمات، مشيراً إلى أن الآثار التي ستخلفها السيول هذا الشتاء ستكون كارثية ومختلفة عن الأعوام السابقة بسبب تفشي مرض الكوليرا، كما سيكون لهذه السيول دور كبير في تزايد تفشي المرض في المخيمات التي تفتقد للحد الأدنى من مقومات الحياة وتفتقد لمصادر نظيفة لمياه الشرب.
كما بينت منظمة الخوذ البيضاء، أن المجتمع الدولي مطالب بإيجاد حل جذري للمأساة السورية وعدم الاكتفاء بالتعامل مع معالجة بعض النتائج الكارثية للتهجير دون إنهاء المشكلة ومحاسبة النظام على جرائمه وإعادة المهجرين إلى منازلهم، والبدء بحل سياسي وفق القرار 2254 يضمن العيش بسلام والعودة الآمنة لجميع المدنيين وينهي الآلام التي يعانيها السوريون في مخيمات القهر.
كان الله في عونهم جميعا يارب العالمين، والله يأخذ بيدهم كبيرهم وصغيرهم بإذن الرحمان الرحيم رب العالمين