شهر أسود على البيت الأبيض

حجم الخط
0

د. وداد البرغوثيتتصاعد ألسنة اللهيب الثوري في مغارب الوطن العربي ومشارقه. ولما كان ما جرى في تونس من ثورة شعبية عارمة غيرت الخارطة السياسية في ذلك القطر العربي، وامتدت عدوى الثورة حتى التغيير إلى جمهورية مصر العربية منذ مطلع الأسبوع، واعتلت الجماهير الغاضبة دبابات الجيش، وأحرقت مقار وسيارات الشرطة ومقار الحزب الحاكم. واقتحمت مبنى وزارة الخارجية وحاولت السيطرة على التلفزيون، والتصاعد في مطالب الجماهير من مطالب بتحسين الوضع الاجتــــماعي والاقتصــــادي إلى مطلب إســقاط النظــــام سلمــيا، والأردن وما يجري من تحركات فيه، ولبنان وسقوط الحليف الكبير للولايات المتحدة في الشرق الأوسط سعد الحريري، كل ذلك يعمل وسيؤدي بالضرورة إلى غد مشرق يتغير فيه وجه المنطقة، وتتحول من ملعب آمن تسرح وتمرح فيه الولايات المتحدة والدبلوماسية الغربية والدسائس الصهيونية على هواها، و’تتعنتر من قلة حدا يردها’، إلى منطقة ملتهبة لن تحتملها أقدام الحكام وأجسادهم وأرواحهم العارية أمام شعوبهم، رغم أن أجسادهم مدججة بالحماية ومحاطة بالحراس. أمريكا الآن والغرب ككل مرتبكون ارتباكا لم يسبق له مثيل، يعبرون عنه بنشاطات دبلوماسييهم المتزايدة في المنطقة، وبمؤتمراتهم الصحافية وبتحركاتهم وبياناتهم، وتعبيرهم عن القلق، وهذا يبشر بخير، فالقلق الأمريكي والصهيوني على المنطقة العربية دليل عافية يبشرنا بخير، ونحن فعلا مستبشرون. حاولوا في البداية أن يظهروا سعة صدرهم تجاه ما يجري في تونس والتشدق بالديمقراطية التي تمنح الشعب التونسي الحق في التعبير واختيار قادته، فحليفهم طار عن كرسيه بأسرع مما توقعوا. فانطلقوا من المثل العربي القائل: ‘إذا راح رزقك عليك بالبشاشة’ إذ لا جدوى من الحزن، لكن المسألة زادت عن الحد الذي تتحمله أعصابهم، وسارت رياح المشرق العربي بما لا يشتهون. لأننا نرى أن انزعاج أو ارتياح البيت الأبيض والكنيست وحلفائهما بمثابة الـــبارموميتر، أو المعيار الذي نقيس به سلامة ما يجري وصحته أو خطأه، فنحن نشعر بالارتياح الشديد كوننا ندرك أن وطــــننا العربي بدأ يتعافى من ســــموم الغرب التي تنشر في جسده، هذه بشرى لنا، وهذا دليل عافية قد أتحفنا بها هذا الشهر، الذي كان فاتحة خــــير على الشعوب العربية وفاتحة ويل على الحكام العرب، كما كان فاتحة لعام جديد، وأول الغيث قطرات ثم ينهمر.ولربما بدأنا نقــترب من تحقيق أمل الجماهير ليست المصرية فحسب، بل الجماهير العربية ككل في عودة مصـــر إلى واجهة الصراع العربي مع الاحتلال الصهيوني، ولربما تحول هـــــذا الشـــهر الى شهر أسودَ على البيت الأبيض، وينتهي ما بدأته الأمة نهاية تليق بجلال قدرها وبما يضع حدا لمعاناتها.. وإن غدا لناظره قريب.’ اكاديمية فلسطينية ـ جامعة بيرزيت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية