دمشق – «القدس العربي»: ارتكبت المقاتلات الحربية الروسية مجزرة مروعة، أزهقت أرواح 7 مدنيين بينهم أب وطفل، نتيجة قصف مكثف استهدف موقعاً صناعيا ومنزلاً، على أطراف بلدتي الشيخ بحر وحفسرجة غربي إدلب، بالتزامن مع قصف بري لقوات النظام السوري بصواريخ تحمل قنابل عنقودية على سهل الروج في ريف إدلب شمال غربي سوريا.
وقال الناشط الإعلامي محمد الخطيب من ريف إدلب في اتصال مع «القدس العربي» إن المقاتلات الروسية نفذت أكثر من 14 غارة على ريف إدلب، حيث قتل 7 مدنيين، أغلبهم عمال لدى «ورشة للحجارة»، مشيراً إلى أن من بين الضحايا أباً وابنه.
مقتل عنصرين من «قسد» باشتباكات في مخيم الهول
وقال الدفاع المدني السوري إن العمال كانوا داخل «منشرة للحجارة يسعون لقوت يومهم وإعالة أطفالهم، حيث قتل وجرح أكثر من 19 شخصًا في حصيلة غير نهائية لغارات جوية للطائرات الحربية الروسية» على أطراف قرية حفسرجة، وأخرى استهدفت منطقة الغفر بسهل الروج غربي إدلب والتي تعرضت أيضاً لقصف بصاروخ أرض ـ أرض محمل بقنابل عنقودية بالتزامن مع الغارات الجوية.
16 غارة جوية
المرصد السوري لحقوق الإنسان، قال إن طائرات حربية روسية قصفت منزلاً ومنشأة صناعية في منطقة الشيخ يوسف في ريف إدلب الغربي، حيث شنت 3 طائرات حربية روسية، غارات جوية على مناطق في محيطي حفسرجة وسيجر وقرب قرية الغفر في منطقة سهل الروج في ريف إدلب الغربي. وتعد الضربات الجديدة هي الأولى في شهر أيلول الجاري، وجاءت بعد أكثر من أسبوع من الضربات الأخيرة في 31 آب الفائت.
ووثق المرصد 16 غارة جوية روسية نفذتها على منطقة خفض التصعيد، خلال الشهر الفائت، لم يسجل إثرها أي خسائر بشرية. ويأتي التصعيد في سياق السياسة الروسية المتبعة تجاه مناطق خفض التصعيد الخارجة عن سيطرة النظام السوري شمال غربي سوريا، موجهة بذلك رسائل دموية مبطنة لأنقرة وفق محللين لتحقيق بعض التنازلات في ملفات عدة وعلى رأسها التقارب مع النظام السوري، تحت ذريعة عدم تنفيذ هذه الأخيرة لتعهداتها في تفكيك هيئة تحرير الشام.
الباحث لدى مركز مشارق ومغارب عباس شريفة، ترجم التصعيد على أنه ردة فعل روسية نتيجة فشل عدد من الاجتماعات التي طالبت فيها روسيا بفتح الطريق الدولية إم 4، وفتح معبر سراقب بين مناطق النظام وإدلب، فضلاً عن مطالبها بتمرير المساعدات والتبادل التجاري عبر الخطوط والمعابر المحلية بدلًا من معبر باب الهوى. وأمام كل هذه المطالب الروسية، يبدو أن هناك تعثراً في الوصول إلى تفاهم بين الطرفين التركي والروسي، لذا ترى موسكو أنه «لا بد من الضغط العسكري الروسي على القوى المحلية الموجودة في إدلب، وكذلك تركيا بشكل أساسي».
وإزاء السياقات التي يأتي فيها الصعيد، قال الباحث، إنها تأتي ضمن سياقين «الأول عام وهو إعطاء روسيا لنفسها حق التصعيد، والحق في الاستهداف طالما هيئة تحرير الشام موجودة، كورقة تستعملها للتدخل وإحداث توتر وفتح معارك في إدلب ومحيطها». أما السياق الخاص «فيتعلق بقضية المعابر والتبادل التجاري وفتح معابر سراقب فضلاً عن السماح بحركة المدنيين والتنقل بين مناطق النظام وفصائل المعارضة».
ويوافق الباحث لدى المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام رشيد الحوراني التحليل بأن التصعيد الروسي يعود لعدة أسباب أهمها الضغط على تركيا وإجبارها على تقديم تنازلات وبشكل خاص بما يتعلق بمسألة التقارب والانفتاح على النظام السوري، حيث يرى «الروس أن هذا الأسلوب مجدي في تعاملهم مع تركيا بما يتعلق في الوضع بسوريا».
مقتل اثنين في «الهول»
كما تحاول روسيا وفق المتحدث، عدم إظهار تأثرها بما يجري في أوكرانيا، وإبراز القدرة على إدارة الصراع في كلا الجبهتين، مشيراً إلى أن رسائل موسكو تتخطى تركيا فهي موجهة أيضًا لطهران وميليشياتها التي عززت مواقعها في محاور شمال غرب سوريا، مفادها «أن القرار المتعلق بالمعركة من عدمها، والتصعيد أو الاستقرار هو بيدها» وعلى إيران إدراك ذلك.
على جبهة أخرى، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية الخميس مقتل اثنين من عناصرها خلال اشتباكات مع خلية مسلّحة تابعة لتنظيم الدولة حاولت الفرار من مخيم الهول المكتظ في شمال شرق سوريا. ويشهد المخيم الواقع في أقصى محافظة الحسكة ويؤوي نحو 56 ألف شخص نصفهم تقريباً عراقيون، حوادث أمنية بين الحين والآخر، تتضمن عمليات فرار أو هجمات ضد حراس أو عاملين إنسانيين أو جرائم قتل تطال القاطنين فيه.
وأفادت قوات سوريا الديمقراطية التي يشكل المقاتلون الأكراد عمودها الفقري وتدعمها واشنطن، في بيان صحافي «ارتقى اثنان من مقاتلينا متأثرين بجراحهما التي أصيبا بها خلال اشتباك مع خلية مسلّحة» تابعة للتنظيم ليل الخميس في المخيم. وحسب البيان، اندلعت الاشتباكات بين الطرفين أثناء محاولة المجموعة التي ضمت امرأتين وخمسة رجال تنكروا بزي نسائي الفرار من المخيم. وبعد تطويقها، عمد أفرادها إلى «إطلاق النار على قوّاتنا التي ردّت بالمثل». وقتل خلال الاشتباك أحد عناصر المجموعة، بينما تمّ إلقاء القبض على الستة الآخرين.
وكانت قوات سوريا الديمقراطية أطلقت قبل أسبوعين عملية أمنية داخل المخيم، على خلفية ازدياد التوتر والاعتداءات داخله. وأعلن التحالف الدولي بقيادة واشنطن في بيان الأربعاء أن العملية الأمنية أسفرت عن توقيف العشرات من عناصر التنظيم داخل المخيم، وتفكيك الشبكات الرئيسية التابعة له. وتمكنت قوات سوريا الديمقراطية، وفق بيان التحالف، في الخامس من الشهر الحالي من «تحرير أربع نساء في المخيم تمّ العثور عليهن داخل أنفاق، وهن مقيدات بسلاسل وتعرضن للتعذيب من قبل مناصري التنظيم».
ومنذ صيف العام 2014، سيطر التنظيم على مساحات واسعة في سوريا والعراق المجاور، قبل أن يتم طرده منها تدريجياً. وأعلنت قوات سوريا الديمقراطية في آذار/مارس 2019 هزيمة التنظيم بعد السيطرة على آخر معاقله في بلدة الباغوز (شرق) بدعم من التحالف.
… وعشرة في حلب
ورغم النداءات المتكررة وتحذير منظمات دولية من أوضاع «كارثية» خصوصاً في مخيم الهول، ترفض غالبية الدول استعادة مواطنيها. كما لم تستجب لدعوة الإدارة الذاتية إلى إنشاء محكمة دولية لمحاكمة الجهاديين القابعين في سجونها. وفي حلب أعلنت السلطات السورية أنّ عشرة أشخاص على الأقلّ لقوا مصرعهم في انهيار مبنى في مدينة حلب في شمال البلاد. وقالت وكالة الأنباء السورية الرسمية «سانا» إنّ «عدد الوفيات جراء انهيار بناء مخالف في حي الفردوس في حلب ارتفع إلى عشرة بعد انتشال جثث ستّ نساء و3 أطفال ورجل، بينما تم انقاذ طفل وامرأة من تحت الأنقاض ونقلهما إلى المشفى لتلقّي العلاج».
ونقلت سانا عن قائد الشرطة اللواء ديب ديب أنّ «البناء مؤلّف من خمسة طوابق وانهار بالكامل» مشيراً إلى أنّ «فرق الدفاع المدني والإطفاء والصحة ومجلس مدينة حلب بدأوا بإجلاء السكّان من الأبنية المجاورة وإزالة الأنقاض». وحسب رئيس مجلس مدينة حلب معد مدلجي فإنّ «سبب انهيار البناء عدم وجود أسس هندسية»، مؤكّداً أنّه «مبنى ضمن منطقة مخالفات تعرّضت للدمار» خلال المعارك التي شهدتها المنطقة أثناء الحرب بين قوات النظام وفصائل معارضة له.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إنّ «الحيّ تعرّض لقصف سابق بالبراميل المتفجّرة والصواريخ» خلال الحرب. وأسفر النزاع في سوريا منذ بدئه في 2011 عن مقتل حوالي نصف مليون شخص وتهجير ملايين آخرين داخل سوريا وخارجها، وتدمير البنى التحتية في البلاد.